روبرت فيسك فارس القلم الحر الذي تَرجّل


يوم الأحد الماضي الأول من تشرين الثاني عام 2020 أعلن نبأ رحيل الصحفي البريطاني المخضرم ( روبرت فيسك ) في العاصمة الأيرلندية دبلن عن 74 عام إثر إصابته بسكتة دماغية مفاجئة لم تمهله طويلا

بدأ الصحفي البريطاني الشهير حياته المهنية مع صحيفة صنداي إكسبرس في لندن ثم عمل في صحيفة التايمز البريطانية وفي عام 1989 انضم إلى صحيفة لندن إندبندنت واستمر فيها حتى وفاته تخصص في تغطية شؤون الشرق الأوسط وكان ملتزم ومهني لا يعرف الخوف ويعمل بلا هوادة وبكفاح منظم لكشف الحقيقة بكل مصداقية وبأي ثمن حتى انه اعتبر أعظم صحفي في جيله بمواقفه المثيرة للجدل حيال العديدة من الملفات الساخنة والصعبة إقليميا ودوليا وفي مقدمتها انتقاداته اللاذعة والمتكررة للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل والسياسات الخارجية لبعض الدول الغربية يذكر أن فيسك كتب أطروحته للدكتوراه عن حياد أيرلندا خلال الحرب العالمية الثانية ضمتها ثلاث مجلدات وقد صدرت له عدة كتب أبرزها الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة وكتاب ويلات وطن وهو كتاب يتحدث عن لبنان الذي عاش فيسك فيه مدة طويلة من حياته وهنالك كتب أخرى عن تاريخ المنطقة والصراعات التي قام بتغطيتها خلال مسيرته الصحفية.

يعد الراحل فيسك أحد أبرز الصحفيين المؤيدين للقضية الفلسطينية فقد شارك في تغطية حرب غزة 2008 وتحدث عن مجازر الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين ونقل مئات التقارير المحايدة والصادمة عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وقد كان شجاعاً يقول الحق الذي يمليه عليه ضميره دون خوف من الصهاينة وأعوانهم في المنطقة لم يبيع نفسه أو فكرة ولم يتخلى عن فطرته الإنسانية السليمة وبرحيله فقدت القضية الفلسطينية قلماً حراً ونزيها وموضوعيا في زمن سيطرة أكاذيب المعاداة للسامية وسطوة الأقلام المأجورة فعلى مدار عقود طويلة وحتى الرمق الأخير من حياته ودون كلل أو ملل امتطى صهوة جواد الحق والعدالة واخذ من الكلمة والموقف سيفا يقارع بهما الظلم والعدوان وانتهال حقوق الشعوب التي تناضل من اجل الحرية ومقاومة الطغيان حيث سجل فيسك صفحات بطولية و شكل نموذج فريد للصحفي الوطني الحر في التصدي للغطرسة الأمريكية والمطامع الصهيونية.

كان فيسك من أشد المعارضين لما يعرف بـ"صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس ترامب وقد علق عليها بالقول وانقل هنا حرفيا إن الخطة ( قالت وداعا لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة ووداعا للقدس عاصمة لفلسطين ووداعا للأونروا لكنها أي الخطة رحبت بالاحتلال الصهيوني الدائم للضفة الغربية والضم الكامل للمستوطنات الصهيونية التي أقيمت هناك منتهكة القانون الدولي )

في عام 2005 وصفته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنه ( أشهر مراسل للشؤون الخارجية في بريطانيا ) بعد تغطيته الحروب في البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصحف بريطانية مختلفة على مدى خمسة عقود كما حاز على لقب ( أشهر مراسل حربي في القرن العشرين ) قام بتغطية أحداث تاريخية عديدة محورية حول العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط

وقد عرف بمقالاته الرزينة والوازنة وأعصابه الفولاذية وسط الضجيج والحماس فضلا عن انه كان من الأصوات القليلة في الغرب التي فهمت الوضع في العالم العربي بأدق تفاصيله وفي عام 1976 انتقل إلى بيروت حيث بدأ حياته المهنية كمراسل للشرق الأوسط وكتب عن الحرب الأهلية اللبنانية والثورة الإيرانية عام 1979 والحرب السوفيتية في أفغانستان والحرب الإيرانية العراقية وبعدها حرب الخليج عام 1990 إضافة إلى ثورات ما يسمى الربيع العربي وكان من بين الصحفيين المعدودين الذين قابلوا زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إذ قابله 3 مرات في التسعينيات وفي أول مقابلة بينهما عام 1993 وصف بن لادن بأنه رجل خجول وأنه يبدو تماما ( مثل محارب الجبال في أسطورة المجاهدين )

وقد تباينت التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على نبأ وفاته حيث أشاد كثير من المغردين بميسرته ورحلته المهنية فيما رآه آخرون مجرد صحفي كان له أهداف خاصة بما أثاره من الجدل قي كتاباته ومواقفه وقد فاز فيسك بعدد من أرقى الجوائز الصحفية العالمية خلال تغطيته أحداث الشرق الأوسط من بينها جائزة أورويل وجوائز الصحافة البريطانية عدة مرات من بينها جائزة المراسل الدولي وأفضل مراسل أجنبي وجائزة أفضل صحفي بريطاني 7 مرات وقد كان يتحدّث العربية بطلاقة ما ميزه في عمله وإثر شيوع نبأ وفاته نعىاه العديد من الشخصيات الأكاديمية والصحافية والسياسية وقد أعرب الرئيس الأيرلندي عن أسفه البالغ لخسارة الرجل الذي أثّر على العاملين الشباب في مجال الصحافة والكتابة السياسية والذي اعتمدت عليه الأجيال نظراً لرؤيته الغنية والنقدية لمجريات الصراع في مختلف أرجاء العالم.


ولد فيسك في ميدستون في مقاطعة كنت البريطانية في عام 1946 وحصل في ما بعد على الجنسية الأيرلندية وكان يقيم في منطقة دالكي خارج العاصمة دبلن وعاش حياته العملية في بلاط السلطة الرابعة التي اعتبرها مدرسة للأخلاق والصدق والسلوكيات الإنسانية النبيلة حيث كان الحق نبراسه وقدوته وبرحيله فقد العالم والعرب والشعب الفلسطيني رجلاً عنيدا أكمل حياته ثائراً ضد كل أشكال الظلم والاضطهاد ومدافعاً عن قيم الحرية والعدالة والمساواة وصحفيا فذاَ ومقاتلاً جسوراً ومناضلاً صلباً شكل نموذجاً للإنسان الوطني الحر الملتزم ورمزاً للاستقامة والنقاء

الراحل الكبير الصحفي روبرت فيسك فقدانك خسارة كبيرة نم قرير العين في مرقدك سيبقى مواطنيك ومحبيك وكل الذين فجعوا بغيابك والمتحسرون على فراقك في كافة أقطاب المعمورة يتذكرونك ويرون مواقفك الوطنية والبطولية بجانبهم حية وخالدة بصوتك وصورتك التي لن وبما تركته أفعالك وكلماتك وآراؤك تغيب أبدا ماثلة في محاربتك للمحتلين والطغاة وستظل ووصاياك ومبادئك وأفكارك منارة ونبراسا كلما عم الظلام واستعصى المسير أما الخونة وتجار الأوطان وسماسرة الحروب والأزمات المناصرين والداعمين لإسرائيل وإجرامها وأمريكا وغطرستها فسيذهبون الي مزابل التاريخ إن بقية لهم جثة تستقبلها المزابل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات