المتخلفون عن الجهاد أمام المحكمة 2


بسم الله الرحمن الرحيم

نحن اليوم مع الجزء الثاني من رواية الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه لقصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ومثوله بعدها للمحاكمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال كعب : وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول لنفسي هل حرّك شفتيه برد السلام عليّ ؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر فإذا اقبلت على صلاتي اقبل إليّ وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت جدار حائط "أبي قتادة" وهو أبن عمي وأحب الناس إليّ فسلمت عليه ووالله ما رد عليّ السلام، فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته، فقال الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار.

وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطيّ من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابا من ملك غسان قال فيه : أما بعد ، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله في دار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسٍك.

فقلت لما قرأتها : وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخميسن إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل إمرأتك، فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل؟، قال لا بل اعتزلها ولا تقربها.

وأرسل إلى صاحبيَّ مثل ذلك، فقلت لإمرأتي إلحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر.

فجاءت إمرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟ قال لا، ولكن لا يقربكٍ، قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من امره ما كان إلى يومه هذا.

فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه لإمرأتك كما اذن لإمرأة هلال بن أمية أن تخدمه ؟ فقلت والله لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا شابّ ؟.

فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صُبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت عليه نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل "سَلْع" بأعلى صوته " يا كعب بن مالك أبشرْ" فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج، وأذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قٍبلَ صاحبيّ مبشرون، وركض إليّ رجلٌ فرسا، وسعى ساعِ من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس.

قلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيًّ فألبسته إياهما ببشراه، والله لا أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقانيَّ الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون "لتهنك توبة الله عليك"، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ حوله الناس فقام إليّ طلحة بن عبيد الله حتى صافحني وهنأني والله ما قام إليّ رجلٌ من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة.

فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور "أبشر بخير يومِ مرّ عليك منذ ولدتك أمك" قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : بل من عند الله، " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصارالذين أتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم، وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم فظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم".

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر وقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت .. فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبتلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات