استعادة الباقورة والغمر سيادتنا الوطنية كل لا يتجزأ


قال الشاعر العظيم الراحل محمد مهدي الجواهري في إحدى أبيات قصائده الخالدة ( لخير يوميك يوم تسترد به من كف أمسك مجداً فات ذاهبه يوم دحضت به عاراً وصنت به غداً وأدركت ثأراً عز طالبه سل الطواغيت " قادة الكيان الصهيوني المحتل " هل من غالب أشر إلا وهذا الدم المغلوب غالبه ).

مع إطلالة فجر يوم الأحد 10 تشرين الثاني 2019 خيمت فوق إسرائيل نذر التشاؤم واليأس وفقدان الأمل وتراكمت في سماء " الباقورة والغمر " سحابات من الإحباط والبكاء والهلع في يوم اعتبره المستوطنين اسودا حزينا يوازي الهزيمة والانكسار بعدما اعلن جلالة الملك عبد الله الثاني في خطاب له بافتتاح إعمال الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة عن انتهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر وفرض السيادة الأردنية على كل شبر منهما وبالتزامن مع خطاب الملك رفع الجيش العربي العلم الأردني فوق أراضيهما وأغلق البوابات الحدودية في وجه الإسرائيليين ومنعهم من الدخول إليهما.

ولدواعي إنسانية وأخلاقية بحتة سيسمح للمزارعين من إسرائيل بحصاد ما زرعوه في أراضي الغمر المستعادة قبل تسليم ملحق الغمر وفقا للقوانين الأردنية وعبر تأشيرات صادرة من السفارة الأردنية في تل أبيب وكل ذلك جرى في حالة ذهول وصمت عبري مريب وعجز فاضح عن الرد السياسي او مجرد التعليق حيث بدت وسائل الإعلام الصهيونية مصدومة وهي تحاول قراءة المشهد الأردني الرسمي والشعبي إمام تمسك الأردن بكل ذرة من ترابه الوطني وإصراره على انتزاعها بقوة من أيدي دولة الاحتلال الغاشمة خاصة بعد تدهور العلاقات بين الجانبين والذي وصل إلى حد استدعاء الأردن سفيره من تل أبيب وفي هذه الايام تمر العلاقات الأردنية الإسرائيلية في ذكرى ربع قرن على معاهدة السلام " وادي عربة " وهي بأسوأ مراحلها فتورا ثم قطيعة وقد وصف بعض المحللون الوضع القائم بين الجانبين بـ" الحرب الباردة " فالمعاهدة لم تنتج سوى مزيد من زعزعة الثقة بالمؤسسات الرسمية وتآكل شعبيتها بشكل مستمر.

قبل هذا القرار الوطني المجيد كان جلالته قد اصدر توجيهاته السامية للحكومة بالعمل على اتخاذ كافة الخطوات والإجراءات اللازمة لاستعادة أراضي الباقورة والغمر بعد انتهاء عقد تأجيرهما وفق معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية وإلغاء عقودِ المستأجرين الإسرائيليين وإنهاء أي مظاهر للتواجد الإسرائيلي فيها لتبقى أراضي أردنيةً تفرض عليها القوانين والأنظمة الأردنية وتنظم العلاقة فيهما بعد ذلك وفقا لشروط ( السلام المتكافئ ) حيث قال جلالته بكل حزم وإصرار ( لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا وقرارنا منذ البداية هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر ) الذي امتد 25 عاما بموجب معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين عام 1994.

هذا القرار الملكي التاريخي الحر والمستقل والشجاع بعودة منطقتي الباقورة والغمر لحضن الوطن وسيادته سيخلد في انصع صفحات المجد والعزة والشرف بأحرف من نور وهو يجسد أروع معاني الإرادة والتصميم في التحدي والمواجهة لاستعادة السيادة الوطنية الكاملة وتكريس مفاهيم الالتزام بقيم ( هوية الوطن الجامعة ) ومضامين التمسك بكل وطني مقدس حيث انتصرت كرامتنا على كل التحديات والصعاب وها نحن اليوم نزهو فخراً بوطننا ومليكنا ومنجزاتنا رغم كل ما حيك في الخفاء من مؤامرات وضغوطات وأجندات مرهونة على ظروف الجوار والإقليم والصراع ألدولي المستميت على الأرض العربية في فلسطين وغيرها.

وفي ثنايا أسطورة التلاحم الخالدة ما بين ( الشعب والملك ) يؤكد اليوم هذا الحمى الأردني الهاشمي من جديد بحنكة وحكمة قيادته ووفاء وتضحيا ت شعبه على انه كان عبر كل مراحل التاريخ وعلى الدوام مخلصا لدينه وامته ومدافعا عنيدا عن الحق والقدس جبينه عاليا وجبهته شامخة مكللة بالغار والعز والفخار وقد أثبت منذ الأزل أنه لا يقبل أبدا أي تنازل أو مساومة على أي ذرة من ترابه الوطني الذي تحرس حياضه وتدافع عن وجوده سواعد الرجال الإبطال من أبناء الجيش العربي والأجهزة الأمنية و رغم سوء أوضاعه وشدة أوجاعه رفض كل إشكال التهديد والابتزاز من الجانب الإسرائيلي سواء بقطع المياه او الغاز او الربط بين الإفراج عن الأسرى الأردنيين او المتسلل الإسرائيلي الأهوج بتمديد تأجير المنطقتين مرة أخرى وكما كان دوما يرفض اي مساومة في الملفات الصعبة مثل القدس والدولة المستقلة والتوطين.

الموقف الأردني حيال الباقورة والغمر قانوني بامتياز ولا لبس فيه ومن الحقائق الصادمة والمعلومات المسكوت عنها التي يجب ان يعرفها الأردنيين حول منطقتي الباقورة والغمر ان الكيان الصهيوني يستفيد من الباقورة والغمر سنويا ( مبلغ 5 مليارات دولار ) يجنيها من بيع الزهور والورود وأصناف أخرى مختارة من المنتوجات الزراعية الفريدة وذات الجودة العالية وأن المياه التي كان يستخدمها في المنطقة واقعة على حوض الديسي وقد دلت الخارطة الجغرافية الموثقة للحوض إنهما تقعان فعلا ضمن حدوده.

لقد شكل التحدي والالتزام والموقف الصارم الذي قدمه جلالة الملك عبد الله الثاني بكل قوة وثقة ردا بليغا وحاسما وحازما على كافة المرتهنين والمرجفين والمشككين بمواقفنا الوطنية وقراراتنا المستقلة وقدرتنا الذاتية في الدفاع عن حقوقنا وثوابتنا ومصالح بلدنا العليا وهم يرون ان كل الأردنيين موحدين بشأن القضايا الإستراتيجية الوطنية يلتفون حول قيادتهم الحكيمة ويفخرون بمواقفها المصيرية وقراراتها الجريئة وفي كل مرحلة أو خطر يتداعون بمواطنتهم الصالحة وحبهم الكبير لوطنهم ومليكهم الى رصّ الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية في ظل التحدّياتوالاخطار التي تفرضها الظروف الإقليمية ( حمى الله الأردن من العنصريين والطائفيين وسماسرة السياسة وتجار الدين ).

ان فرض السيادة الأردنية الكاملة وغير المنقوصة على الباقورة والغمر انجاز أردني شكل فاتحة أمل لن يخبو او يفت عضده وهو مؤشر ر لإمكانية إنهاء الاحتلال عن الأراضي العربية في فلسطين بما فيها القدس وأراضي الجولان السورية ومزارع شبعه اللبنانية ونيل الحقوق العربية مع مواصلة التحدي والإصرار عاجلا أم آجلا.

ما من شك أن الاحتلال الإسرائيلي وسياسة العدوان المستمرة على الشعب والأرض الفلسطينية هي السبب الرئيسي والمباشر لكافة التوترات والصراعات التي تعكر صفو الحياة في المنطقة ولن تنعم دولة الاحتلال بالأمن والاستقرار طالما هي تحتل أراضي فلسطين وتقيم المستوطنات وتعتقل أبناء الشعب الفلسطيني وترفض فكرة التعايش السلمي المشترك ولو في حدها الأدنى فضلا عن عدم اعترافها بالحقوق المشروعة لأبناء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها مدينة القدس كعاصمة أبدية للدولة الفلسطينية وجميع الأردنيون يسألون باستغراب كيف أمام كل هذه الحقائق والمعطيات يمكن الاطمئنان لكيان غاصب محتل ومجرم يعلن جهارا بكل عنجهية ضم القدس ويعد بضم مستوطنات الضفة و منطقة الأغوار الغربية.

يذكر ان منطقة الباقورة قطعة أرض تبلغ مساحتها 820 دونماً تقع شرقي نقطة التقاء نهر الأردن مع نهر اليرموك داخل أراضي المملكة احتلّتها إسرائيل عام 1950 واستعادها الأردن من خلال اتفاقية السلام وهي ضمن أراضٍ خصصتها الأردن عام 1928 لشركة كهرباء فلسطين محدودة الضمان مقابل دفع مبلغ مالي محدّد.

أما الغمر فهي قطعة أرض اخرى تقع بمنطقة وادي عربة في منتصف المسافة تقريباً بين جنوبي البحر الميت وخليج العقبة وتبلغ مساحة الغمر 4235 دونماً، احتلتها إسرائيل خلال الفترة من 1968 إلى 1970 واستعادها الأردن بموجب معاهدة السلام وهي أراضٍ مملوكة لخزينة المملكة الأردنية الهاشمية.

ختاما :

نضم أصواتنا وندعم ونطالب بإدراج يوم العاشر من تشرين الثاني يوما وطنيا ضمن الأعياد والاحتفالات المعمول بها في الأردن وذلك تزامنا واحتفالا بعودة أراضي الباقورة والغمر للسيادة الأردنية لتبقى حادثة فخر وموقف كرامة يخلد في سفر التاريخ الحديث ليشحن ويقوي عزيمة وأمل الأجيال القادمة بالعنفوان والاعتزاز الوطني.

وألف مبروك لشعبنا ومليكنا وعاش الأردن حرا عزيزا سيدا.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات