تداعيات الأستخبار الأمريكي "الأسود " !


أوباما غورباتشوف أمريكا !!


* ... لمّا كانت المخابرات هي أحد وأهم فنون آفاق الحكم - أي حكم - القائمة على معرفة الصديق والعدو , ولما لهذا الفن من أصول وأسس ومعايير ثابتة وظروف متعلقة بالزمان والمكان ... ولمّا كان وما زال ( الأستخبار ) أداة تجمع عدّة متناقضات , ففيه الألفاظ والأرقام والصور , والتقديرات والمؤشرات والأيماءات والتحريض , وفيه الحقائق التي قد تهدي وقد تضل , كما فيه أيضاً الآكاذيب الصريحة , فهو أداة غير مادية لا تجرح , ولكنه يتسبب في اهلاك الملايين - كما صار مع العراق , بعد فبركة تقارير بأنّ العراق يملك أسلحة دمار شامل , فتم شيطنة نظامه الراحل ,  وأنّه على ارتباط مع تنظيم القاعدة  - أو انقاذ حياتهم !.

* انّ الأستخبار فن مارسه الأخيار والأشرار , والطغاة والديمقراطيون , والرجعيون والتقدميون ,  والبدائيون والمتقدمون , ولكنه في جميع الأحوال فن واحد وهو عالم آخر .

وسنحاول في هذه العجالة أن نسقط ما ذكر آنفاً على العمليات السرية لأجهزة المخابرات الأمريكية وسلوك عناصرها من الموارد الأستخبارية البشرية  .
* لقد بدأت تتضح وبشكل متسارع , العمليات الخفية التي ظلّت تقوم بها أجهزة المخابرات الأمريكية ( وكالة الأمن القومي , وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA  , مكتب العمليات الخاصة بالبنتاغون أو مايعرف باسم DIA  والجهاز الخاص بوزارة الخارجية الأمريكية لجمع المعلومات وتحليلها INR    ... وغيرها ) في العديد من أنحاء العالم .

* ففيما مضى من سنوات تم الكشف عن بعض العمليات السرية التي نفذتها أجهزة الحكومة الأمريكية - وعرضتها قناة الجزيرة الفضائية عبر أفلام تقاربية لشرح الفكرة -  في الحرب المفتوحة ضد الأرهاب , وكان أبرزها :

- استخدام العديد من مطارات العالم في نقل المعتقلين والعتاد العسكري فائق الخطورة دون اذن الحكومات الأخرى .

- التحايل على اتفاقيات القواعد العسكرية التقليدية , والقيام من وراء ظهر الحكومات الأخرى , بتخزين أسلحة الدمار الشامل في هذه القواعد , على النحو الذي يجعل منها قواعد عسكرية لشن الحروب غير التقليدية .

- استخدام القواعد العسكرية الأمريكية كسجون يتم فيها اعتقال وتعذيب الأسرى والمعتقلين , الذي تقوم القوات الأمريكية وأجهزة مخابراتها باعتقالهم من مناطق العالم الأخرى وترحيلهم سراً الى هذه القواعد دون اذن مسبق من الحكومات الأخرى , حيث يتم التحقيق معهم .

- استخدام القواعد العسكرية الأمريكية لمراكز ومحطات متقدمة للتجسس وتجميع المعلومات الأستخبارية , لا عن دول الجوار الأقليمي وحسب , بل وعن الدول المضيفة نفسها .

- وبعد انكشاف فضيحة استخدام الحكومة الأمريكية للسجون السرية في شرق أوروبا واستخدام شركات الطيران التجارية الخاصة في عمليات نقل أسرى الحرب الأفغان غير المشروعة , ظهرت المزيد من المعلومات حول تورط الأجهزة الأمريكية في العديد من الأنشطة غير المشروعة في بعض الدول العربية ... الى فضيحة مدير مكتب الأستخبارات المركزية الأمريكية بالجزائر , السابق ( أندرو وارين )  المتهم باغتصاب سيدتين جزائرتين بعد تخديرهما , حيث أعلنت السلطات الأمريكية بنفسها عنها وذلك عبر متحدث باسم CIA   ليتدفق الى الميديا العالمية سيل من المعلومات بشأن واقعة الأغتصاب , وعلى خلفية هذه الفضيحة , تم الأعتراف بشكل رسمي بوجود مكتب او ممثل للأستخبارات الأمريكية في الجزائر , حيث المعروف والمتداول أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI  هو الذي يمتلك فرعاً في الجزائر , وذلك في اطار مكافحة ما يسمّى بالأرهاب الأممي  .

* وقد استغلت و وظفت واشنطن هذا الفن ( الأستخبار ) في اشعال الأزمات والصراعات في المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان غرباً حتّى موريتانيا والسنغال على ضفاف المحيط الأطلسي , ولم تستثني مؤامرات أمريكا أحداً , بل استهدفت أخلص حلفائها في المنطقة , فتركيا مثلاً تواجه مشكلة الحركات الأنفصالية الكردية التي سلّحتها واشنطن , علماً بأنّ الحركات الأنفصالية الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية , وجدت نفسها في مواجهة تركيا المدعومة أمريكياً من الجهة الأخرى .

* لقد أدّت الحرب ضد الأرهاب التي خطّطت لها جماعة المحافظين الجدد , ونفذتها ادارة بوش السابقة بفترتيها , الى توريط واشنطن في شتى أنواع الصراعات والمواجهات العسكرية والدبلوماسية والأمنية والأستخبارية , وقد ترتب على ذلك مواجهة الأمن القومي الأمريكي للمزيد من الضغوط والأزمات ذات التأثير المدمر على القوام الأستراتيجي الجيوسياسي للدولة الأمريكية .

* فعلى المستوى الأمريكي الداخلي , تآكل مفردات الخطاب السياسي الجمهوري على النحو الذي أفقد السياسات التدخلية القوية التي يعتمد عليها الجمهوريين في التسويق السياسي بريقها وأثرها ومفاعيلها , بشكل أدى الى تراجع الكثير من غلاة الجمهوريين عن أطروحاتهم وبالتالي خسارتهم الأنتخابات الرئاسية الأخيرة .

* أمّا على المستوى الأمريكي الخارجي ( فحدّث ولا حرج ) لقد اهتزت صورة أمريكا في العالم , كما واجهت الأنظمة الحليفة لواشنطن , وعلى وجه الخصوص في الشرق الأوسط الكثير من حالات السخط وضغوط المعارضة الشعبية , وكان من نتائج ذلك صعود حزب العدالة والتنمية المعارض في تركيا , وسقوط وانهيار نظام الجنرال برويز مشرف , وترنّح وضعف حركة فتح الفلسطينية بزعامة محمود عباس , وصعود حماس وازدياد قوتها , واهتزاز الثقة الشعبية في حكومة السنيورة- بصورتها السابقة قبل اتفاق الدوحة -  وقوى 14 آذار, والى عدم قدرة المتعاملين  العراقيين في بغداد , والمتعاملين الأفغان في كابول , على فرض السيطرة والأستقرار في العراق وأفغانستان على الترتيب ... وأمّا في دول أوروبا , فقد صارت الأنظمة الموالية لواشنطن , في مواجهة ضغوط المعارضة الشعبية , فسقط طوني بلير , وأزنار الأسباني , وبيرلسكوني الأيطالي - العائد حديثاً للحكم بصفقة داخلية ديمقراطية - ... وأخيراً القادم حديثاً الى قصر الأيليزية / ساركوزي / حيث شعبيته تتناقص لدى الشارع الفرنسي .

* فتدخل السياسة الخارجية الأمريكية في الشؤون السيادية للدول وعبر الأستخبار الأمريكي الأسود , وعلى وجه الخصوص دول منطقة الشرق الأوسط , وتدخل اسرائيل والأيباك في السياسة الخارجية الأمريكية نحو دول العالم الأخرى , وخاصةً دول منطقة الشرق الأوسط , صارت أزمة الولايات المتحدة الأمريكية تتضمن أزمة داخل أزمة , ولم تعد واشنطن قادرة على الأمساك بزمام المبادرة والسيطرة في الصراعات التي أشعلتها في العراق وأفغانستان , وبقية بؤر التوتر , وذلك لأنّ هذه الصراعات هي بالأساس امتداد لصراع قديم ممتد ومستمر أشعلته الدولة العبرية ( اسرائيل ) فأصبحت الأزمة أسلوب ادارة تمارسه واشنطن في ادارة الأزمات التي تشعلها في العالم بسبب غلاة المتطرفين في الدولة الأمريكية وسياساتهم الخرقاء , حيث ستبقى ادارة أوباما الديمقراطية أسيرة لأجندة جمهورية لأربع سنوات قادمة , بالرغم من أنني أرى أنّ أوباما هو غورباتشوف الولايات المتحدة الأمريكية وما لهذا الوصف من تداعيات على الجغرافيا والديمغرافيا وبنية الدولة الأمريكية الحالية .

* ويذهب المحلل الأمريكي أندرو مارشال الى القول جهاراً نهاراً : انّ ما حدث في العراق من تدمير وتفعيل لفرق الموت - في حينه -  هو بالأساس فعل تعود " جرثومته " للمخابرات البريطانية وبالمشاركة مع المخابرات الأمريكية , حيث تقوم الشراكة بين الطرفين على أساس اعتبارات الجمع بين الخبرة والأمكانيات , طالما أنّ المخابرات البريطانية تملك الخبرة الواسعة والمخابرات الأمريكية تملك الأمكانيات الواسعة .

* كما استطاعت CIA  توظيف مزايا الأنفتاح الأقتصادي وحرية الحركة والعمل التي يتسم بها النظام الرأسمالي , من أجل التغلغل في معظم بلدان العالم , عن طريق استخدام الشركات الأمريكية والغربية , كغطاء وواجهة لأنشطتها الأستخبارية , كما قامت CIA بشراء الكثير من الأسهم في شركات المساهمة العالمية والدولية المتعدّدة الجنسيات , كذراع اقتصادي – مالي  - حقيقته أمني - استخباري .


* عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية *

mohd_ahamd2003@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات