الأديبة الإماراتية سارة الجروان .. بين التدوين والمشافهة


جراسا -

 فراس الحمد- يستعيد الادب حيويته عندما يعود للماضي , ولا تنتصر الرواية او القصة إلا عندما تنحاز للانسان , ومنظومة القيم والعادات والتقاليد الايجابية التي يؤمن بها , فالنص العربي الاصيل الذي يخلب الالباب ليس بالضرورة أن يكتسي ثوب التأثر بالرواية الاوروبية والغربية عموما , بل إن تميزه وفرادته تكمن في انطلاقه من بيئته العربية بكل مكوناتها .

مزجت سارة الجروان الكعبي في " بنت نارنج الترنج " بين المشافهة والتدوين في قالب يصعب على غيرها حياكته بنفس المستوى الرفيع الذي أقدمت عليه . " بنت نارنج الترنج " الصادر عام 2010 عن دار الآداب للنشر في بيروت للكاتبة والأديبة الإماراتية سارة الجروان هو عبارة عن كتاب يضم بين جنباته اثنتي عشرة حكاية فولكلورية إماراتية أصغت واستمعت لها " الكعبي " شفاهة من فم الرواة , ثم صاغتها عبر جدولين رقراقين : ارتدى الاول اللهجة المحكية العامية الاماراتية ( حسب اسلوب الرواة ولكن مع تصرف للكاتبة ) بينما أمطرت " الكعبي " الجدول الثاني بمياه العربية الفصحى , فكان أن جاء الكتاب في جزأين , الاول للقصص المحكية باللهجة الاماراتية , والثاني الذي صاغته الكعبي - لنفس القصص الواردة بالجزء الاول - باللغة العربية الفصيحة .

لقد استخدمت الكاتبة الاسطورة بأسلوب جذاب يشد القارئ نحو الحكاية فضلا عن تقديمها نماذج الخير والفضيلة التي تنتصر في النهايات . كما لاتغفل الاديبة والروائية سارة الجروان الكعبي المنظومة القيمية المجتمعية ودورها الكبير في تعزيز التماسك الاجتماعي . الجميل ايضا في هذا الكتاب أنك تستطيع الاستمتاع بأي جزء منه بغض النظر من أين بدأت , فلو قرأته بالترتيب من البداية او من المنتصف ... ستجد اللذة نفسها لانك ستنتهي من قصة لتدخل أخرى , أو ربما تتوقف لتتابع لاحقا بعد أن تكون قد أكملت قراءة قصة من إحدى الحكايات المنشورة في هذ الكتاب .

يستطيع المتذوق للنص الادبي أن يستشعر وبسهولة الرغبة الجامحة لدى سارة الجروان بالمحافظة على التراث الشفوي الحكائي , وهذا أفق ينطلق من حرصها على هوية وطنها .. دولة الامارات العربية المتحدة , ولا ننسى نحن المتابعين للشأن الثقافي عامة أن التراث الحكائي الشفوي له أهمية بالغة في تشكيل شخصية الانسان ورسم ملامح فكره وانطباعاته عن الكون والحياة والمجتمع ونظرته أساسا نحو الآخر , مما جعل الاديبة " الكعبي " تركز على القيم الايجابية وأبعادها المستقبلية في نظرة استراتيجية سخرتها لانتصار الخير والفضيلة في حكاياتها النارنجية , حتى لو اضطرها ذلك للسباحة في عوالم الخيال والدهشة والاسطورة .

نثمن وبشكل كبير الحرص من الاديبة الاماراتية " الكعبي " على رصد وتدوين وحفظ الموروث الحكائي السردي الشفوي في الامارات قبل اضمحلال ذاكرة الرواة - وهم من كبار السن عادة - أو قبل انتقال البعض منهم للرفيق الأعلى . لقد عززت سارة الجروان الكعبي رياديتها لكونها أول روائية اماراتية في مجال الأدب النسوي من خلال روايتها " شجن بنت القدر الحزين " بأن مازجت هنا في " بنت نارنج الترنج " بين المشافهة والتدوين عبر نسق أدبي شيق ومحبوك بعناية فائقة , حداثية الطابع , تقرن في أسلوبها بين الاصالة والمعاصرة , حيث لم يكن اعتمادها على السرد إلا إضافة جمالية أخرى أضفتها الكعبي على حكاياتها النارنجية .

إن تأسيس دار وطنية إماراتية ثقافية مختصة بتدوين وحفظ وأرشفة الموروث الحكائي السردي والتاريخ المحكي في دولة الامارات العربية المتحدة يعد خطوة هامة على طريق التنمية المستدامة التي تنتهجها الامارات بخطى واثقة , وقد أضافت الأديبة والروائية سارة الجروان الكعبي مدماكا صلبا في بنيان الذاكرة الوجدانية التراثية الاماراتية من خلال تدوينها ونسجها الحكائي المبهر عبر هذا الكتاب الذي يجب أن يتم تسليط الضوء عليه مرات ومرات لما يحتويه من آفاق وأبعاد يمكن الاستفادة منها على أكثر من صعيد .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات