السلوكيات والتشريع لمصلحة الذات بين نواب وأعيان
منذ الثورة الفرنسية الثانية عام 1848، اجتاحت دول أوروبا موجة من الحراكات الشعبية والسياسية، انتهت الى التعميد النهائي لمبدأ الشعب مصدر السلطة في تلك الدول. وبالطبع، فإن إعمال المبدأ، يعني بالضرورة أن يختار الشعب نواباً لتجسيد إرادته في ممارسة السلطة، سواء بإفراز حكومات حزبية بموجب ما لها من أغلبية نيابية، أو بإعطاء الثقة للحكومة انطلاقاً من خطتها التي تتقدم بها في بيانها الوزاري. وخلال متابعاتي لمجالس نيابية منتخبة في خمسين دولة ديمقراطية، كنت أرصد فيها التطور الدستوري والتشريعي، لم أجد دولة واحدة يُشرع نوابها قانوناً يكسبهم حقوقاً مالية ووظيفية كما شرع نوابنا.
وكنت أتمنى لو أخذ السادة النواب باقتراح النائب الأستاذ عبد الكريم الدغمي ومن أيّده من زملائه، وأعطوا لأنفسهم فرصة للتفكير بهكذا تشريع، وما ينطوي عليه من إساءة لفكرة الخدمة العامة التي تشكل غاية المجلس المنتخب، عندما يصبح التشريع خدمة للذات واكتساب المنافع، رغم ما أثير في السابق حول هذا الموضوع من استنكار لدى الرأي العام. وعلى سبيل المثال، فإن حل مجلس النواب، هو استحقاق دستوري، عندما يصدر قرار الحل مستكملاً عناصره الشكلية والموضوعية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال، غلّ يد السلطة التي تملك قرار الحل، باستحقاقات تخشى من توابعها المالية، الناتجة عن تشريع يُعطي للنائب الذي حُلّ مجلسه بعد أيام من تشكيله، حقاً مكتسباً بأربع سنوات خدمة فعلية لغايات تقاعده؟ ليس هناك من دولة ديمقراطية ينطوي تشريعها على إعطاء النائب في موضوع مكافآته مفهوم الموظف؟ إن النائب الذي يصل موقعه في المجلس، لا يمتنع عليه ممارسة الأعمال التي كان يقوم بها قبل عضوية المجلس، فالطبيب والمهندس والمحامي، لا يغلق عيادته أو مكتبه عندما يصبح نائباً، والأصل في عمله هو الدورة العادية لستة أشهر، يحضر خلالها جلستين أو ثلاث في الأسبوع، وباقي الوقت يمكن له أن يستثمره في عمله الخاص، ويحصل على دخل منه فوق مكافآته، فهل التطلع لمساواته بالوزير المتفرغ لعمله، أصبح من مستلزمات النيابة، على نحو يشكل شذوذاً في أي مجلس تشريعي تقبل به أية دولة تسعى لبلوغ الديمقراطية بشفافية ونزاهة يتطلع إليها شعبها.
إن الأصل في السلطة، أنها أمانة بين يدي من توكل إليه، ويتوجب عليه أن يمارس تلك السلطة لمصلحة عامة، ويمتنع عليه قانونياً وشرعياً وأخلاقياً، أن يصدر تشريعاً أو قراراً لمصلحته الخاصة. فإن اقتضت المصلحة العامة هكذا تشريع أو قرار، فإنه ينبغي أن يسري على القادمين لموقع القرار، وليس الجالسين في الموقع، وبهذا نتلافى تضارب المصالح، وندرأ الحدود بالشبهات. فهل يعقتد السادة النواب أن سلطانهم مطلق، ومحصنين لا تطالهم مسؤولية من رأي عام يراقب، وشعب يُخضعهم للحساب، ويستنهض غيرهم من أصحاب القرار لكبح جماحهم. وهل يعلمون ما هو حال نظرائهم في الديمقراطيات التي نسعى للسير على طريقها، هل يعلم السادة النواب، أن غالبية قوانين الديمقراطيات المعاصرة تنص على أن أعضاء السلطة التشريعية يحصلون على مكافآت (Allowances) وليس رواتب (Salaries)، وأن المكافآت تعطى عن حضور الجلسات، وأن مكافأة حضور جلسة المجلس لها مبلغ معين، ومكافأة حضور اجتماع اللجنة مبلغها أقل وأن من لا يحضر لا يصرف له أي شيء، وأن عضو المجلس يحصل على بطاقة لاستخدام المواصلات العامة للحضور الى مجلسه، ومن يستخدم سيارته لعدم وجود مواصلات عامة قريبة يدفع له عن عدد الكيلومترات التي قطعها وفقاً لتسعيرة محددة، وأن هناك حد أقصى لتكاليف الليلة في الفندق عند الاضطرار الى المبيت خارج المنزل ... الخ وأن على عضو المجلس أن يكشف عن ما حصل عليه لناخبيه عند طلبهم، فهل يعلم السادة الأفاضل أن الفكر الدستوري والقانوني والقيم المجتمعية تأبى على صاحب الصلاحية أن يحابي نفسه بقرار يصدره.
فقد حدث في أمريكا أنه خلال الفترة الثانية لولاية بوش الإبن، كان لا بد من رفع رواتب الوزراء، تبعاً لارتفاع تكاليف المعيشة. وتم احتساب ارتفاع التكاليف بشكل دقيق، وقرر الكونغرس زيادة الرواتب بذات النسبة. وكان من بين من وقعوا على القرار، السيدة هيلاري كلينتون عضو الكونغرس. وعندما جاءت إدارة أوباما وأصبحت هيلاري وزيرة للخارجية، كانت تتقاضى ذات مبلغ الراتب الذي سبق أن تمت زيادته، شأنها في ذلك شأن باقي زملائها الوزراء. ولكن بعد شهرين، ثار الفكر السياسي والدستوري الأمريكي، ومعه المفاهيم القيمية المجتمعية الأمريكية، إذ كيف تحصل الوزيرة على زيادة في الراتب هي التي وقعت عليها. وكانت نتيجة تلك الثورة، أن أصبحت هيلاري تقبض راتباً مخصوماً منه الزيادة التي سبق أن وقعت عليها، وأعادت الزيادة التي دخلت في راتبها خلال الشهرين السابقين.
أعلم أن تقاليد الكونغرس الأمريكي، ومفاهيم الشفافية والنزاهة والحيادية في البيئة السياسية والدستورية والمجتمعية في أمريكا، تراكمت على مدى (225) سنة، وأصبح لها مفاعيلها، ومن غير الممكن أن يتوافر لدينا ذلك التراكم الموجود في أمريكا، لكن التطرف الذي بلغته بعض النصوص التشريعية عندنا يشكل انحرافاً تشريعياً واضحاً، وغير مقبول بأي معيار من المعايير.
وأهيب بمجلس الأعيان أن يرد ما شرّعه النواب الى الحدود المستساغة عقلاً و منطقاً، وأناشد دولة الرئيس والوزراء أن يعملوا جاهدين لدى مجلس الأعيان من أجل ذلك. صحيح أنني طالبت بشكل متواصل أن يصبح مجلس الأعيان بكامل أعضائه منتخباً و لا زلت أطالب بذلك، لكنه في ظل ظروف جاء فيها الانتخاب بأغلبية حابت نفسها في مجلسين نيابيين منتخبين على التعاقب، وبروز ظاهرة استخدام المدفع الرشاش والضرب بالأحذية، والمصارعة، ليحل ذلك مكان استخدام الكلمة والحجة، فإنه يكون علينا التدرج، بحكم الضرورة الواقعية، و الاقتداء بالمبدأ الوارد في المادة (74) من الدستور المصري لعام 1923، بحيث يكون التعيين لبعض أعضاء مجلس الأعيان، وأن يكون البعض الآخر منتخباً وفقاً لذات شروط العضوية المنصوص عليها في دستورنا، وبعد ذلك ننظر في انتخاب هذا البعض الآخر، حين نبلغ مرحلة نتأكد فيها أن من ننتخبهم يستطيعون تجنب التضارب بين المصالح، سواء بقصد أو بغير قصد، وإدراك أهمية استخدام اللغة ومقارعة الحجة بالحجة، بديلاً عن استخدام تلك الأدوات والوسائل، التي لا تليق بشعب ينشد الإصلاح والتطور، واللحاق بمن سبقونا الى النهج القويم.
منذ الثورة الفرنسية الثانية عام 1848، اجتاحت دول أوروبا موجة من الحراكات الشعبية والسياسية، انتهت الى التعميد النهائي لمبدأ الشعب مصدر السلطة في تلك الدول. وبالطبع، فإن إعمال المبدأ، يعني بالضرورة أن يختار الشعب نواباً لتجسيد إرادته في ممارسة السلطة، سواء بإفراز حكومات حزبية بموجب ما لها من أغلبية نيابية، أو بإعطاء الثقة للحكومة انطلاقاً من خطتها التي تتقدم بها في بيانها الوزاري. وخلال متابعاتي لمجالس نيابية منتخبة في خمسين دولة ديمقراطية، كنت أرصد فيها التطور الدستوري والتشريعي، لم أجد دولة واحدة يُشرع نوابها قانوناً يكسبهم حقوقاً مالية ووظيفية كما شرع نوابنا.
وكنت أتمنى لو أخذ السادة النواب باقتراح النائب الأستاذ عبد الكريم الدغمي ومن أيّده من زملائه، وأعطوا لأنفسهم فرصة للتفكير بهكذا تشريع، وما ينطوي عليه من إساءة لفكرة الخدمة العامة التي تشكل غاية المجلس المنتخب، عندما يصبح التشريع خدمة للذات واكتساب المنافع، رغم ما أثير في السابق حول هذا الموضوع من استنكار لدى الرأي العام. وعلى سبيل المثال، فإن حل مجلس النواب، هو استحقاق دستوري، عندما يصدر قرار الحل مستكملاً عناصره الشكلية والموضوعية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال، غلّ يد السلطة التي تملك قرار الحل، باستحقاقات تخشى من توابعها المالية، الناتجة عن تشريع يُعطي للنائب الذي حُلّ مجلسه بعد أيام من تشكيله، حقاً مكتسباً بأربع سنوات خدمة فعلية لغايات تقاعده؟ ليس هناك من دولة ديمقراطية ينطوي تشريعها على إعطاء النائب في موضوع مكافآته مفهوم الموظف؟ إن النائب الذي يصل موقعه في المجلس، لا يمتنع عليه ممارسة الأعمال التي كان يقوم بها قبل عضوية المجلس، فالطبيب والمهندس والمحامي، لا يغلق عيادته أو مكتبه عندما يصبح نائباً، والأصل في عمله هو الدورة العادية لستة أشهر، يحضر خلالها جلستين أو ثلاث في الأسبوع، وباقي الوقت يمكن له أن يستثمره في عمله الخاص، ويحصل على دخل منه فوق مكافآته، فهل التطلع لمساواته بالوزير المتفرغ لعمله، أصبح من مستلزمات النيابة، على نحو يشكل شذوذاً في أي مجلس تشريعي تقبل به أية دولة تسعى لبلوغ الديمقراطية بشفافية ونزاهة يتطلع إليها شعبها.
إن الأصل في السلطة، أنها أمانة بين يدي من توكل إليه، ويتوجب عليه أن يمارس تلك السلطة لمصلحة عامة، ويمتنع عليه قانونياً وشرعياً وأخلاقياً، أن يصدر تشريعاً أو قراراً لمصلحته الخاصة. فإن اقتضت المصلحة العامة هكذا تشريع أو قرار، فإنه ينبغي أن يسري على القادمين لموقع القرار، وليس الجالسين في الموقع، وبهذا نتلافى تضارب المصالح، وندرأ الحدود بالشبهات. فهل يعقتد السادة النواب أن سلطانهم مطلق، ومحصنين لا تطالهم مسؤولية من رأي عام يراقب، وشعب يُخضعهم للحساب، ويستنهض غيرهم من أصحاب القرار لكبح جماحهم. وهل يعلمون ما هو حال نظرائهم في الديمقراطيات التي نسعى للسير على طريقها، هل يعلم السادة النواب، أن غالبية قوانين الديمقراطيات المعاصرة تنص على أن أعضاء السلطة التشريعية يحصلون على مكافآت (Allowances) وليس رواتب (Salaries)، وأن المكافآت تعطى عن حضور الجلسات، وأن مكافأة حضور جلسة المجلس لها مبلغ معين، ومكافأة حضور اجتماع اللجنة مبلغها أقل وأن من لا يحضر لا يصرف له أي شيء، وأن عضو المجلس يحصل على بطاقة لاستخدام المواصلات العامة للحضور الى مجلسه، ومن يستخدم سيارته لعدم وجود مواصلات عامة قريبة يدفع له عن عدد الكيلومترات التي قطعها وفقاً لتسعيرة محددة، وأن هناك حد أقصى لتكاليف الليلة في الفندق عند الاضطرار الى المبيت خارج المنزل ... الخ وأن على عضو المجلس أن يكشف عن ما حصل عليه لناخبيه عند طلبهم، فهل يعلم السادة الأفاضل أن الفكر الدستوري والقانوني والقيم المجتمعية تأبى على صاحب الصلاحية أن يحابي نفسه بقرار يصدره.
فقد حدث في أمريكا أنه خلال الفترة الثانية لولاية بوش الإبن، كان لا بد من رفع رواتب الوزراء، تبعاً لارتفاع تكاليف المعيشة. وتم احتساب ارتفاع التكاليف بشكل دقيق، وقرر الكونغرس زيادة الرواتب بذات النسبة. وكان من بين من وقعوا على القرار، السيدة هيلاري كلينتون عضو الكونغرس. وعندما جاءت إدارة أوباما وأصبحت هيلاري وزيرة للخارجية، كانت تتقاضى ذات مبلغ الراتب الذي سبق أن تمت زيادته، شأنها في ذلك شأن باقي زملائها الوزراء. ولكن بعد شهرين، ثار الفكر السياسي والدستوري الأمريكي، ومعه المفاهيم القيمية المجتمعية الأمريكية، إذ كيف تحصل الوزيرة على زيادة في الراتب هي التي وقعت عليها. وكانت نتيجة تلك الثورة، أن أصبحت هيلاري تقبض راتباً مخصوماً منه الزيادة التي سبق أن وقعت عليها، وأعادت الزيادة التي دخلت في راتبها خلال الشهرين السابقين.
أعلم أن تقاليد الكونغرس الأمريكي، ومفاهيم الشفافية والنزاهة والحيادية في البيئة السياسية والدستورية والمجتمعية في أمريكا، تراكمت على مدى (225) سنة، وأصبح لها مفاعيلها، ومن غير الممكن أن يتوافر لدينا ذلك التراكم الموجود في أمريكا، لكن التطرف الذي بلغته بعض النصوص التشريعية عندنا يشكل انحرافاً تشريعياً واضحاً، وغير مقبول بأي معيار من المعايير.
وأهيب بمجلس الأعيان أن يرد ما شرّعه النواب الى الحدود المستساغة عقلاً و منطقاً، وأناشد دولة الرئيس والوزراء أن يعملوا جاهدين لدى مجلس الأعيان من أجل ذلك. صحيح أنني طالبت بشكل متواصل أن يصبح مجلس الأعيان بكامل أعضائه منتخباً و لا زلت أطالب بذلك، لكنه في ظل ظروف جاء فيها الانتخاب بأغلبية حابت نفسها في مجلسين نيابيين منتخبين على التعاقب، وبروز ظاهرة استخدام المدفع الرشاش والضرب بالأحذية، والمصارعة، ليحل ذلك مكان استخدام الكلمة والحجة، فإنه يكون علينا التدرج، بحكم الضرورة الواقعية، و الاقتداء بالمبدأ الوارد في المادة (74) من الدستور المصري لعام 1923، بحيث يكون التعيين لبعض أعضاء مجلس الأعيان، وأن يكون البعض الآخر منتخباً وفقاً لذات شروط العضوية المنصوص عليها في دستورنا، وبعد ذلك ننظر في انتخاب هذا البعض الآخر، حين نبلغ مرحلة نتأكد فيها أن من ننتخبهم يستطيعون تجنب التضارب بين المصالح، سواء بقصد أو بغير قصد، وإدراك أهمية استخدام اللغة ومقارعة الحجة بالحجة، بديلاً عن استخدام تلك الأدوات والوسائل، التي لا تليق بشعب ينشد الإصلاح والتطور، واللحاق بمن سبقونا الى النهج القويم.
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |
ذنبهم لأنهم شرفاء وحرمانهم من التقاعد سيفقدهم كرامتهم وذنبهم أنهم استدانوا ووصلو النيابة وظلو شرفاء .. ارحمو عزيز قوم ذل ...
حسبي الله ونعم الوكيل فيكم
والبيوت لم تصلها مياه والشبكات معطلة وسرقات الخط الناقل وتغول موظفين من السلطة على نهب مقدرات الوطن
1- ان تكون غنيا
2- ان تكون ذا جاه ووجاه
3- ان تعرف شغل الجاهات والعشائر
4- ان تعرف كيف بنشرب فنجان القهوه
5- ان تملك سياره فارهه
6- ان يكون عندك رشاش وعلى الاقل مسدس