اوكرانيا .. بلاد ولكن ليست دولة


لا تزال اوكرانيا تحتل اليوم مركز الصدارة في السياسات الدولية وتتصدر ازمتها المصنوعة اميركيا ابرز العناوين في وسائل الاعلام العالمية خاصة بعد الحادي عشر من ايار الجاري ، فعلى الرغم من الحملة العسكرية الواسعة التي تشنها الطغمة الفاشية الحاكمة في العاصمة كييف وباشراف مباشر من الدمية المنصبة كرئيس للعصابة الفاشية الكسندر تورتشينوف ضد سكان مناطق جنوب وشرق اوكرانيا ، ورغم عمليات القتل والتهديد التي تمارسها عصابات النازية الجديدة من اعضاء تنظيم " القطاع الايمن " المدعوم من سلطات كييف الا ان السكان في هذه المناطق خرجوا يوم الاحد الماضي الحادي عشر من ايار للتصويت في استفتاء شعبي ليقولوا كلمتهم في حقهم في تقرير مصيرهم ، فأظهرت النتائج في مناطق دانيتسك ولوغانسك ان الاغلبية الساحقة صوتت لصالح تقرير المصير ذاتيا بمعزل عن السلطات الفاشية الجديدة في كييف وبينت النتائج ان من قال " نعم " نسبة تزيد عن 96بالمائة في لوغانسك و89بالمائة في دانيتسك .

كما اكدت الرسائل الاعلامية المتلفزة من تلك المناطق ، حيث تواجد اكثر من 600 صحفي ومراسل اجنبي لتغطية الاستفتاء وتقديم الصورة الحية عن ارادة الشعب الاوكراني في هذه الاقاليم انه وبالرغم من العمليات العسكرية من قبل العصابات المسلحة وقوات الجيش الخاضعة لها لعرقلة الاستفتاء ، الا ان الاقبال فاق كل التوقعات وكان رائعا وكبيرا ، حيث اندفعت جموع المقترعين بالالاف واصطفوا في صفوف وصل بعضها الى الكيلومتر للادلاء باصواتهم وتقرير مصيرهم في التخلص من التمييز العنصري الذي عاشه هذا الشعب على مدى ثلاثة وعشرين عاما من الحكم الاوكراني العنصري ، نعم انه نظام عنصري وانطلق من تجربتي الشخصية اثناء عملي الدبلوماسي في كييف حتى العام 2000 حيث كنا نلمس الكراهية والحقد على السكان الروس في اوكرانيا وامتناع الاوكران القوميين ذوي النزعة الفاشية في الغرب الاوكراني من التحدث الينا باللغة الروسية . لذا رأينا هذا الاقبال المعبر الذي مثل ثلاثة ارباع السكان الذين ادلوا باصواتهم تعبيرا عن اختيارهم وهو ما فاق الاقبال والحضور في الانتخابات الرئاسية.

الاستفتاء والنتائج التي اظهرها الاستفتاء وعلى الرغم من اسراع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي للاعلان عن عدم اعترافهم بنتائجه ووصفه " بالمهزلة " الا انه جاء تأكيدا وتعبيرا حقيقيا صادقا عن ارادة الشعب في هذه الاقاليم ورغبتهم في الانفصال وعدم الرضوخ للطغمة الفاشية التي وصلت الى الحكم في اعقاب انقلاب غير دستوري في شباط الماضي بدعم ومساندة اميركية وغربية ، فالخطوة الاميركية وشقيقتها الاوروبية لا يمكن القول عنها الا انها محاولة يائسة لحرمان سكان جنوب شرق اوكرانيا من حق منصوص عليه في ميثاق الامم المتحدة حول حق الشعوب في تقرير مصيرها ، كما انها تفضح نفسها لتؤكد ازدواجية المعايير في التعامل وهذه قضية معروفة لنا نحن العرب في السياسة الاميركية ، اذ سارعت الولايات المتحدة الاميركية وخلفها الدول الاوروبية للاعتراف باعلان الجماعات الالبانية في كوسوفو للاستقلال عن صربيا بالرغم من ان الانفصال كان من طرف واحد وبلا استفتاء شعبي ولكن الحدث حينها كان يصب في مصلحة الغرب وهوما مكن كوسوفو من الحصول على الدعم المطلوب ، اما في الحالة الاوكرانية ولان المصلحة تتعارض مع السياسة الاميركية جاء الرد الغربي رافضا لرغبة وحق الاوكرانيين في تقرير مصيرهم؟؟؟؟؟؟.

وامام هذا الواقع الجديد فأن الازمة الاوكرانية تدخل نفقا جديدا وتنحى منحى مختلفا عن السابق وذلك بعد ان اعرب سكان جنوب شرق اوكرانيا الابتعاد عن كييف واعلانهم جمهورية دانيتسك الشعبية لتضم مناطق واسعة تسمى الدنباس تمتد الى خاركوف ولوغانسك وماريوبل وربما تلحق بها اوديسا وخيرسون وباقي الشرق بعد محاولات عدة للتفاوض مع السلطات الجديدة حول الحكم الذاتي او الفيدرالية التي ردت عليها كيف بالرفض القاطع وبالمدافع والدبابات والطائرات وفرق الموت ، وما سبق ذلك من عودة شبه جزيرة القرم الى الاحضان الروسية فأن المشهد اليوم يشير الى انه لم تعد هناك على الخارطة السياسية ووفقا للقوانين الدولية دولة اسمها اوكرانيا لتتحول الى مجرد بلاد وارض ولكن ليست دولة ، نعم ان الظروف الموضوعية في اوكرانيا تنزع عنها صفة الدولة والسيادة بعد ان فقدت سلطتها على الملايين من السكان والعديد من المناطق وظهور جمهورية جديدة على هذه الارض وتناثرت اوكرانيا بين استقطابات اوروبية في الغرب الاوكراني واستقلال اقاليم ومناطق في الجنوب والشرق الاوكراني ، ففي الغرب من اوكرانيا هناك جيوش وفرق وعصابات ارهابية فاشية مدعومة اميركيا واوروبيا وترعاها سلطات كييف من الطغمة الحاكمة التي تديرها وكالة المخابرات الاميركية التي تدفع حتى بالمرشحين الى الرئاسة بدءا بيوليا السجينة ومرورا بالملياردير بوروشينكو وانتهاء بزعيم العصابة الهتلرية النازية يارش لتشكيل جيوشهم الخاصة وعصاباتم الفاشية في دنيبروبتروفسك ولفوف وكييف للزج بهم في قتل الابرياء من سكان الجنوب والشرق الاوكراني . وفي ظل هذه الظروف وامام هذا المشهد فأي دولة هذه التي تدعي عاصمة لها كييف ؟ واي حكومة تدعي لنفسها الشرعية وهي فاقدة لسيادتها على نصف الارض الاوكرانية؟ كيف لنا الاعتراف بدولة واعتبارها دولة تلك التي لا تستطيع اجهزتها تطبيق القرارات الصادرة في جنيف في السابع عشر من نيسان باخلاء ميدان صغير وسط العاصمة وتسليم جميع الاسلحة ؟؟؟ هل تستحق مثل هذه السلطات اسم دولة في العرف القانوني الدولي؟؟ طبعا لا والف لا وهو ما يعطيني الحق باعتبار هذه البلاد مناطق سائبة عائمة ولكن ليست دولة تستحق المعاملة بالمثل الا من رحم ربي من دول الاتحاد الاوروبي واميركا الداعمة للارهاب ورعاية النازية التي تحاول اقتطاع اجزاء من هذه البلاد للمتاجرة بها في اسواق المزاد العلني السياسية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات