ناس وخيول!!


افرحني كثيرا بحث علمي جديد عن كون الحصان اقرب الكائنات الحية الى الانسان ، بقدر ما احزنني ذات يوم بحث اعطيت فيه للخنزير مكانة الحصان ، وقد ورد في البحث ان 2,7 مليار حرف هو مجموع حجم جينوم الحصان أو ما يسمى خريطة جيناته ، وقد اتضح ان الحصان يتفق مع الانسان في 17000 جين من ضمن مئتي الف جين.. ولن نستطرد في هذه الارقام التي قد تضجر القارئ العزيز ، لان الهدف من هذه المقاربة هو الشبه الحقيقي بين الحصان والانسان ، وكلاهما يلاقي المصير ذاته الحصان حارب وانتصر وهزم ، وزفّ عرائس ورقص حتى تضمخ صهيله بهذا الشجى وبدت عيناه دامعتين كما لو انه على وشك البكاء.

وكم سمعنا من الحكايات عن خيول اضربت عن الطعام حتى الموت بعد رحيل فرسانها ، وكان احد الفرسان يوصي ابنه كلما امتطى جواده ان يبتعد قليلا عن الرأس لان للجواد ذاكرة من طراز فريد وحين يدرك بان من يمتطيه ليس فارسه قد يحرك عنقه برشاقة فيصيبه في مقتل.. وقد تداخلت الاسطورة مع الواقع في تلك الحكايات ، لكن ما لا انساه على الاطلاق هو ما كانت تقوله امي ونحن اطفال في خمسينيات القرن الماضي .. وهو اشبه باغنية مفعمة بالشجن.

كانت تقول بعد الاصيل ركبنا قديش وبعد الحرير لبسنا خيش.

ما جرى للانسان في زمننا الصغير هو ما جرى للحصان ، فالانسان الان مجرد قطعة غيار بل هو مجرد سمسار ، وكما وصفه عالم النفس ويلهالم رايش هو انسان ترانزستور لهذا لم يحدث للنظامين الرأسمالي والشيوعي ان اتفقا على شيءمثل عقابهما المشترك لهذا العالم،

الحصان الذي خاض معارك ظافرة ، وصهل حتى تفصد الدم من عنقه ، هو الان يجر عربة كاز او عربة بطيخ ، واحيانا يمتطيه الاطفال في الاعياد وقد تحول صهيله الى ثغاء او مواء ، خصوصا حين نراه في السيرك وهو اشبه بلعبة مطاطية داجنة.

المصير المشترك للحصان والانسان هو هذا الانتهاك ، والاذلال لكليهما ، وقد يكون اللجام الذي يشكم اللسان هو اول قاسم مشترك بينهما ، واذكر ان حوارا حميما جرى ذات مساء شتائي بين صديقي الباقي محمود درويش وبيني حول عبارة وردت في احدى قصائده وهي عن حصان ضاع في طريق المطار ، وبعدها بفترة صدر ديوان محمود لماذا تركت الحصان وحيدا ، ولا يعرف من نقدوا او قرأوا هذا الديوان حتى الان ان محمود ترك كلمة «تركت» تشمل الثلاثة معا.. وهو القائل والمخاطب والمخاطبة.. لان من تركوا الحصان وحيدا هم الناس كلهم وليس الشاعر فقط.. وتلك تداعيات قد تطول ولها مقام اخر.. ما يهمنها من هذا الاكتشاف العلمي الذي يكرس التوأمة بين الانسان والحصان ، هو ان ما يقال عن شد السروج على الكلاب بسبب شحة الخيول له جذر اجتماعي ، وهو تعبير مفعم بالامس عن زمن اهين فيه الانسان والحصان والكتاب وكل ما له علاقة الحضارة وبما حققته البشرية خلال عدة الفيات من منجزات اصبحت في مهب غبار الدبابات والجرافات، ولانها تداعيات ، فان الشجى يبعث الشجى ما دام هذا الكوكب كله قبرا للانسان وليس لمالك فقط كما قال شاعرنا القديم.. ففي ظهيرة باردة في سمرقند زرت ضريح اسامة الذي يقول اهل اوزباكستان ان من يزوره مرتين يصبح جديرا بلقب حاج ، وطلب مني حارس الضريح ان اكتب كلمة.. فلم اجد لي ما اقوله لهذا الجد الباسل غير سؤال.. هو كيف وصلت على ظهر حصانك الى هذا المكان وانا الحفيد الذي شعر بالاعياء بعد ثلاث ساعات فقط من ركوب الطائرة.. وحين كتبت قبل التوقيع حفيدك فلان.. سقطت دمعة على الكلمة وهي ماكثة حتى الان ولم تتبخر،.


التاريخ : 15-12-2009
 

 

       
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات