فانوس علاء الدين السحري و كابوس مرير


ألتقطه عن الأرض بعناية كبيرة، كان ملمسه في يدي دافئ نتيجة الحر الذي وصل لأوجه في الصيف الماضي في اب...الشهر الذي حدثت به هذه الحادثة، تأملته كثيرا فكان شكله مثل المصباح القديم التقليدي الذي تصوره احداث رواية علاء الدين او السندباد...البطل المغامر الذي لطالما تحلى بالشجاعة و روح المغامرة و أكتشاف المجهول في العالم، فنظرت من حولي الى الارض الجرداء التي أنا بها...فكنت اقف على رمال ساخنة تغلي تحت قرص الشمس المنير في ظهيرة حارة جدا، لم يكن برفقتي أحد سوى الهواء الساخن و بعض من أشجار النخيل المثمر على مسافة مني و ما ترأى لي بأنها واحة ماء تبرق مياهها في الافق البعيد ...أم هل كان السراب يلعب لعبته الشهيرة معي؟

سِرْتُ نحو هذه الواحة لبعض من الوقت على أمل ان اصل اليها لاشرب بعض الماء...فكنت اشعر بالعطش و التعب و الشديد، و لكن تبين لي بعد مسافة من السير أن الواحة كانت تبتعد عني...و كأنها تهرب مني خوفا من أن اصل اليها...فحتى قطرات الماء التي كنت اسعى اليها توضحت مع مرور الوقت أنها عبارة عن تهيئات رسمتها امامي صحراء قاسية لتسخر مني...و مِنْ مَنْ يتوه بها، توقفت أخيرا بعد هذه الصفعة من الجحيم الأصفر الذي ابتلعني أحاول معرفة طريقي فكان من الضروري أن اصل الى بغداد...و الى مولاي السلطان الحاكم...ففجأة وجدت بيدي الآخرى مخطوط مكتوب بحبر اسود، ففتحته و ابتدات اقراء نصه..."الى سلطان بغداد حفظه الله و رعاه...أكتب اليكم و جيوش الأعداء باتت على مشارف حدود القاهرة...و أنتم على دراية بما اصاب بلاد الشام من تفكك لا يحمد عقباه، كنت سأطلب النجدة من الملك النعمان و لكن زمان عنتر عبس الاصيل ذهب من دون عودة و نهضتكم بوجه من يعاديكم هو الحل، فنطلب نجدتكم بخمسين ألف فارس في أقرب وقتا ممكن و إلى ضاعت العروبة من ايدينا..و أصبحنا تحت أمرهم الى الابد...و كان النص مختوم بإمضاء والي بلاد الصحراء الغربية...

نظرت الى الفانوس بين يداي و أغمضت عيناي من القهر، بل شعرت بالدمع يتدفق لبرهة من الزمن من عيناي، فمضمون الكتاب كان مؤلم جدا لي، ففركت الفانوس بين يداي و خرجت منه سحب دخان كثيفة جعلتني أقذفه من يدي على الارض، انتشرت بالأجواء من حولي السحب الخضراء و الحمراء و وقف أمامي مارد ضخم طويل مفتول العضلات عريض المنبكين، و كان يأتزر بثوب شفاف كان يغطي جسده من فوق، و لكن ساقيه كانت سحب تتولون تارة الى اللون الأحمر و تارة الى الأخضر، و كانت السحب تَصُب في فم الفانوس...

صرخت بوجهه و قلت له "من أنت!" فأجابني "أنا قَدَرُكَ يا سيدي، فأنا عبد لمن يحمل هذا الفانوس السحري، لك ثلاثة أمنيات أستطيع تحقيقها لك، فقلت له و كيف أطمأن لكلامك؟ فقال لي أطلب أمنية واحدة و سترى...ففكرت بنص الكتاب الموجع و طلبت منه "يا مارد أغرب من الخيال، هل لكم بتحرير مصر من أعدائها، فَهُمْ أقوى منها بهذه الأيام...فقال لي لهم جيش قوي و لكن لك ما تريد، فوجدتني أعطيه بيدي بعض من مخطوطات كنت قد كتبتها لوالي مصر و رئيس جيوشها لكن توهاني بالصحراء لم يسمح لي بالسفر اليها، فرأيت نفسي فجأة بوسط القاهرة بعصرها الحديث و رأيت ثورة 30 من يونيو أمامي بكل أحداثها التي مَرًتْ علينا بالايام السالفة، فابتسمت و ارتاح قلبي بأن كلام المارد كان صحيح و قد أعطاني أمنيتي التي طلبتها، و وجدت نفسي فجأة بعدها بميدان التحرير في وسط ظلام دامس في منطقة خالية من البشر، فنظر الي المارد بوجهه المستدير و شعرها الطويل الأسود، و كانت عيونه تشبه عيون الصقر فكانت حادة جدا، و قلت له لي أمنية ثانية،

قال لي سمعاً و طاعة، فقلت له انا من زمن غير زمان المغامرات الذي أنتم منه و قُدْسُنَا تتعرض للإنتهاكات الكثيرة، فقال لي "سآخذك اليها، فسترى ماذا سيحل بها في المستقبل القريب،" و فجأة رأيت نفسي اقف بجانب كنيسة القيامة و كانت أجراسها الرائعة تُقْرَعْ مع أصوات الآذان الطاهرة، فرقص قلبي فرحاً و طرباً لهذا الأمر و لكن سرعان ما رأيت فيها حرب ضروس بين جيوش عربية و جيوش أجنبية...لم استطيع تحديد هوية و بلدان الجيوش العربية و لا الجيوش الأجنبية و لكن كانت فرق المشاة تلتحم بقوة في شوراعها و كانت الدماء في كل مكان، و فجأة وقع المحظور، فسمعت أحدهم يصرخ بقوة و يقول أحذروا عرش مولاي! احموا عرش مولاي الملك العظيم! و ثم رأيت الأردن و اسرائيل تسقط بيد أعدائها...فكانت شوارع القدس و الأردن مليئة بالأعلام السوداء و بأعلام بيضاء لأحزاب فرحت فرحا عظيما بهذا الفوز...

رأيت نفسي فجاة مرتدياً الثياب السوداء و نظرت الى المارد و قلت له اتسقط الأردن و فلسطين بيد أعدائها؟...فنظر الي و سألني "أمنيتك الثانية يا سيدي"...فقلت له أن لا يحدث كابوس سقوط الأردن و فلسطين بيد الأعلام السوداء و أعدؤنا، فقال لي سمعا و طاعة، فأخذني الى الحدود الأردنية العراقية و صرخ بالهواء الطلق "فاليكن بأسكم شديد و لا تعتمدوا إلا على سواعدكم! ربة عمون ستشهد سلاما! أنتم اسود متأهبون لحماية الوطن!"
عدت الى الصحراء...الى الرمال الصفراء الجافة و حرها القاتل، فنظرت الى المارد و قلت له بَقِيَةْ أمنية واحدة، فقال لي مرة ثانية سمعا و طاعة، فقلت له اريد أن أصحوا من هذا الكابوس الفظيع قبل أن تصطدم هذه الأمواج العملاقة التي اراها خلفك بفلسطين و الاردن...فأرى حدودها تصل الى تلال الفحيص في الاردن...فقال لي لك ما تريد و لكن لا تخف، فسقوط الأردن و فلسطين بيد أعداؤها و هذه الأمواج كانت جميعها ستهدد عبر الاردن لولا المخطوطات التي أخذتها من يديك و أحداث 30 من يونيو في القاهرة، فأنت ترى ما كان سيحدث في الاردن لولا مخطوطاتك و لولا هذه الثورة الكبيرة بالقاهرة، صَحَوْتُ فورا من هذا الكابوس الفظيع...بعد أن رايت الأمواج العالية ترتطم في جبال السلط في محافظة البلقاء، فلم اشاهد مثلها من قبل، كان العَرَقْ يملئ جسدي و كنت أتنفس بسرعة شديدة من مشاهدت هذا الكابوس المروع و القاسي، كنا في الصابح الباكر و كانت لحظات الشروق البهية تضيئ أفق الرحمن الرحبة،

لأول مرة أشعر بأن فانوس علاء الدين السحري فقد متعته بان يكون بوابة لتلبية الأحلام المخملية كجمع المال و الكنوز و الثروات، فمعظم الاعمال التاريخية تقدمه بهذا القالب التقليدي و لكن اضحى بهذا الحُلُمْ بوابة على عالم من الرموز انطلقت من ربما مخاوف في داخلي و غضب من الحروب الدائرة في عالمنا العربي...أو ربما عكست رفض في داخلي لكل انواع الإستخفاف بحياة البشر فالإنسانية تداس بكل قسوة بالبلاد العربية عن طريق الحروب الطاحنة...، فأصبحنا كعرب لقمة سهلة لنفوذ دول اقوى منا هَمُهَا السيطرة على الحياة السياسية للوطن العربي بهدف ابقاء المنطقة ضعيفة لإرضاء الدولة الإسرائيلية،

لست سياسيا إطلاقا و لا أحب الكتابة بالسياسة فأهلها بَأًسَهُمْ شديد، و لكن ما يحدث بالمنطقة العربية يغضب الله و الكنيسة و الحوزات العلمية الإسلامية فالدين هو هُدَى للناس و سلام على المجتمع و تؤمن الأديان السماوية بحقن الدماء البشرية فليست هنالك دين على الكرة الأرضية يحلل ما يحدث بالوطن العربي فحتى الديانات البودية و بعض من الديانات الوثنية تؤمن بالسلام و إرساء قواعده بالمتجمعات الإنسانية...إلا في منطقة الشرق الاوسط فلا ارى سوى عطش للدماء و طقوس لم تراها البشرية في التاريخ إلا في مجتمعات بدائية وجدها المستكشفون الاوروبيون في القرون الوسطى اثناء ابحارهم بالمحيطات الواسعة و دونوها بكتبهم و كانت تتضمن أكل لحوم البشر على ايدي البربر،

مع كل اسف ان محاولات الأمم المتحدة ككيان ينظم الحوار الدولي في المسكونة البشرية قد فشل بإيجاد حل للقضية الفلسطينية و قد فشل بإيجاد حلول للأزمة التي ابتدأت بسجال طائفي في لبنان بين قوة 14 اذار و قوة 8 من اذار و التي ادارت خلالها الدولة السورية معركة كبرى ضد قوة 14 أذار، فما أن خرج الوضع السياسي من تحت السيطرة في لبنان و بعد أن راينا مكاسب عسكرية لحزب الله في الجنوب اللبناني إلتهبت المنطقة بكاملها بصورة لا يمكن وصفها إلا بالثورات المدبرة و دخلت المنطقة في فوضى سياسية نتج عنها فراغات قوة كبيرة جدا لا يُحْمَدْ عقباها، فأظن أن كمية الفوضى و فراغات القوة بالعديد من البلدان العربية التي حاولت قوة إقليمية كبرى في المنطقة قولبتها ليصل الى السلطة فيها حلفاء لهم لم تنجح تمام النجاح، و كان للفصائل المتشددة و المسلحة النصيب الابرز بعد عدم قدرة أحزاب الإخوان المحافظة على منزلتها السياسية التي وصلت اليها اثناء الربيع العربي،

مما لا شك به أن الفكر الطائيفي الذي يعبر عن ميول منطقتنا العربية الثقافي و السياسي أمر لا تستطيع ادارات القوة الإقليمية الكبرى التي تتدخل بمجريات المنطقة فهمه، فإنطلاقا من تجربتها الديمقراطية الناجحة تنظر هذه القوة الى منطقة الشرق الأوسط بأنها مجموعة من البلاد البدائية التي لا تستطيع حكم ذاتها إطلاقا و التي تعيش في فكر ديني عتيق جدا يرتكز على نظام اجتماعي عشائري و مِنْ ايام سايكس بيكو الذي شَكًلَ الحدود الجغرافية للوطن العربي، فعدم مقدرة المجتمعات العربية عموما فرض هيبتها على هذه الدول عن طريق توفير المناخ الديمقراطي السليم في بلادها جعل دول إقلمية تحاول تسيس اللعب السياسي بصورة متكررة في منطقة الشرق الأوسط لأجل المحافظة هلى الدولة الإسرائيلية و لكي لا يعتلي سدة الحكم من لا يهوى الكيان الإسرائيلي في المنطقة...فنحن مازلنا في بداية تشكيل أنظمة ديمقراطية لم تبلغ النضوج السياسي بعد الذي وصلت اليه دول العالم الأول ، فأشعر أن هذه الحقائق هي اسباب اندلاع ثورات الربيع العربي...

مما لا شك به أن مع كل أسف فشل الأمم المتحدة بإدارت شؤن الملف اللبناني و من ثم السوري كشف عن عدم إندماج كُلِيْ سياسي بين روسيا و امريكا و بين مصالح هذه الدولتين مع بعض في منطقة الشرق الأوسط حيث مازال يديران اهتمامهم بالمنطقة العربية بأسلوب امبريالي لتخضع لهيمنتهم بصورة مطلقة...و لكن يجب أن ننتبه للمارد الروسي و للمارد الأمريكي...بالماضي أسفرت المواجهات عن اندلاع حرب باردة امتازت بترسانة أسلحة نووية مدمرة...فعن ماذا سَيُسْفِرْ الصراع على كعكة منطقة الشرق الاوسط هذه المرة بين هاؤلاء الدول الكبيرة؟ تذكرني الأجواء الحالية في منطقة الشرق الأوسط بالأجواء التي سادت أوروبا قبل الحرب العالمية الأول و التي امتازت بالتوترات الشديدة و بالتحالفات في الشؤون السياسية و الحذر الشديد و باسلوب الـclosed diplomacy (الدبلوماسية السرية)...فهل هذه ظاهرة صحية بوجود الامم المتحدة كمنظم للحوار السياسي بين الدول؟ المشكلة ليست بكابوس حلمته في ليلة من الليالي...المشكلة بالكابوس الذي يسيطر على منطقة الشرق الاوسط منذ خمسة اعوام فما هو حله يا ترى قبل إندلاع الكارثة الكبرى؟ كنت اتمنى أن يكون حله بسيط عن طريق هذا الفنانوس السحري؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات