فاقد الشيء يعطي ما يملك


فاقد الشيء " قد تكونُ هذه الجملة قد حيرتْ العالم بأسرهِ "
أشخاص يتفقون " أن فاقد الشيء يعطيه بالشكل الذي تمنَّى أن يحصل عليه ..".
وهنالك أشخاص يتفقون " أن فاقدَ الشيء لا يعطيه" .
وبين هُنا وهُناك قد تُصبحُ مُحتارًا ، أي من هاتين الجملتين صحيحتين ، ويبدأ التفكير " يعطي أو لا يعطي!؟ ".
دعنا نتفق على هذهِ الجملة مبدئياً " فاقدُ الشيءِ يُعطيهِ أو لا يُعطِيهِ حسبَ الطلب .
هُنا الطلبُ ينقسمُ إلى قسمين :
قسم مادي ، وقسم معنوي.
لنبدأ بالقسم المعنوي :
تخيل معي فتاةً صغيرةً تربتْ مع عائِلتها لكِنّها لم تشعر بالحنانِ و المحبةِ والمودة ، فقط كانتْ تَسمعُ التوبيخَ والإهانات، لا يوجدُ هناك يدٌ تُطبطِبُ عليها، ولا أحد يمسحُ دمعتها المخفية في ظلمةِ الليل ، فتربتْ هذهِ الطفلةُ على عدمِ الحنانِ والمحبة ، فماذا تتوقع؟ هل تتوقع أنها ستقسو على أولادها في المستقبل كما قسو عليها؟!
اعذرني بهذه الكلمة " أنت على خطأ ".
بل على العكس، يوجد فيها حنان ومحبة قد يشبعُ العالمَ بأسره ، لأنها شعرتْ بمرارةِ الحرمانِ من الحنانِ والمحبةِ، فلا تُريدُ لأطفالها بل لأي شخصٍ في العالم صغيرٍ أم كبير أن يشعر بما شعرتْ به ، فقامتْ ومسحتْ دمعتها ولوحت بلافتةٍ للأُفق " فاقدُ الشيء يُعطيه لأنهُ أعلمُ الناسِ بمرارةِ فقده".

فتاةٌ أحبت شاب وسرق أحلى سنين عمرها ، ملّكتهُ قلبها ، أحبته كما أحبَ " قيسٌ ليلى "، وعنترة وعبلة، تماماً كقصصِ و حكاياتِ الحب الأسطورية ، ولكنهُ غَدرَ بها وتركها في منتصفِ الطريق ، وفجأةً ظهرَ شخصٌ في الطريقِ التي كانتْ تجلسُ بها وتندبُ حظها على ذلك الشخصِ الخائن، وكيفَ مَلّكتهُ زِمام قلبها ، مد لها يدهُ وأعطاها قلبهُ حتى تستطيعَ أن تُرمم ما حصلَ فيهِ من انهياراتٍ ودمار بعد ذلك الحب ، أتظنُ أنها لن تثقَ ولن تستطيعَ أن تقدمَ لهُ الحب؟ لأنها قدمتهُ لشخصٍ آخر فلن تستطيعَ أن تُحبَ مرةً آخرى؟!
اعذرني أن أقولَ لكَ " أنت على خطأ "، لأنها مسحتْ دموعها وابتسمتْ وأمسكتْ بيدهِ وقالتْ لهُ " فاقدُ الشيءِ يعطيهِ بالشكلِ الذي تمنَّى أن يحصلَ عليه" .
شخصٌ لم يتذوق الطعامَ منذُ يومين ولم يأكل كسرةَ خبز ، ويشعرُ أن أمعاءهُ قد تتمزقُ من شدةِ الجوع، وتصدرُ أصواتًا وكأن داخلها معركةٌ تتقارع فيها السيوف من شدة وطأة المعركة، أقصدُ من شدةِ الجوع ، وهناك شخصٌ يمتلكُ رغيفًا من الخبزِ وينظرُ إليه ويتذكرُ ماذا حصلَ لهُ قبل يومين بسببِ الجوع ، يتذكرُ ملامحهُ وخطواتِهِ وكيف كان يعاني من شدةِ الجوع ، فيذهبُ ويقدمُ له الخبزَ ويقولُ: " أحياناً فاقدُ الشيء يمنحك ضِعفه ، كأنه يمنحُ نفسهُ معكَ مافقده".
قد تصلُ إلى نتيجةِ أن " فاقدَ الشيء يُعطيه ".
نعم ولكن يجب أن تُكملَ الجُملة " فاقدُ الشيءِ يُعطيه بما يملك ".
فلا تطلب من شخصٍ لا يملكُ المال أن يُعطيكَ المال " لأنه وبكلِ تأكيد " فاقدُ الشيءِ لا يُعطيه ".
لا تطلب من شخصٍ " وظيفة " وأنت وهو على رأي المثل " بالهوا سوا " لأنه "فاقد الشيء لا يعطيه ".
لا تطلب من شخصٍ " أن يُهديك سيارة " وهو بالكادِ يمتلكُ أجار المواصلات، لأنه سيجيبك بلغتنا " من وين يا حسرة" .
وأنا سأُجيبك "فاقدُ الشيء يُعطيه أو لا يُعطيه " على مبدأ "إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع" .
والآن ماذا قررتْ يعطيهِ أم لا يُعطيه ؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات