الزميل سمير ابو هلالة في ذمة الله


جراسا -

انتقل الى رحمة الله تعالى صباح الاحد في مركز الحسين للسرطان الزميل سمير ابو هلالة بعد رحلة صراع مع المرض الخبيث عن عمر يناهز 46 عاما وسيشيع جثمانه بعد صلاة العصر من مسجد معان الكبير الى مثواه الاخير في مقبرة معان .

والزميل سمير ابوهلالة عمل طويلا في صحيفة العرب اليوم وصحيفة الرأي وكتب ل "عمون" مجموعة كبيرة من المقالات الهامة .

رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته واحر العزاء وصادق المواساة لاهله وذويه وعموم ال ابو هلالة في معان وعمان ..

وانا لله وانا اليه راجعون...

ولمن لا يعرف الفقيد الذي ظل متمّسكا برباطة جأشه حتى اخر لحظة واصر على التأكيد على معاني الرجولة وهو يعرف ان هزيمة المرض اللعين تحتاج الى اكثر من ذلك .. نعيد نشر مقالة كتبها لصحيفة الغد الزميل سميح المعايطة حول المرحوم بتاريخ 6/11/2009 :

سمير ابو هلالة

لا أدري ان كان سمير سيقرأ هذه الكلمات لكنني أكتبها وفاء لاخ وصديق اقتحم المرض عليه عناده وشغبه، وجعله مضطرا للدخول الى غرف مركز الحسين للسرطان يبحث عن علاج لمرض كان يصر في اخر اتصال هاتفي معه (قبل ايام بعدما كانت النصيحة ان لا ادخل عليه) انه مرض يحتاج الى ارادة ورجولة في مواجهته.

الارادة في مواجهة المرض لا تعني عدم استسلام لارادة الله تعالى الذي يبتلي عباده بالمرض ليذكرهم ان الدنيا مهما كانت فإنها في لحظات تتحول الى ذكريات يتمنى صاحبها ان يستبدل كل متاعها بلحظات عافية.

سمير مثل معظم الأردنيين مواطن من فئة ابناء المزارعين والموظفين والعسكر، كان يحاول ان يبحث له عن مكان لكن وفق ما يعتقد. وقبل عام تقريبا حقق طموحا متأخرا عندما اكمل دراسته الجامعية بتفوق لانه لم يحقق هذا قبل ذلك. وكان يتحدث عن دراسات عليا، وكان مثلنا يبحث عن مصدر رزق مستقر فكانت الرأي آخر محطاته يكتب فيه قبل ان يتوقف منذ فترة وجيزة من مرضه. تحدث كثيرا عن البيئة وكان مزعجا لنفسه في اهتمامه بالزراعة.

نكتب عن الأحياء وهم يصارعون مرضا وأمراضا لاننا نكتب عن انفسنا فنحن قد نكون ضحايا لهذا المرض اللعين. وأذكر قبل اسبوعين تقريبا عندما اتصل يخبرني انه مريض في المستشفى التخصصي، تعاملت مع الامر على انه حالة مرضية عادية. وعندما زرته بعد يوم شعرت ببعض الخوف من عيون وأصوات بعض أهله الذين حوله.

في اليوم التالي، وكان يوم جمعة، ذهبت اليه قبل صلاة الجمعة لكنني وجدت غرفته فارغة لانه انتقل الى مركز الحسين فتبعته، لانني كنت أريد ان أتاكد أنني مع زميل وأخ وكادح، وكان في غرفته معلنا انه اصبح من ضحايا المرض اللعين. تحدثنا وكان حريصا على ان يعلن تحديه للمرض ورضاه بالقدر، لكن اسم هذا المستشفى وشراسة المرض تجعلنا نشعر بالخوف حتى لو كان المريض على وشك الشفاء، فكيف وهو في بداية الحرب.

اشهد انه تعامل بصبر مع البلاء، ولا نجد امام عجزنا الا الدعاء الى الله تعالى بالشفاء والأجر ومزيد من الصبر. واقول له "إننا لا نختار مصائبنا، لكننا نختار ان نصبر او نجزع"، والله يحاسبنا على ما نملك وجعل صبرنا مفتاحا لأجر كبير، فقال "وبشر الصابرين".

قد تكون هذه الكلمات بعض الوفاء لزميل وأخ كريم في مرضه الصعب، لكنها ايضا مواساة لنا جميعاً تذكرنا بأنّ الحياة هي ممر ولحظات، وان الانتقال منها قد لايحتاج الى اكثر من مرض يتسلل الينا او حادث سير مفاجئ، او ربما لحظات تغير القابنا الى اللقب الموحد الذي نمنحه لكل من غادرونا، ومع إيماننا بقضاء الله وقدر فإنّ دعاءنا أن يكون قدر سمير الحياة والصحة والانتصار في هذه المعركة الصعبة.

كما كتب الزميل ياسر ابو هلاله مقالا عن الفقيد وهو من اقرب الناس اليه يقول في الغد:

سمير أبوهلالة والعشيرة المسيسة


يتحسن سمير أبوهلالة ببطء قالت الطبيبة المشرفة عليه في مركز الحسين للسرطان، وفي إجابتها عن أسئلتي كانت تقول إنه "عنيد". وتلك خصلة لم تفارقه حتى في مواجهة أخطر الأمراض. في آخر اتصال معه كان منطلقا كعادته وعلى قوله" تفاقيد الله رحمة".

ليست مناسبة للتضامن الإنساني فحسب مع سمير، بل هي فرصة للدخول في نقاش جدي حول تسييس العشيرة، فسمير ابن عمومة ووالدي ووالده أولاد خالات، لكننا كنا نختلف سياسيا، وكنت أستغرب في صباي كيف يكون في العائلة "بعثي" وهي التي ظل يغلب عليها الطابع الإسلامي.

في معان الثمانينيات كان في العشيرة من يساند الخميني في الحرب العراقية الإيرانية، وثمة من يساند صدام، وفي الستينيات وقف الوالد في الانتخابات ضد مرشح من العشيرة داعما يوسف العظم الذي قدم والده من الشام ولا عشيرة له في معان. لم تكن العشيرة وحدة سياسية، ظلت وحدة اجتماعية إنسانية.

سمير، الذي كنت اختلفت معه سياسيا، لم نتنكر للمودة في القربي، واقتربنا سياسيا على قضايا كما ابتعدنا. اقتربنا كثيرا في أحداث معان 2002 عندما تجاورنا في الزنازين، لم أعرف أنه اعتقل معي بعد مشاركته في نشرة أخبار الجزيرة إلا في الفحص الطبي قبل دخول الزنزانة.

كنت مغطى العينين ولم يكن مسموحا تبادل الحديث، يومها اكتشفت أنه يشكو من جملة أمراض ويحتاج أدوية.

لم نكن نرى العالم من ثقب معان، كان وما يزال أفقنا إنسانيا. غير أننا في انحدار السياسة في الأردن اكتشفنا أننا معانيون!

اجتمعنا أول مرة في بيتي مع جمع من شبيبة معان في أحداث 1998، " يا وحدنا" لم تكن استباحة المدينة، التي انتفضت تضامنا مع العراق شأنا يخص أحدا غير أبنائها (وليث شبيلات!) وتكرر ذلك في الأحداث اللاحقة.

بقايا صور تذكرني بسمير قبل الصحافة، في راس النقب حيث أقام بعض العائلة كان عرس شقيقه وفيه أطلقت الرصاصات الأولى من مسدس "سبشل"، علمني العم أبو ماجد الذي أمضى عقودا في لواء الحسين بن علي كيف أمسك السلاح، وفي العرس تتعلم كيف "تنقط" وتشارك اجتماعيا، وتكافأ بكيس "الفروق".

وفي الصور صورة والده الكادح المثقف في الشركة الوطنية، وصورة عمه الشيخ يونس الذي صدرت إرادة ملكية بتعيينه قاضيا عشائريا عام 1935، في ديوانه كانت ولائم الأفراح والأتراح. لم يكن الشيخ الحقيقي لا أشباه الشيوخ المنتشرين بكثرة هذه الأيام ينازع السياسيين، في الديوان كنت تسمع مداعبات سليمان عرار وأراءه السياسية، وكان طبيعيا أن يختلف سمير مع سليمان رئيس مجلس النواب.

تظل العشيرة لبنة أولوية في حياة البشرة، وحدة اجتماعية يتآلف فيها الناس، لكنها ليست إطارا سياسيا، فلا أحد يختار عشيرته، لكن يختار خطه السياسي والفكري. وهي ليست بديلا عن الدولة ولا عن أشكال التجمع الحديثة. والنبي الذي بعث رحمة للعالمين سأل عشيرته "المودة في القربي" فليس من رابطة أقوى من رابطة العائلة، لكن ليس بالضرورة أن يتفق الأب مع أولاده سياسيا.

تحولت العشيرة في معان إلى وحدة سياسية وتحولت المدينة نفسها إلى هوية سياسية بسبب فشل الدولة، وتدمير الحياة السياسية. عادت الناس إلى اللبنات الأولى؛ عندما يتعرض واحد من أبناء العشيرة للظلم ولا تنصفه الدولة ولا تتضامن معه القوى الحديثة تتحرك العشيرة فالمدينة تضامنا معه.

سيقوم سمير من المرض، بلطف الله، أكثر عافية وتحديا، وسنظل نختلف ونتفق نقترب ونبتعد .. سياسيا وفكريا، أما عشائريا فنحن لا نملك إلا أن نظل عيال عم.


** وكتب أيضا الزميل عبد الهادي راجي المجالي في الصحيفة الرأي مقالا عن الفقيد سمير ابو هلالة جاء فيه :
عـن سمـير ومعـان


سأكتب عن (سمير ابو هلالة) الراقد على سرير الشفاء في مركز الحسين للسرطان، للعلم سمير صحفي متمرس ومحترف... وكان في اواخر التسعينيات يغيب عن العمل فترات طويلة بعبارة اخرى كان يختفي دون ان ندري اين ذهب هذا الرجل... واكتشفنا ان بغداد كانت وجهة سمير.. لقد امضى العمر بين هوى بغداد وطريق معان.

في العام 2003 وانا اذكر الحادثة تماما واذكر سمير حين بدأ يبكي كطفل فجع باليتم في اللحظة التي سارت فيها الدبابة الاميركية على جسر الجمهورية وقصفت وزارة الاعلام ولا ادري هل بكى على المشهد ام ان درب بغداد وهواها لم يعد ممكنا.. منذ ذلك التاريخ ونحن نزور سمير في المستشفى انا وسميح المعايطة، لقد بدأت اوجاع الرجل تزيد، وبدت الحياة في وجهه اقرب الى اللون الرمادي.. علما بانه ابدع في الصحافة حين اسس ما يسمى الاعلام البيئي وادخل اتحاد المزارعين على الخارطة الاعلامية.. وكان مشروعه الاخير مجلة بيئية متخصصة.

معان تقسو علينا ونحبها، ورجالها احيانا يقاتلون في الحياة بقسوة ويتخندقون خلف مبادئهم ومعتقداتهم ونحبهم.. واتذكر ان الاعتقال طالني قبل (11) عاما حين كتبت عن معان.. وليس هناك اعذب من ان يكون كحل الكلام والعيون معانيا.

اعرف يا سمير ان الوجع الذي يأتيك في ليل عمان البارد مؤلم.. ولكنك مطوق في معان وبغداد.. صدقني ان (الاعظمية) التي احببتها خلف الباب وها هي تعزف لك اللحن ""المحمداوي"" وربما تهمس في اذنك قائلة ان درب العراق ما زال يشتاق خطاك الرصينة، ومعان هي الاخرى فوق سريرك وتقرأ على مسمعك ""والضحى والليل اذا سجى""، وانا مثل سميح المعايطة قلق عليك واتحدث مع الطبيب عبر الهاتف واكذب عليه اقول اني (ابن عمك) الذي يسكن كندا واريد ان اطمئن عليك.

بيني وبينك (15) عاما أمضيناها معا في الصحافة تزاملنا واختلفنا.. واخذتني لمطاعم تقدم وجبات غريبة، واقنعتني بانواع سجائر غريبة.. وذهبنا لاماكن قلت لي ان اسعار ربطات العنق فيها زهيدة.. لكننا لم نختلف يوما على ان معان كحل الكاتب اذا استوى حبره على اهداب الوطن.. وان درب بغداد شوق واغان وترانيم غرام.

انهض من كبوتك فصديقك (سميح المعايطة) الاكثر حبا وقربا لك يجادل الحرس على باب مركز الحسين للسرطان، يريد زيارتك ويمنعونه .. ولكني اسمعه حين يعتري الغضب والشوق قلبه يتلو على باب غرفتك.. ""والضحى والليل اذا سجى"".

عاشت معان، وسمير ابنها سيبقى حرا على خط الحياة.. انا واثق.



تعليقات القراء

الحاقد
الله يرحمك ويجعل مثواك الجنه
15-11-2009 12:39 PM
ام راكان
الله يرحمه ويجعل مرضه في النيا اخر عذابه ويسكنه فسيح جنانه انا لله وانا اليه راجعون
15-11-2009 04:37 PM
ام راكان
الله يرحمه ويجعل مرضه في الدنيا اخر عذابه ويسكنه فسيح جنانه انا لله وانا اليه راجعون
15-11-2009 05:21 PM
منصور ابو هلاله
كل الشكر الى كل الاخوة الكرام الذين قامو بالترحم على المرحوم خالي سمير واني اسال الله ان يمن على الجميع برحمته ومغفرته وان يتم عليهم نعمه وكل الشكر للجميع دون ان نستثني منهم احد من اخواننا
وان لله وان له راجعون
15-11-2009 10:44 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات