أنا بحب الحكومة!!


حيّرتني هذه الحكومة، أحاول جاهداً معرفة منطلقاتها وأهدافها، برامجها ومخططاتها، تكتيكاتها واستراتيجياتها، طهرها وخبثها، وجهتها وقبلتها، إقلاعها وهبوطها، عداواتها وصداقاتها، فأجد نفسي بعد كل محاولة للمعرفة أكثر حيرة وأكثر شروداً وأكثر جهلاً.

بعد أيام من وصولها إلى الدور الرابع، أخرجت بنادقها من خزائنها، ومسدساتها من جيوبها، وسيوفها من أغمادها، وأعلنت على لسان رئيسها أنها صديقة للصحافة، ثم بدأت بإطلاق الرصاص في اتجاه كل من يقول كلمته ويعبر عن رأيه، وينتقد قراراً اتخذته أو إجراء أقدمت عليه، أنزلت الرعب في قلوب البعض وزادت البعض شجاعة في القول والتزاماً بالدفاع عن الوطن والحق والحقائق، دون أن ترد مرة واحدة لتشرح أو توضح أو تقول عكس ما قاله هذا القلم أو ذاك، اكتفى ناطقها الرسمي كل مرة بالنفي، والنفي لا يلغي صواباًً ولا يقدم صواباً، بل أنه دائماً يؤكد فشله في تقديم الحقيقة.

هناك كتاب محترفون بينهم جيدون وبينهم سيئون، وهناك كتاب واعدون، يسمعون رئيس الحكومة وهو يتحدث عن صداقته مع الصحفيين، ويسمعون الناطق الرسمي وهو لا يكف عن التأكيد على تميز حكومته في حماية حرية التعبير، ولو أنه نزل يوماً على قصر العدل القديم- وسط عمان- لاعتقد أن هذا المبنى لنقابة الصحفيين، صحفيون وصحفيات ومعهم محاموهم، صحفيون وصحفيات مشتكون على مسيئين لهم أو مشتكى عليهم بسبب ما كتبوا واعتبره المسؤولون إساءة اليهم.

في ظل الأحكام العرفية الممارسة وغير المعلنة، لا يصعب على مواطن واحد أن يعرف أن هذا الثوب الجميل من الحديث عن الديموقراطية وعن حرية التعبير وعن منع سجن الصحفيين، هو مجرد عباءة شفافة تبدو وراءها البنادق والمسدسات والسكاكين والمخالب والأنياب متحفزة لحز عنق الصحفي من القلم إلى القلم، ومؤخراً لجأت الحكومات خلال السنوات الأخيرة إلى الاستعانة بمواطنين لتقديم شكوى ضد مواطنين، وكان هؤلاء الأردنيين شعب ساذج يمكن أن تنطلي عليه الحيلة، ولعلكم تذكرون كيف أقدم ( مفتي جرش) على تقديم شكوى ضد الأستاذ عدنان أبو عودة الذي لازم جلالة المغفور الحسين المعظم منذ عام 1970 وحتى عام 1999، وعندما استدعي للتحقيق بسبب عبارات وردت في مقابلة معه في قناة الجزيرة، تدخل جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وطلب طي الصفحة ثم طويت، وهذه مسألة تبعث على الرعب، إذ في وسع الحكومة أن تكلف من تشاء برفع قضايا على من لا ترتاح لهم أو تفقد أعصابها بسبب كتاباتهم، ثم يعلن الناطق الرسمي- زاده الله فصاحة وبلاغة – أن لا علاقة للحكومة بهذا، ولو أن هذا الناطق ومسؤوليه يصدقون ما يقولون لما اختلفنا معهم ولاتفقنا على أن الحكومة وحدها وراء تحريك هذه القضايا.


الخميس الماضي توجهت للإدلاء بأقوالي لدى مدعي العام السيد عاصم بني هاني- في القضية التي رفعها ضدي صالح قلاب – التقيت اولاً بالزميل غيث العضايلة رئيس تحرير موقع خبرني، وبعد دقائق التقيت بالزميلة رنا صباغ الكاتبة السياسية المعروفة والوحيدة في الصحافة الأردنية، ولوحت بيدي لزميلين آخرين كانا يصعدان درج قصر العدل بينما كنت أغادره مع الزميل حكمت المومني نائب نقيب الصحفيين والأستاذ محمود قطيشات محامي النقابة، لحظاتها كدت إخرج أقلامي من جيبي وإلقاءها تحت عجلات السيارات. أية علاقة سوية بين الكتاب الصحفيين والمسؤولين الأردنيين، ولماذا لا يتصرفون بحضارة في الرد على ما يكتب عنهم وعن ممارساتهم وأخطائهم، اما الكتاب الصحفيون فلماذا يرفعون دعاوى على الكتاب الصحفيين الآخرين، ما دام حق الرد والتوضيح مضموناً لهم، وما دام هناك نقابة يجب أن نذهب إلى بيتها ونشتكي لديها.

إنني اؤكد أن مجرد وقوف الكاتب أمام القضاء هو شرف له يمنحه القضاء له بطيب خاطر وتمنحه الحكومة مرغمة، وعندما يصنفني مسؤولون كثر بأنني عدو للوطن وعدو لمسيرته ويرسلونني إلى القضاء، فإن تبرئتي وحتى إدانتي شرف لي وشرف لكل كاتب يتعرض لهذه التجربة، وقبل شهور كنت أقف أمام قضاة محترمين عندما قررت غالبية أعضاء مجلس النواب مقاضاتي وتكسير قلمي وسجني، وها أنا بعد شهور أمرّ بتجربة ثانية وهي أن السلطة التنفيذية هي التي تناصبني العداء ومجرد اعتباري نداً لها بكل أجهزتها ومؤسساتها وقواها أمر يؤكد أن لا المدافع ولا البنادق ولا القنابل ولا المعتقلات والسجون ولا السكاكين تستطيع أن تأحذ ذرة من حبر قلم، يضع الله والوطن والمواطنين أمانة في عنقه، ويجب أن يدافع عنهم حتى لو أدت كلماته بإصابة خصومه بالجلطة القاتلة.


تبقى نقطة لن أتوقف عندها طويلاً ، في شكوى مجلس النواب بغالبية أعضائه ورئيسه وفي شكوى الحكومة الآن، تذكرت قول الشاعر:
(فما أكثر الاخوان حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل )

وأقول – وبكل أسف- أنني أواجه الأمرين وحيداً إلا من قرّاء كثر وزملاء شباب لم يلوثوا أقلامهم بالخوف أو النفاق أو المجاملة، ولهذا وفي معركتي الأولى وبعد تبرئتي تقدم هؤلاء الزملاء غير الشباب لأخذ حصتهم من انتصار العدالة وإظهار فرحهم وتشفيهم بحل المجلس وكأنهم كتبوا كلمة واحدة عن ادائه وعن امتيازاته اللتين لم تتركا لجلالة الملك من قرار سوى حل المجلس باعتبار أن حله كان مطلباً شعبياً ،ومن هنا أوجه كلمة عتاب لزملائي الكتاب الذين وقفوا متفرجين واعاهدهم أنني لن اخذلهم فيما لو تعرضوا لسوء، وأعرف أن غالبيتهم اطفال مدللون بكل أنواع الدلال، ينامون في حضن الحكومة ويأكلون في حضنها، ويدخنون وهم جالسون قرب جيوبها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

.........................................

بعد الإنتهاء من قراءة المقال، أرجو قراءة التالي:

( قال وزير الدولة لشؤون الإعلام والإتصال الناطق الرسمي: إن الحكومة ترحب بالنقد وتعددية الآراء اللذين يثريان المسيرة الوطنية ويعززان الجهود المبذولة لعملية الإصلاح).
إضافة أولى:
(إن الحكومة تتحدث عن تعزيز الحرية ولكن هذه الحكومة قرنت القول بالعمل واتخذت اجراءات عملية لتوسيع هوامش النقد).
إضافة ثانية:
( في غياب مجلس النواب وفي غياب حرية الصحافة فإن الحقيقة هي الضحية).
تعقيب :
( حفاظاً على هدوء أجواء المواقع تمنع القهقهة ولا مانع من الابتسام).



تعليقات القراء

أبو حميد.....USA....
برقية غضب من كل حليم أتعبه قانون اللا مرجو فيه. ولحظة ندم ممن صبروا سنين مرضي التسامح والاصلاح. الي سلم العد التنازلي لكل جميل تحاكيناه في صبانا. وحتي انغمست رؤسنا في الوحل فاختفينا. في مشهد عاد سلوانا ومرعانا. غابت عنا الدنيا ونعتنا أحياء. نحن نتردي,نحن نموت.أذا نحن غير احياء. أذا لانوجد لا نعود.
13-02-2010 11:31 AM
ابن الزرقا - sponsor
الى الاستاذ الشهم خالد محادين .... سيبقى قلمك لا يكتب سوى الكلام الطيب ولن يتلوث حبره بالمزايدات في سوق النخاسة وسيبقى ناصعا كثلج جبال عمان .. .. لكل من عرفك انت حراً حتى النخاع مدافعاً عن قضايا الوطن ... لن تخذلنا ولن يكون قلمك الا وطنياً بعيدا عن أقلام المرتزقة الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس .....وسيبقى الوطن حراً بأهله وقيادته الهاشمية التي نعتز بها على الدوام...
13-02-2010 01:42 PM
محادين
الاستاذ المحترم انا احترمك واعطف عليك ربما يجب ان تزور دكتور نفسيا استاذ خالد انت وغيرك تحاربون الوطن والمواطن كل يوم وكل كتابه لك تحاول فيها الوصول الى مكان انت لست من اهله ارجوك ارجوك استاذي الفاضل ان تكف عن هذه الكتاب وان تتجه الى الكتابات الوطنية التي ترفع من عزيمتنا وليست الي تحط من عزيمتنا عندما اقرء لك احس انني في دولة من دول العالم السابع وليس فيها حقوق وحريات لو اننا في دوله اخرى لكان مكانك انت وغيرك غير معروف ربما انت تزور قصر العدل افضل من ان تزور مكانا اخر
13-02-2010 02:54 PM
رواشده
لنصح الاستاذ خالد محادين بان يكثر من تناول الفيتامينات لانه بدا يخرفن ... وانصحه ان يصمت فصمته اكثر بلاغة ... بطلنا نعرف له وجه وبحاجة الى مصنع اقنعة حتى يكفيه .. اجلس في دارك خيرا لك وللوطن وراحة لنا من سماع هذا النشاز.
13-02-2010 04:50 PM
ابن الكرك
الحبس للرحال
13-02-2010 05:32 PM
خريويش الطوز كلانا
في اصحاب تعليقات ....
13-02-2010 07:24 PM
المواطن حمدان
يوم فزعوا الحجيزة صرت تتطلق من جديد لا تبحث عن فزعات عندنا قضاء والحمدللة يحكم بالعدل
13-02-2010 07:27 PM
المواجــدة
تحية الاحترااام والتقدير لك ولقلمك .. وتحية الى الرجال الرجال... المنتمين فعلاً وقولاً للوطن والدولة .. وليس للحكومة .. وانا كمواااطن اردني اكره الحكومة ..
فنحن الان في زمن الرويبضة ...
وفقكم الله والتل معكم.. وكل صاااحب قلم شريف يكتب عن معاناااة الوطن والمواااطن الاردني ...
الاخوة 3 + 4 التل والمحادين لم يسرقاا وطن ولم يفسداا وطن ولا يعيشاا وكأن الوطن شركة وفندق!؟ وليسوا من المختلسين ولصوص قوت الشعب الاردني...
13-02-2010 08:28 PM
سوداني
وانا بحبك يا زول
14-02-2010 03:12 AM
وافد
يا كلمة الحق

قولى للظلم لئة ...

وألف لأ

عدى خيولك للسبق

قومى انصرى المظلوم

وامحى جدار الخوف

ولا يبقى فيه مهزوم

واللى طريقه الحق

مهما انكسر حيقوم

يا كلمة الحق

قولى للظلم لئة ...

وألف لأ
14-02-2010 03:12 AM
أحمدالخوالدة-الامارات
تحية اردنية أصيلة لك ولقلمك الوفي للأردن ترابه واهله وصبره العظيم
14-02-2010 07:11 AM
شخصنة
شخصنة الأمور عمل يعيد عن الموضوعية الصحفية ويخفي وراءه ما يخفي
14-02-2010 07:44 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات