جراسا -

ليس من السهل التفكير بطريقة مختلفة، وهذا أمر صعب لمن يقوم بتنفيذ أو يعمل في مجال يتطلب منه أن يكون قادرا على تقديم أفكار خلاقة، وبخاصة أن الإبداع أشبه برحلة داخل غابة مظلمة وغامضة مجهولة، وهو أمر لا يرتبط بالضرورة بالفنون أغلب الوقت، فأي عمل تقوم به يتطلب دائما جانبا إبداعيا، وهذا يعني أن تتوقف عن التوق لفرصة إيجاد الإحساس بالهدف والنظر للأمور بطريقة مختلفة.

ومن أكثر الطرق فعالية لتحفيز الإبداع وحتى الوصول إليه؛ الاستماع للأفكار والعقل، خاصة بكل ما هو جديد أو طريقة مختلفة، والتي تعززها استراتيجيات تسهم في اتخاذ القرارات، والقيام بالخيارات الأفضل، والإبداع وقوة الإرادة وحسم الأمور:

- الاهتمام بالأحلام والعمل، ففي حال شعرت بأن قدرتك الإبداعية تخبو أو أنك لا تملكها أساسا، فكر بأحلامك وما تصبو إليه، ففي كل ليلة مثلا يقوم العقل بتوليد صور من خيالك، التي يمكن استرجاعها حين تستيقظ، وحين تفقد بوصلتك عد لهذه الصور وشيئا فشيئا ستتكشف لك أفكار مختلفة، لأن هذه الصور هي جزء من عقلك الباطن. فهذه الصور جزء مهم جدا لاستدراك وتوليد أفكار جديدة ومختلفة وتتيح التعبير عنها بصورة أقوى خاصة للكتاب والفنانين.

كما أن النوم من أبرز الطرق التي تخبرنا بأمور لا نفهمها وتحضرنا لها، فمثلا بعض المشاكل يحلها العقل خلال النوم والحلم بعد إرهاق طويل، لأن الحلم في مرحلة REM يربط كل الأفكار ذات الصلة، ويوحدها في صف واحد ويضع نقاط الخروج من المأزق، ففي النوم تتوارد أفكار لن ندركها ونحن مستيقظون، وتنشط في مجال العاطفة في الدماغ، بحيث تحدد الأولويات.

في حين أن الأحلام تساعدنا في الحصول على رؤية أوسع لمواضيع مختلفة تؤرقنا، وتتيح لنا اختبارها والتفكير بها، وإن لم تكن منطقية ونحن مستيقظون، ولكنها ترسل لنا إشارات ببدائل مختلفة تتطلب بحثا أعمق. خلاصة القول إن كل ردة فعل تصدر عن أجسادنا وتتعارض مع ما نقوم به قد تكون إشارة لأمر وارد لاحقا، والتدقيق بها مهم لفهم ما يدور وتداركه.

أما أحلام اليقظة، فهي مهمة لتحفيز الإبداع، فهي تدفع النشاط في الدوائر المعروفة باسم الشبكة الافتراضية، وهي التي تربط أجزاء مختلفة من الدماغ ببعضها، وتسمح للعقل بتكوين شبكات أخرى، وأحلام اليقظة في الدماغ تعني إطلاق العنان له للإبداع.

- الاستحمام لفترة طويلة، فلحظة الوصول للبصيرة تحصل في غالبية الأحيان ولا يدركها الفرد؛ لأنه كان يفكر بالمشكلة بشكل كبير، ولكن من الممكن أن تحصل حين يكون الفرد مسترخيا في حمام ساخن طويل، أو خلال القيام بنزهة طويلة.

وهو أمر لا يتم عادة إنشاؤه بواسطة الاندفاع والنشاط عالي التردد في الموجات العصبية في الدماغ الأيسر؛ لأن العقل يكون أكثر قدرة على الاستماع والتحليل واتخاذ القرارات، عندما يكون خاليا من التوتر ومسترخيا.

- إدارة المزاج، فالاكتئاب يولد حلقة من الأفكار والمشاعر غير السليمة، والأحاسيس تتغذى على بعضها بعضا، ما ينحي بكل ما يرتبط بالأمل والفرح والحماس بمنأى بعيد عنه، والأفكار الإبداعية تتولد في لحظات حماسية، وارتفاع متسوى التوتر يزيد من مستويات هرمون الكوتيزول وإفرازه في الجسم، وتلك تؤثر في الحالة المزاجية العامة والقدرة على التركيز أو العطاء.

وهذا يعني أن تضغط على عواطفك، لأن الأفكار المختلفة جزء من الدماغ، والتفكير اللاواعي يقوم باتخاذ كميات كبيرة من المعلومات، التي لسنا على علم بها، وتجهيزها بسرعة كبيرة، وكأنها غرفة عمليات سرية، وبناء على استنتاجاته، فإن الدماغ يولد العواطف. لذا لا تتجاهل أي شعور تحس به فجأة، لتجنب فعل أمر ما أو تناول شيء ما، أو الذهاب لمكان ما، فدماغك أشبه بـ"الحاسوب العملاق الذكي" في رأسك، ودائما ما يحاول أن يقول لك شيئا.

- المثابرة والثقة في العملية الإبداعية، المبدعون وتحديدا الذين يملكون جانبا إبداعيا ملمون بأن لهم عالمهم وطرقهم الخاصة في استحضار إلهام معين ولو من أشياء بسيطة لا تخطر ببال أحد، فقط تكون حركة ما في كأس كفيلة بتوليد أفكار جنونية لا تخلو من الجمال والإبداع وحتى صوت أو طير محلق في السماء.

فالإبداع لا حدود ولا شكل له واستحضاره لا يتطلب سوى أمر بسيط، هو أن تتوقف عن تحليل الأمور والنظر إليه، فحين نكون منغمسين في أمور مختلفة وفجأة نتفاعل مع أمور لم نولها اهتماما، فهو أمر طبيعي وردة فعل كامنة من العقل الخاص، فالالتهاء بأمور عما نريد التركيز عليه يساعد على التفكير بشكل من حيث أن الانشغال بأمور مختلفة عما نريد البت فيه، يصبح أكثر سهولة؛ إذ إن العقل يصبح ذا بصيرة أقوى حين يبتعد قليلا عما يركز فيه، لأن العقل اللاواعي يستحضر المعلومات كافة ويدمجها في الطريق الصحيح عبر تصفيتها.الغد