"سمفونية سوريا" بين طبول الحرب ودفتي الكلام


جراسا -

صابرين فرعون - عندما تقرأ للبروفسور كمال أبو ديب ، كأنك تدخل حكايا التاريخ العريق من أوسع أبوابه ، فهو يجول بك الحضارات العربية بمعالمها الأثرية ، لترى الوقت محطة تنقل ، كلما توقفت آلة الزمن تقف لتتأمل اللوحات التاريخية التي تحولت من تجريدية لتشكيلية تزدهر بعبق الحضارة والإنسان منذ بداية المدنية "النقش والرسم" حتى الحرب الأخيرة على مهد الحضارة ومولدها في الشرق..


يقول د. ملاك نصر في كتابه "الجمال في زمن القبح" : "و زمننا – كزمن للتغيير نحو الأفضل – يسعى إلى جمال الناس و المجتمع و السياسة و الأخلاق ، بعد كل القبح الذي أصاب مساحات كثيرة من حياتنا و ربما نفوسنا ."


استنباط الجمال والحياة داخل كل الدمار والخراب وضجيج الموت يعتمد مقارنة الفعل الواقعي بالمتخيل ومقارنة الاستبداد والقهر بالسلم المُشتهى ، ها هو د. أبو ديب يحاور الإنسان فينا ، بموضوعية العقل ، فيقول :


لقد نبت من بذورك غزاةٌ أشد فتكاً .. وأنضى سموماً
ويكمل في تعداد مثالب "ذوي القربى" - دالة رمزية – ليؤكد أن تعددية الأقنعة للوجه الواحد هي نزع للعلة والتعليل والمعتل وتسويق للقبح البشري ، وهي نفسها ما يؤخرنا عن إدارة عجلة الحضارة وتسريع الالتفاف حول قراءتها بصيغة الماضي ومنعها من هدم جدر العبودية والذاتية ، فالدين لله ولنا أن نراه بعين المحب لنستدرك التوهان الذي نخوضه في جل الحروب على الحياة :


مُقمّطين بغمغمات آلهة ترشح من ذقونهم الكثة .. وجلابيبهم المُقصَّبة بالقيصوم .. متذابحين حول لون بشرة الملائكة .. وإحفاء اللحى .. وعصمة الأئمة .. وضرب الخمار على الجيوب .. وفضّ البكارة في ليلة الحيض .. ويأكلون لحم أخيهم ميتاً .. ولحم أختهم حيّة .. يتناكحون جهاداً ويجاهدون نكاحاً ..



البعد التحليلي لقضايا الشعوب ينز عن كل حرف في المجموعة ويوضح تأثر سوريّة بكل ما يلف المنطقة العربية من مخاطر ، فخصوصية القصيدة عند البروفسور أبوديب تكمن في تداخل المعنوي والمادي ومجاورتهما بما يحويانه من رمزية بالفضاء الزمني والمكاني ..


إن التركيب البنائي مبني في هذه الحالة على التجاور المكاني للمفردات وإيجاد التقاطع المشترك مع العلاقات الزمنية لحصول عملية التكافؤ في السياق الخطابي من خلال المشهدية التي تحفز خيال القارئ على التصور ورؤية الجزء البصري الذي يحتويه كجزء محرك ومؤثر في العملية التواصلية والمحاورة وتوظيف الحقل المعجمي للحواس ..


الوصف المكاني يطغى على سردية الشعر ، فنرى سوريّة بكل معالمها نقطة التقاء خيوط التأمل والاسترجاع الفني وحتى وصف الشخوص على اختلاف الجندر والعمر "أطفال ونساء وثوار" ، فيخرج النص الوصفي عن وظيفته الجمالية للجانب العقلي من خلال الوعي والإلمام بالفكر التنويري والسياسي للمعضلة الأخيرة ..


تسع سمفونيات لها حركة موسيقية تتراوح ما بين الفخر والاعتزاز بالتاريخ والحزن على ما آل إليه الوضع والأمل بتناسل الفرح من الأدب والتاريخ العربي ..


تقف ، أيها القارئ، عند الحركة الأخيرة "العاشرة" لتتأمل دورة الحياة في حوارية الجد والصغيرة تلين "ماذا بعد؟! هل سترى الصغيرة سوريّة التي حكى عنها الجد ، كما رأتها بعينيّ الجد؟


الحركة الأخيرة ، تستوقفك لتعيد تركيب الحوارية ، وترتبها بدورك لتبحث بنفسك عن نهاية الطريق .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات