هل نقول وداعاً للقلم


أفقدتنا تقنيات العصر الحديثة  كثيرا من أمور حياتنا التي لم نكن نتخيل يوما أن نعيش بدونها أو بعيدا عنها؛ لكننا على أية حال تركناها وهجرناها قسرا؛ فضاعت هذه الأشياء في بطون كتب التراث القديم المليء بغبار الزمن.

متعة الكتابة والقراءة بالطريقة التقليدية كانت ضحية من ضحايا تقنيات العصر؛ فالكتابة لا بد لها من القلم؛ هذا القلم الذي أقسم به رب العزة في كتابه العظيم

قال تعالى( نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم:1) ؛ هذا القلم هو الذي نقل لنا تراث الأجداد وتاريخهم وحضاراتهم؛ فهو ذاكرة العصور؛ وهو رسول العقل والفكر؛ تكتب به ما شئت في أي وقت شئت؛ لكنه اليوم على عتبات الضياع والهجران ؛ يكاد ينطمس أويتلاشى من حياتنا؛ فقد كثيرا من أدواره ولم تعد الحاجة له كما كانت عليه في السابق؛ وقلما تجد في أيامنا هذه من يستخدم القلم أو يستخدم يده في الكتابة بالطريقة التي أصبحت وبكل أسف قديمة؛ فمحو الأمية يجب أن يمر أولا بالحاسوب وكيفية استخدام البرامج الأساسية أو الرئيسية ولعل أبرزها برنامج الكتابة .

فقدنا أقلامنا وفقدنا متعة الكتابة فأصبح الخط رديئا والأملاء صعبا؛ كل ذلك لأننا اعتمدنا على لوحة مفاتيح الحاسوب فأصبح هذا الحاسوب فردا من الأسرة له مصاريفة الشخصية ؛ وله من حياتنا أوقات كثيرة أذ لا بد من الجلوس أمامه لفترات ليست بالقصيرة وأحيانا ما تلهينا هذه الأوقات عن واجباتنا الكثيرة سيما الواجبات الأجتماعية دون أن ننسى أيضا ساعاتنا الضائعة أمام شاشات التلفاز؛ فالشاشات بنوعيها شاشات الحاسوب وشاشات التلفاز سلبت منا أوقاتا كبيرة على حساب واجباتنا الأخرى.

أما الأبناء سيما الأطفال منهم فقد سحرهم هذا الجهاز؛ فصاروا أشباه مدمنين لألعاب تغزو أفكارهم صباح مساء؛ فصرنا نرى استخدام أطفال صغار لنظارات طبية لكثرة تعلقهم بالحواسيب التي شغلتهم عن ألعاب أكثر فائدة وجدوى كتلك التي كان الأطفال يلعبونها قبل أن يحل هذا الضيف على بيوتنا.

أما متعة القراءة فقد تكون أكثر ايلاما؛ فالكتاب لم يعد بنفس ألقه لأنه ضاع أيضا في متاهات الحواسيب؛ اذ قلما تجد من يقرأ من كتاب كما كان بالأمس؛ فبدلا من كل الكتب التي كنا نقتنيها في مكتباتنا الشخصية أيام الدراسة ونفاخر بها أنفسنا وأصدقائنا ؛ أصبحنا نعتمد على الكتب والمكتبات الألكترونية في الحواسيب والشبكات العنكبوتية ؛ صحيح أن هذا يوفر ثمن كتب باهضة الثمن؛ فبدلا من أن تشتري كتابا بعشرة دنانير مثلا؛ فأنك تشتري آلاف الكتب بنصف دينار؛ لكن كل هذا لا يقارن بمتعة القراءة من الكتاب العادي أو التقليدي؛ ناهيك عن مدى الأستيعاب أو الحفظ .

من جهة أخرى فهناك مشكلة تبدو أكثر أهمية والحاحا لأنها تشكل خطرا أكبر من كل ما تقدم؛ فالأعتماد على الحواسيب بشكل كلي أفرز لنا أجيالا تتمتع بجهل ملحوظ حتى في تخصصاتها مما نلحظه كثيرا في هذه الأيام بين أبنائنا.

لن أعيد ذاكرة جيلي الى المعاناة المفيدة لنا أيام دراستنا الجامعية؛ كنا نقضي الساعات والأيام الطويلة في مكتبة الجامعة لكتابة بحث ما؛ وأحيانا ننتظر أياما وأياما للوصول الى مرجع أو كتاب مما كان يستوجب من أدارة المكتبة وضعه على رف الحجز؛ أضف الى ذلك أننا كنا نلجأ الى استعارة الكتب الى خارج أسوار الجامعة لمواصلة البحث في بطونها وهذا يجبرك رغما عنك الى الأستفادة من المعلومات وتفريغها ومن ثم كتابتها بخط اليد.

اليوم لا يستغرق البحث الطويل دقائق قليلة ؛ فيأتيك مطبوعا جاهزا؛ وكل ما عليك كبقية أصدقائك الطلبة هو كتابة أو طباعة اسمك متبوعا باسم البحث وعبارة بأشراف - د. فلان؛ دون أن تكلف نفسك عناء قرائته أو كتابته أوتفقد الأخطاء اللغوية أو المطبعية ؛ فمحركات البحث في الشبكة العنكبوتية أخذت هذا الأمر على عاتقها وكاهلها فهي تسهر لأسعادنا وأراحتنا من عناء القراءة والكتابة والتفكير دون أن تستهلك منا جهدا أو وقتا؛ ألسنا في عالم السرعة؟

( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(العنكبوت: من الآية41)

riyad_rababah@yahoo.com



تعليقات القراء

بردايس
أشك ي أن القلم سيتوارى للأبد.. كلام جميل وواقعي .. ولكن هذا هو ثمن الأشياء الجديدة في الحياة.. والكتاب سيبقى ولكن بدرجات متاوتة..
04-01-2010 09:39 PM
أماني
أتمنى أن نعود لأقلامنا .. وللكتب بصورتها التقليدية.. هكذا أصبحت تقليدية.... نعم أنا معك ولكن الكمبيوتر بديل جيد
04-01-2010 09:45 PM
من عمان
الأخ الكاتب: من غير الممكن أن نبقى ي دهاليز الماضي والعالم يتقدك كل يوم.. قط لنحاظ على متعة الكتابة والقراءة... لنتقدم مع غيرنا من الأمم وأنا ضد هذه الصيحات التي تؤخرنا عن ركب الحضارة
05-01-2010 05:12 PM
إيمان شلباية
سيبقى القلم والكتاب التقليدي هو الاصل ...
ولكن جاءت التكنولوجيا والتطور لتساعده في عمله وتآزره في هدفه ...
فالقلم هو من بنا التطور وهو من خط طريق الحضارة ...
05-01-2010 11:46 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات