الدراسات العليا في الجامعات الأردنية وغياب الواقعية


الجامعات في كل انحاء العالم لها ثلاث وظائف رئيسية التعليم والبحث وخدمة المجتمع وهي ثلاث حلقات متداخلة مترابطة لا يمكن ان تنفرد الجامعات بواحدة منها ولا يمكن ان تكون تهيمن احدها على الاخريات، ان كانت فهنالك خلل واضح خصوصا في الجامعات التي يتم تمويلها من جيوب المواطنيين و دافعي الضرائب فلابد مقابل هذا الدعم ان تعود بالفائدة على المجتمع والمجتمع المحلي الذي تعيش فيه تلك الجامعات. وفي معظم جامعاتنا الأردنية الحكومية والخاصة، كما يحلو للبعض يسميتها، ان برامج دراسات عليا والتي تعني وجود بحث علمي من قبل طلبة الدراسات العليا موجها لخدمة المجتمع المحلي او الدوائر وللمؤسسات التي جاء منها هؤلاء الطلبة، الا اننا نلاحظ مايلي:

1. انعدام الحياة الجامعية لطلبة الدراسات العليا فهي اقرب ما تكون لدراسة المراسلة، فان العلاقة ما بين طالب الدراسات العليا والجامعة تنحصر في حضور المحاضرات فقط،، لان علاقته بها فقط لتلقينه المعلومات التي يدلي بها الاستاذ الجامعي و لتي في اغلب الاحيان موجودة في كتاب او بالاحرى كتيب صغير قام احد اعضاء التدريس في احدى الجامعات بجمع شتاته، وهذه العلاقة اقل من علاقة طالب الروضة بروضته. وهنا الابد من اشراك طلبه الدراسات العليا لا بل ان يكون من متطلبات تخرجهم التواجد في الجامعة والمساعدة في عمليات التدريس وانشطة الجامعة بعدد معين من الساعات وبصورة اجبارية، وتخصص مكان مناسب لجلوسهم فيه وتوفير متطلبات اللازمة لهذا المكان، فمجرد جلوسهم معا سيثرى المعارف التي يكتسبوها في الجامعة ويثير مواضيع للمناقشة بينهم، فالحياة الجامعية والتي هي معدومة بين طلبة الدراسات العليا، تعني كافة الخبرات والمعارف التي يكتسبها الطالب منذ دخوله الجامعة حتى خروجه منها وليس فقط المعلومات التي يتلقنها في المحاضرات.

2. تخلو معظم خطط الدراسات العليا في معظم الجامعات من اربعة مواد اجبارية وهي مادة الاحصاء الوصفي والاحصاء التحليلي والبحث العلمي ومادة ندوة بحثية لساعتين معتمدتين يقدم فيها كل طالب بحثين يعرضهما على زملائه احدهما من المجالات العلمية والاخر من اعداده، وعادة مدة الندوة على فصلين، وان لا تعتمد اي خطة دراسات عليا ما لم تتضمن ذلك.

3. فمن الضرورة بمكان ان يكون يعقد امتحان شامل تشرف عليه هيئة الاعتماد بالمواد الثلاث مواد الاولى لتوحيد المفاهيم ولا يسمح للطالب بتسجيل رسالته الا بعد اجتياز هذا الامتحان.

4. عان عملية اختيار المشرف لا تتم في اغلب الاحيام حسب التخصص الدقيق للمشرف وموضوع الرسالة، انما حسب الدور وقوة الاستاذ في القسم، فقد يستحوذ احدهم على نصيب الاسد في الاشراف وفي المقابل ان احدهم ليس لديه اي طالب يشرف عليه، فقد يشرف استاذ تخصصه في مجال (ا) على طالب تخصص رسالته في مجال (ب) في حين ان الاستاذ المتخصص في مجال (ب) يشرف على طالب يشرف على طالب في مجال (أ) في نفس الجامعة، وكذلك غياب المشرف المساعد في معظم الاحيان.

5. ان العلاقة بين المشرف والطالب هي علاقة استقوايه وكذلك مع اعضاء هيئة التدريس اذ ليس من حق الطالب المناقشة بل كل ما يقوله المشرف او اي عضو في القسم او لجنة المناقشة هو كلام مقدس و صحيح و يجب على الطالب الاخذ به بغض النظر عن صحته او ملائمته لرسالة الطالب و على الجميع ان يعلم ان الطالب هو الاكثر دراية و تعمقا ومعرفة برسالته لانه اطلع على مجموعة كبيرة من الابحاث في حقل رسالته لا بل ان المشرف و اللجنة واعضاء القسم هم من يستفيدون من معرفة الطالب ورسالته، حيث نجد ان احد اعضاء يطلب طلبا و لا يذكر في محضر التعديلات ويصر على ان يقوم به الطالب علما بان الاخرين في اللجنة ليس لهم اعتراض على وجوده في الرسالة.

6. الاصل في الاشراف ان يحسب للمشرف ساعة معتمدو وهي ساعة اسبوعية لمدة ست عشرة اسبوعا اي لانه لا بد ان يجلس مع طلبة الدراسات العليا لمدة ساعة لكل منهم اسبوعيا الا ان الكثير من المشرفين لا يتقيدون بذلك و هذا يترتب على رؤساء الجامعات و العمداء متابعة ذلك و التقيد به من قبل المشرفين كما هو الحال في بقية المواد.

7. وهنا لابد لمن يحق له الاشراف ان لا تقل مده خدمته في الجامعة عن ثلاث سنوات وان تكون له ثلاث ابحاث منشورة على الاقل على ان يراعى التخصص الدقيق عند تحديد المشرف لا ان تكون بشكل دوري او تقسيمها محاصصه.

8. يلاحظ عدم ارتباط الابحاث للرسائل الماجستير بالبيئة والمجتمع وذلك من ناحيتين الاولى المشاركة في الاشراف والمناقشة والثانية في اختيار مشروع الرسالة وعنوانه، حيث نجد ان معظم الرسالة لا تخدم المجتمع لا بل ان مجتمع الدراسة لا يعلم عنها وليس على اطلاع عليها. وهنا يجب ان تقوم الجامعات او وزراة التعليم العالي بمخاطية المؤسسات والشركات الكبرى وغيرها والطالب منها عناوين ومجالات بحاجة الى الدراسة وتكون منها بنك عناوين للابحاث يختار الطالب منها عنوان رسالته و يتابع مع الجهة التي طلبت عنوان البحث عملية البحث وان تكون تلك الجهة ممثلة في لجنة المناقشة ومتابعة البحث مع المشرف والطالب او ان يكون البحث ما امكن ذا صلة بمؤسسة التي يعمل بها وبناء على طلبها واخذ رايها فيه.

9. عدم تقيد الجامعات بارسال نسخة من الرسائل المناقشة فيها وتلك التي تقوم وزارة التعليم العالي بارسال نسخة من الرسائل المعادلة الى مكتبة الجامعة الأردنية وعدم الطلب من الطالب عمل كشف على عنوان رسالته في مكتبة الجامعة الأردنية بحيث لا يكون هنالك تكرار.

10. ان يراعى عند اختيار الموضوع وعنوان الرسالة ان لا يكون كبيرا وان يكون محددا و ليس فضفاضا وان يعرض مقترح الرسالة قبل اقراره على مختص من خارج القسم او حتى من خارج الجامعة للمشورة و ابدا الراي فيه. فالبحث العلمي واحد بغض النظر عن التخصص.

11. اعتقد من الاهمية بمكان و حتى تتمكن الجامعة من خدمة المجتمع المحلي ان تتالف لجنة المناقشة من اربعة اشخاص اضافة الى المشرف بحيث يكون اثنين من القسم المختص وواحد من الجامعات الأخرى وواحد من القطاع الذي تدرسه الرسالة فمثلا اذا كان من قطاع البنوك لا بد من مختص من البنوك ان يكون عضوا وان لا يسترط حصوله على الدكتوراه بل يشترط ان تكون لديه الخيرة التي لا تقل عن 15 سنة في مجال عمله حتى يضفي على الرسالة الجانب العملي اذا ان العديد من الرسائل لا تمت الى الواقع بصلة.

12. يلاحظ خلو الرسائل الجامعية بصورة عامة من الابحاث التي قام اعضاء القسم بنشرها او حتى الرسائل الجامعية من القسم عند استعراض الدراسات السابقة وهذا يدل على ان الابحاث التي يقوم بها اعضاء القسم او الرسائل التي يقومون بالاشراف عليها لا فائدة منها حتى لطلبتهم فكيف تكون ذات فائدة للمجتمع بل هي ابحاث توضع في الجوارير لغايات الترقية فقط لا غير وهنا يجب ان ياخذ بعين الاعتبار عند ترقية اعضاء هئية التدريس عدد المرات التي تم الرجوع اليها في الابحاث من قبل باحثين اخرين.

13. يلاحظ ان تعليمات اعداد الرسائل الجامعية والتي جميعها مستقاة نصا حرفيا من تعليمات الجامعة الارنية بعيدة كل البعد عن التطبيق فمن واجبات كلية الدراسات العليا التاكد من تطبيقها فيما يتعلق بالتوثيق والخط و غيرها من الامور الوارده في هذه التعليمات.

14. على الرغم من ان الجامعة الأردنية الام لكل الجامعات وضعت دليل المستخدم لنظام كشف النقل الحرفي في الرسائل الجامعية الا ان هنالك فهما خاطئا للنقل الحرفي من قبل معظم المشرفين ومنه الاقتباس الحرفي الموثق لا بل يمنعون الاقتباس ويطلب من الطالب اعاد صياغة وتغير النص بحيث يختلف عن النص الاصلي وخصوصا التعاريف والنصوص القانونية مما يغير معناها وخصوصيتها، علما بان بعض الرسائل في جامعات كبرى في العالم وقد يصل الاقتباس الموثق لعدة صفحات. وهذا يعنى ان المشرف لايقوم بواجبه في متابعة عملية التدقيق وفقا للدليل والتي لا ياخذ من اكثر من ساعة.

15. في الكثير من الرسائل نجد ان الجدول الواحد يمتد على عده صفحات يصل في بعضها الى عشرة صفحات و يكون غير مقرؤ لابل من الصعب الرجوع الى اي معلومة فيه وهذا يتطلب ان لا تجاز الرسائل بهذا الشكل فالجدول يجب ان لا يتعدى صفحة واحدة ويكون مختصرا ويلخص اهم المعلومات والنتائج التي يتحدث عنها الطالب في متن الرسالة, وان لا ياخذ كما هو من برامج التحليل الاحصائي، فلابد من ان يكون للطالب دور في تصميم الجدول لا ان يكون عملية قص ولصق والا اين دور المشرف وللجنة المناقشة والطالب وكيف يسمع المشرف و لجنة المناقشة بذلك.

16. يلاحظ بعض الجامعات تمنع وجود مراجع في المقدمة وتشترط ان لا تزيد نصف صفحة كما ويلاحظ ان الفرضيات تمتد على عدة صفحات قد تصل الى خمس صفحات لا بل تشترط ان تكون الفرضيات متعددة وان لا تقل عن عدد معين و ان تتفرع كل فرضية على القل لثلاث فرضيات فرعية والا لا يقبل هذا المقترح. ولو قامت هيئة الاعتماد او وزارة التعليم العالي بمراجعة المقترحات لوجدت العجائب الكثيرة.

واخيرا اعتقد انه في هذه العجالة وفي في هذه الكلمات القليلة الكثير من الفائدة للجامعات في النهوض بالدراسات العليا فيها و في ان تسهم في خدمة المجتمع المحلي، فهل من يطلع عليها من المسؤولين في الجامعات الأردنية او التعليم العالي او هئية الاعتماد.

rahahlehm@yahoo.com



تعليقات القراء

ابو السعيد
كلام منطقي جدا وللاسف الواقع مؤلم جدا ولا بد من الاعتراف بمزاجية التعامل حتى تصل لدرجة الاحباط لطلاب متميزين
04-03-2019 01:23 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات