قرية ناجورو .. دميةٌ لكلّ راحل


جراسا -

لليابانيين طرائقهم الفريدة للاحتفاء بأرواح الراحلين؛ غير أن أكثرها غرابة هو ما حدث في قرية، ناجورو، الصغيرة التي أصبحت شبه خالية من السكّان. حيث أصبح هنالك دمية بدلاً عن كل مواطن رحل عن العالم، أو حتى عن القرية. وهو ما حوَّل القرية إلى متحف كبير من الدمى، فكيف حدث ذلك؟

منذ أكثر من عشر سنوات، عادت، أيونو تسوكيمي، إلى قريتها ومسقط رأسها ناجورو، الواقعة في وادي شيكوكو باليابان. كانت عودة تسوكيمي من أجل رعاية والدها المريض بعد سنوات كثيرة أمضتها في المدينة الرئيسية أوساكا، وكانت الصدمة التي أصابتها، بعدما رأت كيف تضاءل عدد سكان قريتها. فلما تركت القرية، كان عدد سكّانها لا يقلون عن 300 شخص؛ وحين عادت تقلّصوا إلى حوالى سبعة وثلاثين شخصاً فقط. فكبار السن رحلوا عن الحياة، والشباب انتقلوا إلى المدن الكبرى، حيث الحياة الأكثر حداثة وتطوّراً، ولا أحد يعود للقرية مقيماً ليحل مكان الراحلين. وعلى الرغم من أن أقرب مدينة للقرية تبعد عنها حوالى 90 دقيقة، إلا أنَّ موقعها المتطرف أسهم في أنه لم يعد يمر بالقرية سوى عدد ضئيل من الناس. الآن، أصبحت، آيونو تسوكيمي (65 سنة)، أصغر سكّان القرية سنّاً؛ ما يعني أن القرية قد أصبح محكوماً عليها بالفناء المحتم.

بعد عودتها للقرية، قررت آيونو أن تزرع حديقتها بالنباتات، ولكن الخضراوات لا تنمو، وتعجبت المرأة من ذلك، هل تلقي باللوم على الغربان؟! (يقال: إذا كنت في اليابان، لا تمزح مع الغربان، فهناك يمكن للغربان أن تخطف حتى طفلك). لذا قررت أن تصنع بعض الفزاعات من الدمى (خيال المآتة) لحماية الحديقة من الغربان، وكان هذا القرار هو الذي غير حياتها.

ومنذ ذلك الحين؛ استمرَّت تسوكيمي في صنع الدمى. أحبَّت العمل، وتطوَّرت الفكرة، فصنعت دمى لتخليد ذكرى من ماتوا، ووضعتها في الأماكن التي كانت ذات معنى للراحلين. كما صنعَت دمى على شكل من انتقلوا من القرية وسكنوا المدن. فملأتها بتماثيل للأطفال والمعلّمين الذين لم يعودوا يشغلون هذه الفصول والمقاعد، فآخر طالبتين كانتا بالمدرسة، كان عام 2012. وهكذا، فقد فاقت أعدادُ الدمى أعدادَ الراحلين من شعب ناجورو، فقد وضعت 350 دمية بالحجم الطبيعي في جميع أنحاء القرية، كل منها لتخليد ذكرى شخص أو وقت معين، كان له معنى عند آيونو نفسها.

تقول آيونو: "إنّ هذه الدمى تعيد إلى الأذهان الذكريات القديمة (وهي تشير إلى دميتي امرأة عجوز ورجل شيخ وضعتهما خارج منزل)، هذه السيدة كانت تأتي للدردشة معي وشرب الشاي، وهذا الرجل كان يحب شرب الساكي، وسرد القصص".
الدمى تلعب وتعمل في الحقول، وتتسكّع أمام المحلات التجارية، وتمارس حياتها اليومية. أصبحت القرية تبدو لمن يراها من بعيد، وكأنها صاخبة الحياة. بل إن آيونو وضعت بعض الدمى التي صنعتها على شكل أطفالها هي. وتشير إليها عندما تمر على الطريق المؤدي للقرية، وكأنهّم بشر حقيقيون.

تأمل آيونو أن يأتي الزوار للقرية، وأن يلتقطوا الصور مع تلك الدمى، وأن يبقوا لبعض الوقت بالقرية لتعود لها الحياة. فعلى أبواب القرية علقت آيونو لافتة تقول: قرية الفزاعة، أو "قرية خيال المآتة". وفي كلّ يوم تمرّ آيونو على الدمى في القرية، تزيد من حشوتها بالجرائد أو تغير ما بلي من قماشها، فالهواء الطلق يجعل الدمية لا تحتمل أكثر من ثلاث سنوات، كما تتغير مع الوقت ألوان القماش ورونق الملابس.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات