نيويورك تايمز: ترامب يوظف انتصار البغدادي لحرف النظر عن محاكمته


جراسا -

قال ديفيد سانغر الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” إن مقتل زعيم تنظيم “الدولة” أبو بكر البغدادي قام على عوامل يكرهها الرئيس دونالد ترامب. وقال إن الرئيس صوّر نهاية البغدادي على أنها انتصار له لكن العملية قامت على التعاون الأمني وجمع المعلومات التي عقدها قراره التخلي عن سوريا.

وقال سانغر إن العملية الجريئة التي أدت لمقتل البغدادي قامت على العوامل التقليدية الثلاثة التي بنت أمريكا قوتها عليها: التحالفات القوية، والإيمان بالمعلومات الاستخباراتية، وإظهار القوة العسكرية حول العالم.

وعبّر ترامب عن كراهيته للعاملين الأولين، إلا أن شكوكا ثارت وهو يحتفل بمقتل البغدادي حول حكمة قرار خروجه من سوريا. فترامب تعامل مع مؤسسات الاستخبارات الأمريكية بنوع من الشك ولطالما نظر إلى العاملين فيها كجزء من الدولة العميقة. كما عبّر عن شكوكه من التحالفات، خاصة التعاون مع الأكراد الذين تخلى عنهم بشكل عملي.

وقال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: “المفارقة أن العملية ضد البغدادي لم تكن لتحدث بدون وجود القوات الأمريكية على الأرض ومساعدة من الأكراد الذين خانهم ترامب ودعم الوكالات الاستخباراتية التي لم يعر لها اهتماما”.

وأضاف أن نجاح العملية لا يعني أن الظروف التي أدت إلى جعلها ممكنة ستكون متوفرة في المستقبل. إلا أن وفاة البغدادي بالنسبة للرئيس ترامب هي تأكيد لحكمته القائمة للدفاع عن أمريكا بدون نشر قوات والمشاركة في الحروب اللانهائية في الخارج. ويرى الرئيس ومؤيدوه أن محاولة النقاد التقليل من شأن العملية نابع من ملاحقة الرئيس ومحاكمته وحرف الانتباه عن عملية جريئة تذكر بعملية مقتل أسامة بن لادن في عهد باراك أوباما.

وكانت لحظة 2011 التي احتفل بها الديمقراطيون كدليل على قدرة رئيس لا خبرة لديه بالأمن القومي ويقتل أكبر رجل مطلوب في العالم. وفي الوقت الذي اختفى مقتل ابن لادن من الذاكرة بعد عام من اغتياله، إلا أنها كانت النقطة الرئيسية التي أقام عليها الحملة الانتخابية له. وعلى ما يبدو وضع ترامب في خطاب إعلانه عن مقتل البغدادي النقاط الرئيسية لحملته الانتخابية المقبلة.

وينظر ترامب إلى مقتل زعيم تنظيم “الدولة” كنقطة ثقل ضد حملة محاكمته كما يقول مساعدوه، ذلك أن المحاكمة تقوم على جزء من النقاش الذي شكل من خلاله السياسة الخارجية، أي منفعته الشخصية. ومن المبكر الحديث عن منافع وإن كان الأثر سيدوم، خاصة أن هناك أسئلة تتعلق بقرار سحب القوات وأثره على التخطيط للعملية وتنفيذها. وفي الوقت الذي حققت العملية هدفها إلا أنها لم تفعل الكثير لحل المشكلة المتعلقة بقرار ترامب المتعجل فك العلاقة من سوريا الذي ربما خلق مساحة لظهور موجة جديدة من الراديكالية التي سيجبر هو ومن سيخلفه على تنظيفها.

ويجب أن يكون مقتل ابن لادن قبل ثمانية أعوام بمثابة تحذير له. فحتى بدون زعيم تحول تنظيم القاعدة وانتشر وأصبح نسخة جديدة اسمها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، قبل أن يبدأ في عام 2014 حملة القتل والترويع. وفي عام 2016 اتهم ترامب في حملته الانتخابية الرئيس أوباما بخلق الظروف لولادة هذا التنظيم عندما خرج من العراق عام 2011. واتهم سلفه في آب/ أغسطس 2016 قائلا إنه هو “المؤسس” للتنظيم و”الطريقة التي خرج فيها من العراق، كان هو مؤسس داعش”.

ويقول إن تاريخ الشرق الأوسط حافل بالتنظيمات الإرهابية ولا يوجد ما يدعو للشك أن تنظيم الدولة هو الأخير. وفي الوقت الذي قدم فيه ترامب تفاصيل سينمائية عن العملية، إلا أن السؤال يظل حول ما قامت به أمريكا لمواجهة الأسباب التي أدت لنشوء تنظيم البغدادي مثل الطائفية والصدع السياسي.

وكتب كلينت واتس من معهد الدراسات الخارجية، أن مقتل البغدادي سيقتل أحلام إقامة دولة إسلامية مركزها المشرق، ولكنه قام على مدى السنين الماضية بتدريب وإرسال المقاتلين الأجانب لعدد من الدول، وهؤلاء سيقودون الجيل التالي للجهاد على الجبهات المقبلة. وقال إن “الجهاديين الأجانب الذين دربهم تنظيم الدولة سيكونون المشكلة المقبلة في العقد القادم”.

ولم تستطع إدارة باراك أوباما حل المشكلة أبعد من حملة الطائرات المسيرة. وبخلاف فريق أوباما الذي ظل يناقش المشكلة في غرفة الأزمة، من النادر تناول فريق ترامب لها. والسبب هو أن الرئيس لديه طريقته في حل مشاكل السياسة الخارجية مثلما بدا في مؤتمره الصحافي الصاخب للإعلان عن وفاة البغدادي.

ويقوم أسلوب ترامب على عدم نشر قوات أمريكية في الخارج لقتل الإرهابيين أو إعادة بناء الدول، فهذه مهمة يقوم بها الحلفاء، روسيا وتركيا أو حتى نظام بشار الأسد، وهو ما قاله الأحد: “لهذا السبب أقول إن عليهم عمل الكثير والقتال الآن وهم قادرون على ذلك”.

وأضاف محذرا الإرهابيين أن أمريكا ستلاحقهم من على بعد. إلا أن قصة البغدادي ليست بهذه البساطة التي يتحدث عنها ترامب، فقد نشأ تنظيمه في منطقة خارجة عن نطاق السيطرة وتسيطر عليها جماعات مختلفة تابعة للقاعدة. ويحلق فيها الطيران الروسي والتابع للنظام السوري، وهي نفس المنطقة التي حث الجيش الأمريكي والقيادات الاستخباراتية ترامب على مراقبتها.

وقال الجنرال ديفيد بترايوس، مدير المخابرات المركزية السابق، إن المناطق الخارجة عن الحكم المركزي عادة ما تصبح مناطق للتطرف. ولا يوافق ترامب على هذا الرأي، ويعتقد أن الرقابة من الجو قادرة على ملاحقة الإرهابيين، فيما تقوم وكالة الأمن القومي بجمع المعلومات عنهم.

ويرى ترامب أن وجود القوات الأمريكية هي مبرر لفعل آخر، لا يهمه إن كانت روسيا تسيطر على منطقة كانت محمية أمريكية. وقال: “أخبركم من يحبوننا: روسيا والصين لأنهما تبنيان قواتهما العسكرية فيما نقوم بتدميرها هناك”.

وشكر ترامب روسيا التي لم تعترض على تحليق المروحيات التي شاركت في العملية، وقال إن الأكراد قدموا لنا بعض المعلومات ولم تكن تركيا مشكلة”. ومع أنه لم يقل أين بدأت العملية وانتهت، إلا أنها بدأت من العراق.

وفي إستراتيجية ترامب الداعية للخروج هناك استثناء واحد هو النفط. وقال إنه لن يطلب من دافعي الضريبة الأمريكيين المساهمة في حماية الفوضى بالمنطقة لخمسين عاما قادمة. وقال إنه سيبقي على بعض القوات في سوريا، مع أنه طلب من الأمريكيين الاحتفاظ بحقول النفط عندما حصل الغزو عام 2003.

والمشكلة هي أن القوات الأمريكية تتحول في ظل إستراتيجية ترامب إلى قوات ملاحقة الإرهاب واستغلال المصادر الطبيعية، لا لبناء الدول ومساعدتها على تطوير اقتصادها ونظم الحكم فيها، وهي المهمة التي اضطلعت بها منذ في القرن الماضي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات