عرفات ومرسي والتاريخ من جديد


إن ما حصل للزعيم الراحل ياسر عرفات قبل سنوات، تلك القصة المؤلمة، التي أثارت شجون وأحزان الجميع في ذلك الوقت، عندما دس السم في طعامه ،وقتها كان محاصرا من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، فلم تستطع قتله في ذلك الوقت مباشرة، ليس خوفا من ردود فعل العرب والمسلمين في ذلك الوقت ، انما خشيت اسرائيل ان يكتب عنها التاريخ ولو بشيء من المعاتبة ونجحت اسرائيل في قتله بصورة بطيئة ،ولم تكتشف تلك الخطيئة الدنيئة الا لاحقا، وربما ستبقى في الطي والكتمان حتى تعود الامة العربية والاسلامية الى رشدها من جديد!!!!!! .

وها هو المشهد المؤلم ربما يتكرر بصورة واضحة ومكشوفة للجميع مع زعيم عربي اسلامي، كما هي القصة الأولى في قتل الرئيس عرفات، لكن الفرق بينهما أن ذلك الرجل الفلسطيني المناضل قتل من خصومه وعدوه اسرائيل، بينما الزعيم الاسلامي مرسي ينتظر موته وقتله من ابناء جلدته وهذا هو العجب العجاب !!!!.

فالزعيم الاسلامي المعتدل المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين الذي أنتخب قبل سنوات بطريقة ديمقراطية قل نظيرها في العالم العربي صرح السبت، امام المحكمة بصورة مفاجئة ،وكشف مالم يكن بالحسبان، وقال بصريح العبارة: انه امتنع عن الطعام خلال الفترة السابقة لشعوره أن ما يقدم له مسموما، ناهيك عن تعرضه لانخفاض السكر بصورة كبيرة ؛ مما يعرض حياته للخطر، (بمعنى ادق) اذا نجح الرجل أن يكشف سموم وحقد جلاديه فأنه للأسف ربما يقضى عليه ،بسبب المرض وبعدها يخرج الاعلام ،ويقول: بأنه مات طبيعيا في السجن وهذا هو الشيء الغريب حقا !!!.

كما أن الرجل الذي صدح من مسجنه ذهب في حديثه أمام المحكمة ووسائل الأعلام المتابعة لسير واجراءات المحاكمة الى ابعد من ذلك ،عندما طلب من القاضي السماح له بالالتقاء بهيئة الدفاع؛ لاطلاعهم على حقائق ترتقي الى جرائم كبرى حسب قوله حدثت معه في السجن وهذا هو الشيء الثاني الغريب حقاً ..!!!

كما الرجل الذي انتخب قبل سنوات رئيسا لجمهورية مصر نجده اليوم يتعرض لمؤامرات خطيرة ليس فقط ما تعرض له خلال رئاسته والانقلاب عليه في ذلك الوقت من اقرب رجالات الجيش المصري، الذي اختارهم ورأى فيهم عنوانا كبيرا يحمل في طياته الرقي والازدهار لمصر، لكن الحقيقية المرة هي عكس ماتمناه ذلك الرجل، الذي يقبع الان في السجن، وينتظر حكم الاعدام ،او بالاحرى الموت مسموما كما أدعى امام المحكمة التي ننتظر منها ا العدالة وكل العدل والانصاف، وعدم التمييز في المحاكمة ،كما حصل للرئيس للمخلوع حسني مبارك ،فشتنان ما بين الثرى والثريا .
وإذا عادت بنا الذاكرة للوراء بداية انتخاب الرئيس مرسي رئيسا لمصر قبل سنوات ، نجد العجب العجاب ،ففي بداية الأمر أبدى المصريون ارتياحا لإنتخابه ،باعتباره يمثل أنموذجاً فريداً عند المصريين خاصة الإسلاميين، منهم الذين رأوا في مرسي بارقة أمل لهم في مسعاهم في تشكيل أول دولة إسلامية بعد كفاح مرير استمر لعقود .

فالرجل الذي أنتخب بطريقة ديمقراطية وحضارية قلما شاهدناها في مصر عبر سنوات وعقود تصرف في بداية حكمه بحنكة وعقلانية قل نظيرها في العالم العربي على أساس أن الرجل تدعمه حركة إسلامية، وكانت في السابق مضطهدة من قبل الأنظمة التي حكمت مصر ،وحتى الغرب الذين رأوا فيها خطراً على مستعمراتهم وحليفتهم اسرائيل؛ فالحركة للأسف الشديد أظهرت للمصريين وللعالم أنها متعطشة لبناء إمارة اسلامية حتى وإن كان ذلك على حساب الشعب المصري.
لكن للآسف سرعان ما تبدد هذا الشعور الرائع، وهذا الحلم مع تصريحات وإعلانات الحركة في السيطرة على الحكم دفعة واحدة غير مدركين لأخطاء الرئيس السابق مبارك ،التي أجهضت الثورة الأولى طموحاته ،وطموحات أبنائه ،وحتى حلفائه من الغرب ،الذين رأوا فيه خير حليف لمستعمراتهم في الشرق ،لاسيما اسرائيل التي اعتبرته صديقاً وفيا لها ولمشروعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
ولعل ما قام به الرئيس مرسي من الإعتراف بالمواثيق وإحترام المعاهدات الدولية وخاصة معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية تركت انطباعاً لدى الغرب والامريكان بأن هذا الرجل الذي يتسيد قمة الهرم في مصر ،والذي أتى من جذور إسلامية قد جاء بما يسمى باﻻسلام المعتدل ؛لما أظهره هذا الرجل في بداية حكمه من الإنفتاح على الإعلام والغرب والزيارات واللقاءات المتكررة مع المسؤولين الغرب ،التي جعلت منه شخصية ،لا نقول مرغوبة لدى الغرب ،إنما محايدة وزاد هذا الإنطباع عندما إلتقى الرئيس مرسي برئيسة وزراء استراليا في ذلك الوقت، التي كانت ثاني اختبار له بعد خطابه الشهير ،الذي أكد فيه للغرب احترامه للمعاهدات والمواثيق الدولية، التي أبرمت مع أسلافه السابقين .

كما أن الرجل على كل مبادرة وأفكار تطرح له هنا وهناك ،تاركاً انطباع مرغوب ،وإن كانت حركته التي ساندته في الوصول لسده الحكم قد تحفظت على كثير مما قاله وما فعله في بداية حكمه ،وان كانت هذه التحفظات ليست بالعقبة الخطيرة إلا أنه بالفعل نجح بالرغم من هذه الضغوط في قيادة سفينته السياسية عبر الأمواج العاتية والمتلاطمة إلى بر الآمان ،إلى أن جاء قرار الإنقلاب بعزله ،وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بإدارة شؤون البلاد مؤقتاً، بالإضافة إلى تعطيل العمل بالدستور، وإجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة وصل على إثرها السيسي للحكم وسط جدل كبير في نزاهته ،محدثاً دوامة من العنف السياسي تزداد حدته كل يوم، تاركا المشهد المصري مفتوحاً على كافة الخيارات .

لذلك أرى من وجهة نظري الخاصة
أن جماعة الأخوان المسلمين في مصر التي يقبع معظم قادتها في السجون ينتظرون حكم الإعدام نجحت بصورة كبيرة في تسيد المشهد السياسي ،وإحداث نوعا من التعاطف بين جميع الأطياف بما فيهم المصريون والعرب وحتى الغرب، أو إن جاز التعبير، شرخ كبير بين الحاضر والماضي .
فالمشهد السائد حالياً عزز من قوة وتأييد الحركة شعبياً وأن كان هذا المشهد لايظهر علنا للمتابع للمشهد السياسي المصري؛ فالأخوان وإن خسروا الحكم في مصر سريعاً، إلا أنهم ربما يعاودون الكرة مرة أخرى بثورة شعبية قد تمكنهم من الوصول للحكم ثانية، لكن ليس كما كان في المرة الأولى دون تضحيات بل ربما سيصلون على أكتاف من هم الآن وينتظرون حكم الأعدام !!! .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات