الوطن ليس بحاجة إلى من يضع الملح على الجرح، أو يفتح ثغرة في الجدار، ولا يعبث بالثوابت أو يجتاز المحرمات، ولا يقترب من الخطوط الحمراء، الوطن يا سادة ليس بقرة حلوب، ولا شجرة تتسلقها الطحالب، ولا بئر نقذف به الحجارة بعد أن نرتوي، ولا شجرة نقطعها في الخريف بعد أن تتساقط أوراقها، ولا حطباً في موقدة الشتاء نتقي به شر البرد.

الوطن يجابه المديونية، ويقاوم عجز الموازنة، ويتصدى للفقر والبطالة، ويتحدى الفساد والمحسوبية ويشجع الاستثمار، ويرَوِّض الإصلاح، ويواجه العنف، ويجفف منابع الجريمة، ويجادل بالتي هي أحسن بؤر التطرف، ويكافح التجارة الفاسدة، ويثقل كاهله قطاع عام زائد الحمولة، مترهل وغير فاعل، يلتحق به دوماً أفواجاً من الفاشلين، يزجهم في السوق أشخاص يبحثون عن مجدٍ تافه، وإنجازات كرتونية، وتاريخ مشوه، يغشون ويشترون رضا الضمائر الميتة بأبخس الأسعار، يزرعون السهول شوكاً طمعاً في تبادل لعبة المصالح.

الوطن يحصّن نفسه لكي لا يدفع ثمن سياساته المعتدلة، ويسير في حقل ألغام الصراعات الدولية، ويجتاز التحالفات الإقليمية، ويراهن على الصدقات الاستراتيجية، ويتعايش مع التهديدات المحتملة، ويخوض معركة التنمية الاقتصادية، وتعصف به أزمة المال العالمية.

يجب أن يكفوا عن الانتقاد، وتلويث الأجواء، ونشر المحبطات، وتعكير السمعة، ونقل الأقاويل، تجاهل المصالح العليا للوطن عمى، وتحميل الأردن وزر أمة لا وزن لها كفر، وتشويه العمل الإنساني على المسرح الدولي مأساة، هذا الوطن قدم الكثير، كان وما زال طليعة الركب، وموطن الفرسان، وساحة مجد، وميدان شجعان، وبيت رجال، سالت دمائنا على أسوار القدس، وخضبت بلونها الوردي روابي فلسطين، وانتشرت رائحتها العطرة على جبال جنين، وسجل التاريخ انتصار الكرامة وصولاتنا في مرتفعات الجولان، من يريد إلغاء تاريخنا فليس منا، ومن يعتقد أن الوطن لا بواكي له فهو واهم.

يا قوم أوقفوا معلقات الهجاء، وارحموا صلّبنا، وتريثوا في ذمّنا، وترفّعوا عن الطعن، ولا تجلدونا، واغمدوا أقلامكم، وكفّوا صحائفكم، ولا تنبشوا قبور موتانا، فأنتم لستم أصحاب عليّ، ونحن لسنا بني أميّة.