حكاية وطن : كان يا ما كان في قديم الأوطان
جلس والوقار في هيئته ، والتجاعيد لبست الجسم واليدين ، ولا يعلم المخفيّ إلا الله ، تجاعيدٌ بتضاريس الوطن تتعرّج وترتفع وتهبط ، فتطمئن أنّ الوطن بخير ما دام هذا المعتّق العتيق بخير .. جلس والصبية من حوله يعبثون بأصابعهم الصغيرة و عيونهم معلّقة بشفاه العتيق ، وفي قلوبهم رهبة محببة ، الصبية يعبثون ، والعتيق يغوص بتفاصيل الحكاية قبل أن يبدأها ، الصبية يكبرون ويعبثون ، والعتيق يغوص أعمق و أعمق ، الصبية ينتظرون التفاصيل ويكرهون الخطوط العريضة و يعبثون أكثر و أكثر ، والعتيق ينتظر الصغار الكبار أن يهرموا ليفهموا الحكاية ، الصبية يهرمون و ينتظرون أن تنساب الحكاية من شفاه العتيق وما عادوا يعبثون ، بعد تسعين عام نطق العتيق و قال : سأحدثكم بحكاية وطن بعدما بلغت من العمر عِتيّا ً، و ردّ الصبية بصوتٍ واحد : سنسمع الحكاية بعدما بلغنا من العمر عتيّا .
قال صبي هرم : ما عنوان الحكاية يا حكيم ؟ قال العتيق : عنوانها حكاية وطن ، ردّ صبيّ عابث آخر : للوطن حكايات و حكايات فأيّة ُحكايةٍ منهن حكايتك ؟ قال العتيق : سأسميها صدّق ولا تصدق ، وسأل أحدهم : طويلة هي الحكاية ؟ وآخر : جميلة هي الحكاية ؟ و شقيّ يسأل : فيها تنين و أميرة ؟ نظر إليهم العتيق فأسكتتهم الهيبة والوقار ، قال العتيق : لا تكونوا كيهود وبقرتهم ! بعدها ساد الصمت و في العيون دمعة ندم أو دمعة تمساح ، لا أعرف ! وبدأ العتيق الحكاية .
كان يا ما كان في قديم الأوطان ، كان هناك وطن أبطاله سهل وصحراء ، وادٍ وجبل ، وساحل يتيم فيه حياة ، و ساحل آخر فوق يتمه ميّت ، ونهر قدّسوه يغذّي الميت ليبقى ميتاً ، وقلعة صامدة على الأرض ، و سيّد وأسياد ، هؤلاء أبطال الحكاية .
شَهِدَ سهل الوطن سقوط أيدي جعفر و ما سقطت الراية ، وتلقف السّهل نوى تمرات ابن رواحة وسقاها دماءَ الشهيد فنبت منها رجال الوطن ، فكان الفارس منهم صعباً من سهل من شهيد ؛ ليبني وطناً صعباً عليه وسهلاً عشقه ، وليكون هو الشهيد حفيد الشهيد ، هذه بطولة سهلنا فمن عرفه هو من رحم الوطن ، ومن جهله فهو تاجر الوطن ، وشتان ما بين هذا وذاك .
و ابن الوليد يصارع الروم في الوادي ، والوادي يصارع مع خالد ، فيصرعون الروم ، فيبني التاريخ خيمته هناك ؛ ليطرب لصهيل خيل خالد ، وليسجل صهيل الوادي ، وفي يومٍ نمت في الوادي وأقسمت لوالدي أنني سمعت الصهيل ؛ فزمن النصر غادرنا ولكنّ الصهيل لم يغادرنا ، وإن خرج يوماً من جوفنا سيصدّع قلوباً و يميتها رعباً ، و سيشفي قلوباً و يحييها شموخاً ، هذه بطولة وادينا فمن عرفه هو من الوطن ، ومن جهله فهو دخيل على الوطن .
الجبل الجبل يا سارية الجبل ، صرخة عمر من الحجاز إلى مصر ليحمي ظهر سارية المكشوف ، وقبلها بمئات السنين صرخة كاهن : الجبل الجبل يا موسى ؛ ليرى موسى من الجبل أرض الميعاد ، وليترك موسى أثر قدمه على صخر الجبل ، ولكنه لم يدخل أرض الميعاد ، ومات على الجبل ؛ لأن الوطن هناك ؛ لأن الوطن هنا يجذب الأنبياء والصالحين فيذوبون في ترابه ليكون مقاماتٍ لهم ، إنّه مغناطيس وطننا منذ الأزل ، هذه بطولة جبلنا فمن عرفه هو ابن الوطن ، ومن جهله فهو ضيف الوطن ، وشتان ما بين ابن البيت وضيفه .
ووصل الأمير إلى مدينة الصحراء ، وصلت طلائع الثورة إلى صحراء الوطن ، فتحوّلت الصحراءُ برداً وسلاماً تحت أقدام الثّوار ، وتحوّلت الصحراء إلى جهنم حمراء تحت أقدام الأتراك ، وارتفعت زغاريد البنادق ، فأصبحت الصحراء عرس الثوار ، وأصبحت الصحراء مأتم عسكر الترك ، وكان النصر ، وكان المجد ، هذه بطولة صحرائنا ، فمن عرف أي الصحراء صحراؤنا فهو عين الوطن ، ومن جهلها فهو قذى في عين الوطن .
ووصل عودة أبو تايه و جنود الثورة إلى ساحلنا اليتيم الذي فيه حياة ، ولورنس العرب يتمسح بثوب عودة ليسجله التاريخ – زوراً - أنه لورنس علينا ، فيقتلون عسكر الترك ، يقتلون الظلم ، ويرفعون علم الثورة ويؤدون التحية له ليواصل الوطن مسيرته التي بدأها منذ آدم ، من عرف ساحلنا اليتيم الذي فيه حياة فهو من عظام رقبة الوطن ، ومن جهله فهو الزائدة الدودية .
و الملائكة تزور وطننا القديم ، ما أجملهم ، ما أعظمهم ، ما أرحمهم على المؤمن ، ما أسخطهم على الكافر ، يأتون لوطننا ، يأتون للنبي ، فيعلم النبي أن الأمر من الله ، وأن ساعة القوم حانت ؛ فيهرب النبي ببناته ، وتبقى الزوجة ، و تنقلب الأرض عاليها سافلها ، فيظهر في الوطن ساحل آخر فوق يتمه ميت ، فمن عرف هذا الساحل فهو عزّ للوطن ، ومن جهله فهو خذلانٌ للوطن .
ورسول السّلام عمّدوه بنهرنا فأصبح مقدّساً ، وواصل النهر المسير ليغذي الميت ! ولكن الميت يبقى ميتاً فلم يحييه ماء نهر لامس جسد رسول أحيا الموتى بأمر الله ، ويصلب اليهودُ الرسولَ الذي جعل النهر مقدساً ، وتدور القرون ليأتي اليهود يشاركونا النهر و يستثمروا قدسيته التي سبّبها الرسول الذي صلبوه ! يا لسخرية القدر ! من عرف النهر الذي قدّسوه والذي يغذي الميت ليبقى ميتاً فهو طهر للوطن ، ومن جهله فهو رجسٌ للوطن .
والآمر التركي في القلعة يرتجف غضباً ، ويصرخ ويهدّد . لله درّك يا إبراهيم الضّمور ما من بطولةٍ إلا أنت رمزها ، لله درّك من رجل ٍلم تلد الأرحام مثله ، كيف لي أن أكون أحد ولديك ليحرقني التركي و ينجو
الثائر المستجير بك ، آآه يا وجعي على نفسي لأن زمنك ولّى ، وليته يعود بشرط أن تكون فيه ، يحترقُ ولداك أمام عينيك ، يحترقان شهيدين عند الله أحياءً ، هم الشهداء ، وأنت البطل تنظرهم يرحلون لجنات الخلد ، أنت الشهيد الحيّ الذي ما هزّت نارُ الغدر جفنيك ، و الآمر التركي يرتجف خوفاً فقد اشتعلت الهيّـة ، وبذرت بذور الثورة ، فزلزلت القلعة زلزالها تحت أقدام التركي ، فعرف أن نهايته بوطن العرب أزفت ، وهكذا كان بعد سنين ، من عرف القلعة فهو بطل الوطن ، ومن جهلها فهو رعديد الوطن .
و أعلن الأمير الإمارة ، وبدأ فصل مشرق جديد من فصول الوطن الممتدة منذ آدم ، وكان تحدّي التأسيس لوطنٍ حديث ، وأصبح الوطن مملكة سعيدة ، ومرت أيام مجد و بطولة ، وكانت معركة الصمود و الإنجاز ، وكانت الكرامة وانتصر الوطن ، وكان فيه سيداً مطاعاً وكان الجميع أسياداً ، فكان السيّد سيّداً على أسياد ، لذلك لو خاض بهم البحر لخاضوه معه ، و لو قاتل الدنيا لقاتلوا معه ولن يقولوا له اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ؛ لأنه السيد المطاع ولأنهم سادة ، فمن عرف هذا الوطن فهو الوطن ، ومن جهله فهو المؤامرة .
يقول العتيق : هؤلاء هم أبطال الحكاية ، فأعيدوا لهم بطولتهم ، حتى لا تُفقِدوا حكاية الوطن قوتها وجمالها ، عليكم أن لا تنظروا لسهول الوطن على أنها فقط مشاريع إسكان ، و لا تنظروا لجباله على أنها فقط مواقع أبراج اتصالات ، و لا تفكروا بسواحله على أنها حرمٌ خاص لفنادق لا حرمة فيها ؛ يصول العراة على امتدادها لأجل الدولار ، و لا تحولوا وديانه لممرات تهريب من أجل الدولار ، و لا تسلبوا نهره قدسيته بكازينوهات من أجل الدولار ، و لا تفقدوا صحراءه عذريتها و سحرها بحفلات المجون من أجل الدولار ، و لا تنكروا قلعته خوفاً من تاريخها وهيَتّها ، و لا تحولوا مواطني الوطن من وطن ومواطنـين إلى سكان وسلطة ، و لا تحوّلوهم لعبيد ، فالسيّد على عبيد ليس مثل السيّد على أسياد ، فالسيد على أسياد قوة ومنعة للوطن ، فيقودهم للنصر على أصعب الظروف وأقساها ، السيد المطاع كان و لا يزال و سيبقى سيّداً مطاعاً فالكل معه والجميع يفتديه بالأرواح و المال لأننا نعلم أنه يريدنا سادة وليس عبيداً ، لأنه الأمل الذي يُخرجنا دائماً من الخطوب ، لذلك دائماً الشعار هو : الله الوطن الملك .
أنهى العتيق حكايته ، وأغمض عينيه ، وانفضّ من حوله بعض الصبية جاهلين عمق الحكاية ، و بقي البعض فاهماً الحكاية ، ففتح العتيق عينيه وقال لمن بقي في حضرته : اذهبوا لتبدؤوا فصلاً جديداً من حكاية الوطن تكونوا أنتم أبطالها ، و في الطريق التفت مشروع بطل إلى صبي بجانبه وقال له بذكاء البدوي : من يعرف من هو العتيق فهو الوطني ، و من جهله فهو ؟؟؟.
sameeh_nws@yahoo.com
جلس والوقار في هيئته ، والتجاعيد لبست الجسم واليدين ، ولا يعلم المخفيّ إلا الله ، تجاعيدٌ بتضاريس الوطن تتعرّج وترتفع وتهبط ، فتطمئن أنّ الوطن بخير ما دام هذا المعتّق العتيق بخير .. جلس والصبية من حوله يعبثون بأصابعهم الصغيرة و عيونهم معلّقة بشفاه العتيق ، وفي قلوبهم رهبة محببة ، الصبية يعبثون ، والعتيق يغوص بتفاصيل الحكاية قبل أن يبدأها ، الصبية يكبرون ويعبثون ، والعتيق يغوص أعمق و أعمق ، الصبية ينتظرون التفاصيل ويكرهون الخطوط العريضة و يعبثون أكثر و أكثر ، والعتيق ينتظر الصغار الكبار أن يهرموا ليفهموا الحكاية ، الصبية يهرمون و ينتظرون أن تنساب الحكاية من شفاه العتيق وما عادوا يعبثون ، بعد تسعين عام نطق العتيق و قال : سأحدثكم بحكاية وطن بعدما بلغت من العمر عِتيّا ً، و ردّ الصبية بصوتٍ واحد : سنسمع الحكاية بعدما بلغنا من العمر عتيّا .
قال صبي هرم : ما عنوان الحكاية يا حكيم ؟ قال العتيق : عنوانها حكاية وطن ، ردّ صبيّ عابث آخر : للوطن حكايات و حكايات فأيّة ُحكايةٍ منهن حكايتك ؟ قال العتيق : سأسميها صدّق ولا تصدق ، وسأل أحدهم : طويلة هي الحكاية ؟ وآخر : جميلة هي الحكاية ؟ و شقيّ يسأل : فيها تنين و أميرة ؟ نظر إليهم العتيق فأسكتتهم الهيبة والوقار ، قال العتيق : لا تكونوا كيهود وبقرتهم ! بعدها ساد الصمت و في العيون دمعة ندم أو دمعة تمساح ، لا أعرف ! وبدأ العتيق الحكاية .
كان يا ما كان في قديم الأوطان ، كان هناك وطن أبطاله سهل وصحراء ، وادٍ وجبل ، وساحل يتيم فيه حياة ، و ساحل آخر فوق يتمه ميّت ، ونهر قدّسوه يغذّي الميت ليبقى ميتاً ، وقلعة صامدة على الأرض ، و سيّد وأسياد ، هؤلاء أبطال الحكاية .
شَهِدَ سهل الوطن سقوط أيدي جعفر و ما سقطت الراية ، وتلقف السّهل نوى تمرات ابن رواحة وسقاها دماءَ الشهيد فنبت منها رجال الوطن ، فكان الفارس منهم صعباً من سهل من شهيد ؛ ليبني وطناً صعباً عليه وسهلاً عشقه ، وليكون هو الشهيد حفيد الشهيد ، هذه بطولة سهلنا فمن عرفه هو من رحم الوطن ، ومن جهله فهو تاجر الوطن ، وشتان ما بين هذا وذاك .
و ابن الوليد يصارع الروم في الوادي ، والوادي يصارع مع خالد ، فيصرعون الروم ، فيبني التاريخ خيمته هناك ؛ ليطرب لصهيل خيل خالد ، وليسجل صهيل الوادي ، وفي يومٍ نمت في الوادي وأقسمت لوالدي أنني سمعت الصهيل ؛ فزمن النصر غادرنا ولكنّ الصهيل لم يغادرنا ، وإن خرج يوماً من جوفنا سيصدّع قلوباً و يميتها رعباً ، و سيشفي قلوباً و يحييها شموخاً ، هذه بطولة وادينا فمن عرفه هو من الوطن ، ومن جهله فهو دخيل على الوطن .
الجبل الجبل يا سارية الجبل ، صرخة عمر من الحجاز إلى مصر ليحمي ظهر سارية المكشوف ، وقبلها بمئات السنين صرخة كاهن : الجبل الجبل يا موسى ؛ ليرى موسى من الجبل أرض الميعاد ، وليترك موسى أثر قدمه على صخر الجبل ، ولكنه لم يدخل أرض الميعاد ، ومات على الجبل ؛ لأن الوطن هناك ؛ لأن الوطن هنا يجذب الأنبياء والصالحين فيذوبون في ترابه ليكون مقاماتٍ لهم ، إنّه مغناطيس وطننا منذ الأزل ، هذه بطولة جبلنا فمن عرفه هو ابن الوطن ، ومن جهله فهو ضيف الوطن ، وشتان ما بين ابن البيت وضيفه .
ووصل الأمير إلى مدينة الصحراء ، وصلت طلائع الثورة إلى صحراء الوطن ، فتحوّلت الصحراءُ برداً وسلاماً تحت أقدام الثّوار ، وتحوّلت الصحراء إلى جهنم حمراء تحت أقدام الأتراك ، وارتفعت زغاريد البنادق ، فأصبحت الصحراء عرس الثوار ، وأصبحت الصحراء مأتم عسكر الترك ، وكان النصر ، وكان المجد ، هذه بطولة صحرائنا ، فمن عرف أي الصحراء صحراؤنا فهو عين الوطن ، ومن جهلها فهو قذى في عين الوطن .
ووصل عودة أبو تايه و جنود الثورة إلى ساحلنا اليتيم الذي فيه حياة ، ولورنس العرب يتمسح بثوب عودة ليسجله التاريخ – زوراً - أنه لورنس علينا ، فيقتلون عسكر الترك ، يقتلون الظلم ، ويرفعون علم الثورة ويؤدون التحية له ليواصل الوطن مسيرته التي بدأها منذ آدم ، من عرف ساحلنا اليتيم الذي فيه حياة فهو من عظام رقبة الوطن ، ومن جهله فهو الزائدة الدودية .
و الملائكة تزور وطننا القديم ، ما أجملهم ، ما أعظمهم ، ما أرحمهم على المؤمن ، ما أسخطهم على الكافر ، يأتون لوطننا ، يأتون للنبي ، فيعلم النبي أن الأمر من الله ، وأن ساعة القوم حانت ؛ فيهرب النبي ببناته ، وتبقى الزوجة ، و تنقلب الأرض عاليها سافلها ، فيظهر في الوطن ساحل آخر فوق يتمه ميت ، فمن عرف هذا الساحل فهو عزّ للوطن ، ومن جهله فهو خذلانٌ للوطن .
ورسول السّلام عمّدوه بنهرنا فأصبح مقدّساً ، وواصل النهر المسير ليغذي الميت ! ولكن الميت يبقى ميتاً فلم يحييه ماء نهر لامس جسد رسول أحيا الموتى بأمر الله ، ويصلب اليهودُ الرسولَ الذي جعل النهر مقدساً ، وتدور القرون ليأتي اليهود يشاركونا النهر و يستثمروا قدسيته التي سبّبها الرسول الذي صلبوه ! يا لسخرية القدر ! من عرف النهر الذي قدّسوه والذي يغذي الميت ليبقى ميتاً فهو طهر للوطن ، ومن جهله فهو رجسٌ للوطن .
والآمر التركي في القلعة يرتجف غضباً ، ويصرخ ويهدّد . لله درّك يا إبراهيم الضّمور ما من بطولةٍ إلا أنت رمزها ، لله درّك من رجل ٍلم تلد الأرحام مثله ، كيف لي أن أكون أحد ولديك ليحرقني التركي و ينجو
الثائر المستجير بك ، آآه يا وجعي على نفسي لأن زمنك ولّى ، وليته يعود بشرط أن تكون فيه ، يحترقُ ولداك أمام عينيك ، يحترقان شهيدين عند الله أحياءً ، هم الشهداء ، وأنت البطل تنظرهم يرحلون لجنات الخلد ، أنت الشهيد الحيّ الذي ما هزّت نارُ الغدر جفنيك ، و الآمر التركي يرتجف خوفاً فقد اشتعلت الهيّـة ، وبذرت بذور الثورة ، فزلزلت القلعة زلزالها تحت أقدام التركي ، فعرف أن نهايته بوطن العرب أزفت ، وهكذا كان بعد سنين ، من عرف القلعة فهو بطل الوطن ، ومن جهلها فهو رعديد الوطن .
و أعلن الأمير الإمارة ، وبدأ فصل مشرق جديد من فصول الوطن الممتدة منذ آدم ، وكان تحدّي التأسيس لوطنٍ حديث ، وأصبح الوطن مملكة سعيدة ، ومرت أيام مجد و بطولة ، وكانت معركة الصمود و الإنجاز ، وكانت الكرامة وانتصر الوطن ، وكان فيه سيداً مطاعاً وكان الجميع أسياداً ، فكان السيّد سيّداً على أسياد ، لذلك لو خاض بهم البحر لخاضوه معه ، و لو قاتل الدنيا لقاتلوا معه ولن يقولوا له اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ؛ لأنه السيد المطاع ولأنهم سادة ، فمن عرف هذا الوطن فهو الوطن ، ومن جهله فهو المؤامرة .
يقول العتيق : هؤلاء هم أبطال الحكاية ، فأعيدوا لهم بطولتهم ، حتى لا تُفقِدوا حكاية الوطن قوتها وجمالها ، عليكم أن لا تنظروا لسهول الوطن على أنها فقط مشاريع إسكان ، و لا تنظروا لجباله على أنها فقط مواقع أبراج اتصالات ، و لا تفكروا بسواحله على أنها حرمٌ خاص لفنادق لا حرمة فيها ؛ يصول العراة على امتدادها لأجل الدولار ، و لا تحولوا وديانه لممرات تهريب من أجل الدولار ، و لا تسلبوا نهره قدسيته بكازينوهات من أجل الدولار ، و لا تفقدوا صحراءه عذريتها و سحرها بحفلات المجون من أجل الدولار ، و لا تنكروا قلعته خوفاً من تاريخها وهيَتّها ، و لا تحولوا مواطني الوطن من وطن ومواطنـين إلى سكان وسلطة ، و لا تحوّلوهم لعبيد ، فالسيّد على عبيد ليس مثل السيّد على أسياد ، فالسيد على أسياد قوة ومنعة للوطن ، فيقودهم للنصر على أصعب الظروف وأقساها ، السيد المطاع كان و لا يزال و سيبقى سيّداً مطاعاً فالكل معه والجميع يفتديه بالأرواح و المال لأننا نعلم أنه يريدنا سادة وليس عبيداً ، لأنه الأمل الذي يُخرجنا دائماً من الخطوب ، لذلك دائماً الشعار هو : الله الوطن الملك .
أنهى العتيق حكايته ، وأغمض عينيه ، وانفضّ من حوله بعض الصبية جاهلين عمق الحكاية ، و بقي البعض فاهماً الحكاية ، ففتح العتيق عينيه وقال لمن بقي في حضرته : اذهبوا لتبدؤوا فصلاً جديداً من حكاية الوطن تكونوا أنتم أبطالها ، و في الطريق التفت مشروع بطل إلى صبي بجانبه وقال له بذكاء البدوي : من يعرف من هو العتيق فهو الوطني ، و من جهله فهو ؟؟؟.
sameeh_nws@yahoo.com
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |