البادية الأردنية بين التنمية والتعرية


قديما ً قالت العرب: " أهل مكة أدرى بشعابها"، وأنا أقول هنا أهل البادية أدرى بباديتهم، نعم إن ربَّ البيت أدرى بما فيه، وعلينا أن نؤمن أيمانا ً مطلقا ً بأن العمل الجاد والتخطيط الهادف والنقد البناء الصريح حق لكل من عشق تراب هذا الوطن الطيب المعطاء.

في الوقت الذي تشهد فيه البادية إقصاء وتخبط في المشاريع التنموية، فلا تزال تشكو من العديد من العراقيل التي تقف سدا ً منيعا ً أمام تنميتها والنهوض بها إلى مصاف المناطق المؤهلة اقتصاديا ً واجتماعيا ً وثقافيا ً...الخ، ويمكن تصنيف هذه العراقيل إلى:

- معوقات مرتبطة بالعنصر الفاعل في التنمية( الإنسان)، كغياب النخبة المتعلمة من أبناء البادية في عملية صنع القرار لتنميتها...الخ.

- معوقات تعود إلى طبيعة الوسط، كالتصحر...الخ.

- معوقات مرتبطة بتأخر على مستوى التجهيزات، كضعف التأطير الصحي...الخ.

- ضعف فعالية التدبير الجماعي، كضعف مشاركة المواطنين في الحياة المحلية...الخ.

- إشكاليات يطرحها طبيعة النظام الزراعي، كحراثة الأراضي الرعوية والرعي الجائر، مما أفضى إلى تراجع مخيف للغطاء النباتي، الأمر الذي جعل البادية برمتها على حافة اختلال بيئي خطير...الخ.

فهذه المعوقات جميعها جعلت من مستوى حضور الاستثمارات في البادية يتسم بالضعف.

وعلى الرغم من قيام الجهات المسؤولة عن تنمية البادية الأردنية بتنفيذ عدد من المشاريع فيها ، إلا أنها همشت ولا تزال تهمش أبناء البادية أصحاب الكفاءات والشهادات العليا، في عملية صنع القرار لباديتهم. فهؤلاء لهم المعرفة الكافية بواقعها، فالذي يعيش الواقع في البادية هو الأقدر في تصويره وبيانه للغير، لأنه هو الذي يحس ويلتمس المعاناة القاسية والضيق الشديد، وكما قال المثل: " ليس النائحة كالثكلى". بالمقابل، نجد هناك قلة من أبناء البادية من يعمل في تلك الجهات، بحيث أن ليس لهم أي دور في صنع القرارات المهمة والحاسمة لباديتهم.

وإذا كان بعض الأشخاص يدعون بوجود الإنجازات التنموية في البادية الأردنية،( أكثر المشاريع التي أقيمت فيها كانت دون المستوى المطلوب، بسبب عدم مراعاتها للميكانيزمات المحركة للمجتمع المحلي، وعدم إشراك المعنيين بالأمر في مختلف مراحل هذه المشاريع)، فإنهم بذلك يخفون الحقائق، ويغطون العيوب الظاهرة الواضحة للعيان، ودليل ذلك هو عدم انعكاس تلك الإنجازات على أبناء البادية، فما الفائدة إذا لم تصل ثمرات المشاريع إلى أبنائها؟. فالنتائج كانت دون التوقعات المرجوة.

أقول لتلك الجهات: أين الاستثمار البشري لأصحاب الكفاءات والشهادات في البادية في مختلف التخصصات؟. فمن لنا بتحقيق مقولة" الرجل المناسب في المكان المناسب"، ومما يثلج الصدر تلك الطاقات من أبناء البادية والتي تنتظر من يشحذ همهم لتحقيق الإنتاجية والإبداع من أجل إيصال البادية إلى شاطئ الأمان.


دكتوراه في التخطيط الإقليمي والتنمية


faisal_mayouf@yahoo.com



تعليقات القراء

رئيس بلدية معان الكبرى
تحياتي دكتور فيصل للتاكد هل التقينا في المغرب مقال رائع
06-04-2010 12:09 AM
النورس
شكرا يا دكتور على هذا المقال، ولكن هل تعلم أن البادية الآن في انفاسها الأخيرة، فهل من منقذ لها
06-04-2010 09:58 AM
D. faisal
اشكرك استاذ خالد آل خطاب، لقد التقيت معاك ومع رئيس بلدية مادبا عارف الرواجيح في كازبلانكا، وكان معي وقتها الدكتور احمد الشمري
06-04-2010 12:52 PM
بني صخر
اعتقد يا دكتور انه لم يعد هناك باديه فلقد تم قتلها بدم بارد وتم تشريد ابنائها ومن بقي منهم فيعملون لدى الاشخاص اللذين اشتروا اراضي الباديه بارخص الاسعار بسبب عوز وفقر ابنائها . اما مشاريع التنمية للباديه فهي مشاريع سرقه وتقتصر على حضور المسئوول بسيارة ذات دفع رباعي ومكندشه ويعود الى عمان دون ان تصل قدماه الى ارضها خوفا من الغبار لكي لا يتسخ حذائه وهو اصلا لا يعلم عنها شيئا ولولا سائقه لن يصل اليها لجهله اين تقع . هذا مع تغييب كامل لاهل الباديه من مسئولين ومتعلمين وحتى اشخاص عاديين عن هذه المشاريع مع ان معضمها منح خارجيه .
06-04-2010 01:19 PM
البادية الجنوبية
الدكتور العزيز فيصل احسنت ومشكور على المقال الذي يصيب كبد الحقيقة والواقع الذي تعيشه البادية الاردنية والمخلصين للبادية من أبناءها .. الباديه لم تعد سواء أداه ليتم تحصيل المخصصات المالية من الدوله والمنح الخارجيه للمشاريع المقامه عليها مع العلم المسبق بفشلها وخاصه الزراعية منها وعندما يتم السؤال لماذا تفشل سوف تلقى الأجابه جاهزة عند الذين يديرون هذه المشاريع في المؤسسات التي تعنى بالباديه وقد صدقت ان الذين يديرونها ويملكون قرارتنميتها ليسوا ممن ابنائها أو المخلصين لها ولماذا ؟ لان أبنائها أحرار ولا يرضون بالفشل في وطنهم وباديتهم وذهاب مخصصاتها هدراً مع التأكيد على أنهم لا يساومون على ولائهم الهاشمي أوانتمائهم الأردني ... إن البادية لم تعجز عن انجاب أبناء على مستوى عال من العلم والكفائه لكن السؤال اين هم في قرار تنميتها وليسوا تكملة عدد في مؤسسات الباديه , ويجب النظر لهذه الظاهره بعين الواقع لأنها لن تستمر مع استمرار الفشل في البادية الأردنية .
09-04-2010 01:43 AM
ابن المنطقة .
مقال رائع يا دكتور وخير مثال على طرحك ما يحصل في مشروع الأعلاف الوطني الذي استنزف حوالي عشرين مليون دينار اردني على زراعات لم تنجح في ارض غير صالحة للزراعة وهدر للمياة الجوفية في نفس المشروع (المحمدية) حيث نفذ المخزون المائي في بعض الابار القريبة من المشروع ... هذا لان الصندوق الهاشمي لتنمية البادية لم يتخذ من أبناء البادية قرار تنمية البادية وتم الأستعاضة بشلة مدراء لا يمثلون البادية انما يلبون رغبات دنيئة بعيدة كل البعد عن الأنتماء للبادية ...
10-04-2010 04:24 PM
احمد صقر الجبور
صدقني كلامك عسل يا دكتور والبادية صارت للمشاريع مكب للنفايات السامة او اي مشروع مضر مثل مصانع بلاستك يعني اي اشى يسبب امراض مصانع كلورين بالموقر حدث تسرب للغازات بالهند نقلوة عندنا
12-04-2010 10:49 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات