"هآرتس": "الإسرائيليون" غير راغبين في معرفة ما جرى في 1948


جراسا -

قبل أيام كشف في إسرائيل عن رعايتها لمشروع لحجب وثائق أرشيفية تاريخية تؤكد جرائمها في النكبة، من باب «خوف الغزاة من الذكريات» وتحاشي حالة حرج وإرباك، لكن ذلك تم لأن الإسرائيليين غير معنيين بقراءة هذه النصوص.

هذا ما أكدته صحيفة «هآرتس» بعدما نشرت قبل أسبوع تحقيقا واسعا عن قيام إسرائيل بجمع وثائق أرشيفية لها صلة بالنكبة وحجبها عن الجمهور بإيداعها في صناديق حديدية مغلقة سوية مع وثائق مفاعلها النووي في ديمونا السري. وأشارت الى أن إخفاء وثائق النكبة التاريخية عمل استفزازي، لكن الأخطر هي الحقيقة أن الإسرائيليين غير راغبين أبدا بمعرفة ماذا حصل في 1948. وتابعت « لو كان الإسرائيليون غير مستعدين لإخفاء هذه الوثائق لما أقدمت المؤسسة الحاكمة على فعل ذلك».

وخلافا لبقية وسائل الإعلام التي تجاهلت محاولات إسرائيل حجب الحقيقة أو دعمتها فإن « هآرتس « أكدت أيضا أنه ككل مشروع قومي فإن المشروع الصهيوني يشمل مركبا عضويا لمحو وطمس ونفي الحقائق. لكنها وفي محاولة ربما لتخفيف وطأة حجب حقيقة النكبة تزعم أنه لا يمكن عدا ذلك من منطلق أن كل «نضال قومي « حتى لو كان عادلا سيترك خلفه ذيولا من الأفعال التي كان من المفضل لو أنها ما حدثت. وتابعت « نشطت الحركة الصهيونية على أساس دافع أخلاقي ولذلك كانت ملزمة بمحو آثام وصمت طهارتها. هذه الفصول المعتمة التي انتهكت براءتها وتستخدم برهانا على الزعم بأنها « ليست مقدسة « كما حلموا بها وبأن الدولة « غير محقة « كما أراد بناتها». كما قالت الصحيفة الإسرائيلية إن الهوية الجماعية للإسرائيليين تبلورت حول قصص بطولة وكل ما شذ عنها تم طمسه أو محوه. وأضافت « هآرتس « أنه لهذا السبب لم يبق للمستوى السياسي خيار إلا إخفاء هذه الندوب البشعة». وترى أن عمليات محو تاريخية هي ثمرة تعاون سري بين جهتين : الحكومة المعنية بالمحو وكذلك الجمهور غير المعني بالمعرفة. لا يمكن شيء آخر. وتابعت « في مجتمع ديمقراطي تلزم عملية المحو التنسيق بين كل مركبات المجتمع ولا يستطيع أي حكم محو أمور في الوعي إلا الأمور التي يكون المجتمع نفسه غير معني بمعرفتها. وكلما كانت الأمور أشد خطورة فإن الرغبة بالمحو تكون أكثر قوة وعنادا. وتشدد على أن تأثير المؤسسة الأمنية لن يكون ممكنا لولا أن موقفها توافق مع مفاهيم سائدة بين الإسرائيليين. وترى « هآرتس « أنه كلما اشمئز المجتمع من « قصص مركبة « تثير الشكوك حول مدى صدقيته وعدالته وعندما يكون من شأن الحقيقة أن تصيب بالشلل، فإن الجمهور يفضل ألا يعرف».

وتؤكد « هآرتس « أنه منذ تأسيس إسرائيل تم تقاسم أدوار واضح بين الشعب والقيادة : هؤلاء لا يرغبون بالكشف، وهؤلاء لا يريدون أن يعرفوا، والباحث يغئال عيلام يصفه بـ « تقاسم وظائف فاسد «. وتوضح أن هناك قادة يلفون قضايا محرجة بغيوم من الصمت، والجمهور يحول دون سريان معلومات من شأنها أن تلزمه بموقف أخلاقي. وتكشف الصحيفة أن «هناك جهازا قويا جدا يعمل في إسرائيل من أجل التهيئة الاجتماعية لدى الشباب خاصة في جيل المدرسة الثانوية والخدمة العسكرية كي يقوموا بخدمة الدولة تدون تحفظ أو تردد، وهي من جهتها تدأب على رعاية منهجية للحفاظ على هذا النظام القائم، ولذا فإن هندسة الجندي المثالي توجب تجاهل وطمس فضائح مخجلة».

في المقابل تؤكد « هآرتس « أنه حتى لو كان تجاهلا لمدة محدودة لقضايا « غير مريحة « فلا يمكن محوها أبدا، وأن مسعى الطمس والمحو هو عملية عبثية فلا شيء يتبخرّ إلا بتغيير المكان، فالذاكرة تنتظر فرصة جديدة لتنفجر». وتشير إلى أن أغلبية الإسرائيليين قبلوا بالرواية الوطنية دون أي تحفظ تقريبا أو خوف من وجود أمر ما ناقص. وأضافت « هناك حالات الجمهور لا يريد أن يعرف ما تم إخفاؤه، حتى عندما تنشق الأرض وتتكون حفرة كبيرة من تحته. منذ ظهور فرويد نحن نعرف أن كل جهد لمحو فصول غير مريحة هو العبث ولا شيء يتبخر إنما ينتقل الى مكان آخر، من الوعي إلى اللا وعي، وعاجلا أم آجلا ستطفو الذكريات من جديد».

وتعتبر « هآرتس « أن محاولة مؤسسة طمس فصل تاريخي من الممكن أن تؤثر على التذكر لكنها ليست على الذاكرة، مشددة على أن الذاكرة تقف في حال انتظار فرصة لتتفجر مجددا.

من جهة أخرى نشرت « هآرتس « رسائل لقراء إسرائيليين بهذا المضمار يعكسون ما ورد أعلاه، ومنهم الدكتور مئير مارغليت الذي يتبنى الرواية الصهيونية الرسمية، ويزعم أن وثائق تاريخية إسرائيلية عن « هجرة العرب» من البلاد قد أغفلت سببا آخر لنشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو دعود قادة العرب والفلسطينيين للسكان الى مغادرة البلاد ريثما تنتهي عملية احتلال البلاد مجددا من قبل الجيوش العربية.

وتابع مارغليت في رسالته «كانت حرب الاستقلال أصلا على كل شيء، فلو انتصر العرب لشهد الاستيطان اليهودي في البلاد عملية تدمير ومحو، ومن حظنا أن قادتنا استعدوا بشجاعتهم وحكمتهم جيدا لهذه الحرب والتغلب فيها «. وفي محاولة لتبرير جرائم الصهيونية يدعو مارغليت الى لمقارنة بالقول إنه مقابل مذابح الصهيونية في الصفصاف وزرنوقا وبيت محسير ينبغي الإشارة إلى ما شهدته مستوطنات كفار داروم وبئروت يتسحاق وغوش عتسيون والحي اليهودي في القدس والنبي يعقوب وعطروت وغيرها. وتابع « لذلك اعتقد أنه لا حاجة لطمس والمحو والإخفاء».

ويحاول إسرائيلي آخر هو أفرهام دماري من تل أبيب في رسالته تخفيف حدة جرائم التهجير الصهيونية بالقول إنه منذ 1948 شهدت المنطقة موجات مهاجرين متتالية منها «هجرة 850 ألفا من يهود الدول عربية، والعراقيون في فترة صدام حسين وبعد انهيار حكمه، اللاجئون الهاربون من إيران ومن ليبيا وسورية وكافتهم حازوا على مكانة لاجئء في أماكن استيعابهم الجديدة. ويؤيده عدد كثير من الإسرائيليين في رسائلهم المنشورة في « هآرتس « أمس.

في المقابل يقول أفرهام سمحاه من مدينة نتنياهو في رسالته لـ « هآرتس « إنه يجب الكف عن الخوف من حق العودة. وتساءل ماذا كان سيحدث لو أن المؤرخين تجندوا ضد عمليات محو التاريخ بدلا من التهديد وبدلا من رؤية اللاجئين تهديدا للقاء بهم ؟ وتابع «ربما نكتشف أن عودة اللاجئين لا تعني طرد آخرين اليوم كما حصل في لقاء جمعية «ذاكرات» الإسرائيلية وجمعية « البديل « الفلسطينية، ومعا تمت صياغة وثيقة خاصة حول حلم العودة تقوم على مبدأ عدم تسوية إثم بإنتاج إثم آخر، وأن عودة اللاجئين لا تعني اقتلاع السكان اليهود. وتابع « نعم، الاعتراف بحق العودة يعني التنازل عن « الدولة اليهودية «، وهذه لن تكون دولة فلسطينية بل تكون يهودية- عربية وبالأساس ديمقراطية تحترم حقوق المجتمعات المختلفة فيها كما تنبأ كثر من قادة الصهيونية قبل 1948. مثل هذه المسيرة تنطوي على تنازل اليهود عن حقوق زائدة، ولكنها تنطوي أيضا على تحرر من المخاوف التي تلاحقهم وتلقي بظلالها على حياتهم». (القدس العربي)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات