إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحْمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ..
يقول الله – تعالى – : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، أي : حسبك وحسب من اتبعك ، قال الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره المسمى ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) :
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ ” أي : كافيك” وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، وهذا وعد من الله ، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية ، والنصرة على الأعداء . فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والإتباع ، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.. ” انتهى كلامه .
وإذا كان الله معك وكافيك ؛ فلا حيلة مع من يعاديك ، ولا يضرك من يجافيك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في ( منهاج السنة ) : ” وإذا كان بعض المؤمنين به [بالنبي صلى الله عليه وسلم ] المتبعين له قد حصل له من يعاديه عل ذلك فالله حَسْبُه ، وهو معه وله نصيبٌ من قوله : { إذْ يَقولُ لِصاحبه لا تَحزَن إن الله مَعَنا } “.
والإتباع أو التسليم لازمه العلم ،فلا يصح إلا به ، ولا يستقيم إلا معه ، فإن الإتباع خيرٌ عظيم و ” من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين “ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و فقه الكتاب والسنة مضبوط ٌ بفهم السلف الصالح وعلى رأسهم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم لقوله لنا – إذا رأينا الاختلاف - : ” .. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ “ ، قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - كما في كتابه ( الاعتصام ) : ” لأنهم [ الخلفاء الراشدون ] رضي الله عنهم – فيما سَنّوا – ، إما متبعون لسنة نبيهم – عليه السلام – نفسِها، وإما متبعون لما فهموا من سنته – صلى الله عليه وسلم – في الجملة والتفصيل عل وجه ٍ يخفى على غيرهم مثلُه ، لا زائدة على ذلك “ .
قلت : وهذا حق ؛ فإنهم شهدوا تنزيل القرآن الكريم ، ورأوا من النبي – صلى الله عليه وسلم – ما به فقهوا وفهموا – رضي الله عنهم – ، فاستمسك بهذا فإنه أصل عظيم ٌ، ومنهج ٌ قويم ٌ ، كان الإمام أحمد بن حنبل يقول : ” أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم ” ، ولهذا كان علماء الأثر وأهل الحديث – في كل زمان ومكان – هم أصحاب الحجة الغالبة، والمحبة البالغة والإتباع ، وكتب الله تعالى لهم من التمكين والتثبيت والإبداع ما لم يكن لغيرهم من أصحاب الكلام والفلسفة والابتداع .. ! .
وفي العصر الحديث ؛ جاءت ( الدعوة السلفية الهادية ) لردِّ الأمة إلى هذا المنهج الحق ؛ وقد غابت عنه زمناً طويلاً بسبب دعوات أهل الباطل من الجماعات و الفرق الضّالة ؛ وما انتشرَ بـ ( آثارهم ! ) – في بلاد المسلمين – من البدع والانحرافات والخرافات ؛ في العقائد والمعاملات والعبادات
انتشرت ( السلفيّة ) بين المسلمين ، وكتب الله – جلّ ثناؤه – لها من القبول ما به أثلج صدور أهل الإيمان ، وهيّج ( ثغور ! ) أهل الطغيان ؛ من العلمانيين و ( أفراخِهم ! ) ،وكذا ( المخالفين ) لأهل السنة ممن ( تغافل ) عن شرِّ العلمانيين و وقع في ( فِخاخِهم .. ) !
فكان ماذا ؟
أدرك ( العلمانيون العصريون ) أن المواجهة المباشرة مع علماء ( السلفيّة ) لن يجديهم نفعاّ في الحدِّ من انتشارها ؛ فاتّبعوا أسلوباً خفيّاً خادعاً ؛ يقول – عنه – الدكتور عمر المديفر في ( طرح الطرح العلماني ) : ” أهل هذا الأسلوب غاية في الحذر والمكر، فهم يدّعون الإسلام ، ويتباكون على حال المسلمين حتى يلتبس أمرهم على طالب الحق ؛ فلا يستطيع تمييزهم .. ولكنهم يُعرفون بصدورهم عن آراء الشواذ فيما يتعلق بالشريعة ، وعدم رجوعهم إلى الحق ولو أقيمت عليهم الحجة .. ” انتهى كلامه
ووسائلهم – في ذلك – كثيرة ؛ أتطرّقُ إلى اثنتين – منها – خبيثتين :
الأولى : ( توجيه ! ) البحوث والدّراسات نحو إحياء ( المذاهب الفكريّة والحركيّة ! ) التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي : وهم في ذلك يستثيرون عواطف المسلمين بالخلوص من ( أبحاثهم في التراث الإسلامي ! ) إلى أنّ هنالك فرقاً ، ومذاهبَ فكريّة قد تعرضت للظلم ، والاضطهاد من الحكام و ( الطائفة ) صاحبة ( الفكر ! ) السائد والمسيطر في كلّ زمان أو مكان .. !
ولعل من أكبر هذه الاتجاهات و ( المذاهب ) التي حاولوا إبرازها هو : مذهب الشيعة الروافض ؛ وذلك من خلال إظهاره بمظهر فقهي لا يختلف عن المذاهب المشتهرة عند أهل السنة ! ، وأيضاً : ( تمجيد ! ) إسهامات علمائهم – على مرِّ العصور – في إثراء ( المكتبة الإسلاميّة ! ) بالكتب العلميّة ! ، وأمّا فيما يتعلق بقضيّة ( بغض الصحابة – رضوان الله عليهم – وسبّهم ) ؛ فتارةً ( يغضون الطرف ! ) عنها في ( سبيل ! ) عدم تفرقة المسلمين ! ، وتارة أخرى يجعلونها من ( المسائل الخلافيّة ! ) لنفس ( السبيل ! ) ..
لم يكتفوا بهذا ؛ بل قاموا بترسيخ ( القناعة ) في أنفس الناس حول ( المخاطر ! ) المترتبة على محاولة ( بعض ) – ويقصدون إحدى – الطوائف الإسلاميّة للاستئثار بالدين ، ونبذ ( الآخرين ) ؛ ثمّ ( تصوير ! ) هذا على أنّه نوعٌ من أنواع ( الإرهاب الفكري ! ) .. وقد عرفتَ – سابقاً – أنّ ( الطريق إلى الله – تعالى – واحدٌ .. ) .
الوسيلة الثانية ( من وسائلهم الثانية عن الحق ) : “ الدعوة إلي الاجتهاد والتجديد : ويريدون بذلك الوصول بالاجتهاد – كما يزعمون – إلي الاجتهاد في ثوابت الدين المجمع عليها، ومجاوزة الأحكام الشرعية والفقهية التي قررها العلماء والفقهاء على مدى أربعة عشر قرناً ، والرجوع إلي القرآن والسنة بشكل مجرّد ، ورفض أي وصاية عليهم – كما يزعمون – ، وعدم اعترافهم بكثير من شروط الاجتهاد التي وضعها السلف الصالح – رضوان الله عليهم – ” [ أساليب الطرح العلماني للأخ محمد عبد المجيد المصري ]
وهذه الدعوة الخطيرة إنما هي لأجل التخلّص من قيْد ( فهم السلف الصالح ) في إتباع الكتاب والسّنة ؛ وهو القيد الذي يشكّل – اليوم – ركناً قويماً في ( الدعوة السلفيّة ) .
ولتحقيق أهداف ( دعوتهم ! ) الخطيرة تلك ؛ روّجوا بين المسلمين عن ( العلماء السلفيّين ) أوصافاً ظاهرُها الاحتراس ، وباطنُها الانتقاص .. فقالوا : لا يتقبّلون ( الرأي ! ) الآخر .. متزمِّتون ، منطوون على أنفسهم ، لا ( يفقهون ! ) الواقع ، مُتحجِّرون .. رجْعيون .. !
قالوا هذا ؛ { وإنّهم ليقولونَ مُنكَراً من القول وزوراً } ..
ذلك بأنهم كانوا يرمون إلى تنفير الناس – خاصّة الشباب – من دعوة الرجوع إلى السلف الأول في فهم الكتاب والسّنة ، وبعثها – تربيةً - في حياة الأمّة .
موقف الفرق ، والأحزاب السياسيّة ( الإسلاميّة ) ..
رأيتُ – هنا – الحديث عن موقف الأحزاب الإسلاميّة السياسيّة إزاء ( الحركة العلمانيّة ) ، ولعل أبرز تلك الأحزاب – نشاطاً ! – هو ( الإخوان المسلمون ) ؛ وأمّا الفرق الأخرى فلعلي أفردها في مقالات خاصة إن شاء الله تعالى ؛ وهذا خشيةَ الإطالة أكثر .
( الإخوان المسلمون ) حزبٌ غلبت عليهم الصِّبغة السياسيّة البحتة منذ تأسيسه مع بداية العقد الرابع من القرن الماضي ، وقد حاولوا – جاهدين – إظهار أنفسهم كمدافعين عن الإسلام ضد العلمانيّة التي تسعى لفصل الدين عن السياسة ، وأيضاً كعاملين على إقامة ( الحكومة الإسلاميّة ! ) ؛ فكان سعيهم الذي لا ينقطع هو ( التحرّك ) من أجل الوصول إلى السلطة في البلاد التي ( يُسمح ) لهم بحريّة العمل الحزبيّ المنظّم .. !
وهناك من يؤيّد وجهتهم بالنظر إليها بعاطفة ( مُسايرة ! ) ؛لكنّ ( الأمر ) ينظر إليه من زاوية مغايرة ، وعين تحقيق متدبّرة .. :
أولاً : لمّا كانت العلمانيّة – بوجهها العلنيّ – تستهدف الأسرة المسلمة ؛ وتدميرها بإحلال مظاهر الانحلال الأخلاقيّ ، وإفساد أخلاق العباد – كما بيّنا – ؛ كان لزاماً على الدعاة و ( الجماعة الإسلاميّة ) صرفُ ( الجهود ) باتجاه كشف حيل العلمانيين وتدبيرهم ومكرهم للمسلمين ، والتوّجه نحو إصلاح ما أفسدوه في الأمّة – وهو كثيرٌ – ؛ وأنتم تلمسون ما آلت إليه المجتمعات المسلمة – اليوم – لا سيّما على الصعيد الاجتماعي … ؛ والمُصلحون الصالحون ( قليلٌ غُرباء ! ) .
وأمّا هؤلاء ( الحزبيين ) فما برحوا عاكفين على ( السياسة العصريّة ! ) ، ومناكفة الحكامّ والتزاحم على أبواب ( البرلمانات ! ) بكل ما ( ملكوا ) من إمكانات ماديّة ، ومكانة ( شعبيّة ! ) ؛ ومهما كانت ( النتائج ! ) .
يقول العلامة عبد العزيز آل الشيخ: “ من مظاهرهم – بل مما يميزهم عن غيرهم – أنّ الغاية عندهم من الدعوة هو : الوصول إلى الدولة ؛ هذا أمر ظاهر بيّن في منهج ( الإخوان ) بل في دعوتهم ؛ .. أما أن يُنجَّى الناس من عذابِ الله – جل وعلا – وأن تُبعث لهم الرحمة بهدايتهم إلى ما يُنجيهم من عذاب القبر وعذاب النار وما يدخلهم الجنة, فليس في ذلك عندهم كثير أمرٍ ولا كبير شأن , ولا يهتمون بذلك لأن الغاية عندهم هي إقامة الدولة ؛ ولهذا يقولون الكلامُ في الحكّام يَجمعُ الناس، والكلام في أخطاء الناس ومعاصيهم يفرِّق الناس فابذلوا ما به تجتمع عليكم القلوب ! )، وهذا لا شك أنه خطأ تأصيلي ونيّة فاسدة , فإنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – بيّن أنّ مسائل القبر ثلاث , يُسأل العبدُ عن ربّه، وعن دينه، وعن نبيّه – صلى الله عليه وسلم – فمن صحب أولئك زمناً طويلاً وهو لم يَعلم ما يُنجيه إذا اُدخل في القبر فهل نُصح له ؟! وهل حُبَّ له الخير ؟ إنما جُعل أولئك ليستفادَ منهم للغاية !، ولو أحبّوا المسلمين حقَّ المحبّة لبذلوا النصيحة فيما يُنجِّيهم من عذاب الله، علَّموهم التوحيد وهو أولٌ مسئول عنه .. ”
انتهى كلامه
ثانياً : ولمّا كانت العلمانيّة – بوجهها الخفيّ – تدعو إلى ( تمييع ) الدين بإحياء ( المذاهب الفكريّة ! ) ، والطوائف الخارجة عن أهل السّنة والجماعة ؛ كان على دعاة الحقّ بيانُ وصف ( الفرقة الناجية ) ، والذّبُّ عنها على قدر الاستطاعة ؛ بالإنكار على المخالفين وإظهار ( بدعتهم ! ) بالحجة والبرهان ؛ ” وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ، بل ولو لم يكن قد تلقّوا تلك البدعة عن منافق ؛ لكن قالوها ظانّين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ..! ” [ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ] .
فكيف بما هو أعظم ؟ !
لقد وقع ( الإخوان ) في الفخ العلماني ؛ فقامت دعوتهم على ( توحيد الكلمة ! ) ، وجمع الطوائف والفرق الإسلاميّة في سبيل ( تقوية ! ) الصفِّ ولو كان فيه من وقع – ولا زال – في أعراض الصحابة – رضوان الله عليهم – ، ومن يطعن بالقرآن !
قال أحدُ منظريهم في كتابه ( كيف نفهم الإسلام ) : ” وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة و السنة متصلاً بأصول العقيدة ( … ) ليتمزّق الدينُ الواحد مزقتين ، وتتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين كلاهما يتربص بالآخر الدوائر، بل يتربص به ريب المنون ، إنّ ( كلّ! ) امرئ يعين على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } “ وقال : ” إن المدى بين الشيعة والسُّنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة ، والمذهب الفقهي لمالك والشافعي .. ! ” انتهى كلامه .
والأمرُّ : أنّهم يحذرون ( شبابهم ) وغيرهم من علماء الدعوة السلفيّة تارة بدعوى تفريقهم للمسلمين ، وتحريك الخلاف بينهم ، واستعداء النّاس .. ! ، وتارة أخرى الإدّعاء بأنهم لا يهتمون بواقع المسلمين ويتركون السياسة ويهتمون بـ ( القشور ) …!
ولقد رأينا ( فرحهم ) بظهور ( حزب النور السلفي ! ) في مصر ، ودخوله ( عالم السياسة ! ) ؛ وهو ما اعتبروه خروجاً للسلفيين من ( تقوقعهم ! ) على حدِّ تعبير أحد ( علمائهم ) .
وأمّا ( حزب النور ) فنسأل الله لهم الهداية ، والرجوع إلى الحقِّ ؛ فهذا أسلمُ لدينهم وعاقبتهم ؛ وأمّا ( الدّعوة السّلفيّة الهادية ) فلا ينفعها ( تحزُّبُهم ! ) ولا يضرّها – بإذن الله – شيئاً ..
ولعلي أتحدّث عن ( حزب النور السياسي ) الجديد في مناسبة قادمة – إن شاء الله تعالى – ؛ فيعرف ( الإخوان ) حال ( الحزب ! ) ، وحقيقة – حتى – اسمه ( المختار ! ) له بعناية .. !
أسأل الله – تعالى – أن يؤلف قلوبنا على السّنة ، ويهدينا سبُل الإيمان والتقوى ، وان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة ، ويجنبها شرّ المتربّصين بها ، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبّه ويرضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحْمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ..
يقول الله – تعالى – : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، أي : حسبك وحسب من اتبعك ، قال الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره المسمى ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) :
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ ” أي : كافيك” وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، وهذا وعد من الله ، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية ، والنصرة على الأعداء . فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والإتباع ، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.. ” انتهى كلامه .
وإذا كان الله معك وكافيك ؛ فلا حيلة مع من يعاديك ، ولا يضرك من يجافيك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في ( منهاج السنة ) : ” وإذا كان بعض المؤمنين به [بالنبي صلى الله عليه وسلم ] المتبعين له قد حصل له من يعاديه عل ذلك فالله حَسْبُه ، وهو معه وله نصيبٌ من قوله : { إذْ يَقولُ لِصاحبه لا تَحزَن إن الله مَعَنا } “.
والإتباع أو التسليم لازمه العلم ،فلا يصح إلا به ، ولا يستقيم إلا معه ، فإن الإتباع خيرٌ عظيم و ” من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين “ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و فقه الكتاب والسنة مضبوط ٌ بفهم السلف الصالح وعلى رأسهم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم لقوله لنا – إذا رأينا الاختلاف - : ” .. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ “ ، قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - كما في كتابه ( الاعتصام ) : ” لأنهم [ الخلفاء الراشدون ] رضي الله عنهم – فيما سَنّوا – ، إما متبعون لسنة نبيهم – عليه السلام – نفسِها، وإما متبعون لما فهموا من سنته – صلى الله عليه وسلم – في الجملة والتفصيل عل وجه ٍ يخفى على غيرهم مثلُه ، لا زائدة على ذلك “ .
قلت : وهذا حق ؛ فإنهم شهدوا تنزيل القرآن الكريم ، ورأوا من النبي – صلى الله عليه وسلم – ما به فقهوا وفهموا – رضي الله عنهم – ، فاستمسك بهذا فإنه أصل عظيم ٌ، ومنهج ٌ قويم ٌ ، كان الإمام أحمد بن حنبل يقول : ” أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم ” ، ولهذا كان علماء الأثر وأهل الحديث – في كل زمان ومكان – هم أصحاب الحجة الغالبة، والمحبة البالغة والإتباع ، وكتب الله تعالى لهم من التمكين والتثبيت والإبداع ما لم يكن لغيرهم من أصحاب الكلام والفلسفة والابتداع .. ! .
وفي العصر الحديث ؛ جاءت ( الدعوة السلفية الهادية ) لردِّ الأمة إلى هذا المنهج الحق ؛ وقد غابت عنه زمناً طويلاً بسبب دعوات أهل الباطل من الجماعات و الفرق الضّالة ؛ وما انتشرَ بـ ( آثارهم ! ) – في بلاد المسلمين – من البدع والانحرافات والخرافات ؛ في العقائد والمعاملات والعبادات
انتشرت ( السلفيّة ) بين المسلمين ، وكتب الله – جلّ ثناؤه – لها من القبول ما به أثلج صدور أهل الإيمان ، وهيّج ( ثغور ! ) أهل الطغيان ؛ من العلمانيين و ( أفراخِهم ! ) ،وكذا ( المخالفين ) لأهل السنة ممن ( تغافل ) عن شرِّ العلمانيين و وقع في ( فِخاخِهم .. ) !
فكان ماذا ؟
أدرك ( العلمانيون العصريون ) أن المواجهة المباشرة مع علماء ( السلفيّة ) لن يجديهم نفعاّ في الحدِّ من انتشارها ؛ فاتّبعوا أسلوباً خفيّاً خادعاً ؛ يقول – عنه – الدكتور عمر المديفر في ( طرح الطرح العلماني ) : ” أهل هذا الأسلوب غاية في الحذر والمكر، فهم يدّعون الإسلام ، ويتباكون على حال المسلمين حتى يلتبس أمرهم على طالب الحق ؛ فلا يستطيع تمييزهم .. ولكنهم يُعرفون بصدورهم عن آراء الشواذ فيما يتعلق بالشريعة ، وعدم رجوعهم إلى الحق ولو أقيمت عليهم الحجة .. ” انتهى كلامه
ووسائلهم – في ذلك – كثيرة ؛ أتطرّقُ إلى اثنتين – منها – خبيثتين :
الأولى : ( توجيه ! ) البحوث والدّراسات نحو إحياء ( المذاهب الفكريّة والحركيّة ! ) التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي : وهم في ذلك يستثيرون عواطف المسلمين بالخلوص من ( أبحاثهم في التراث الإسلامي ! ) إلى أنّ هنالك فرقاً ، ومذاهبَ فكريّة قد تعرضت للظلم ، والاضطهاد من الحكام و ( الطائفة ) صاحبة ( الفكر ! ) السائد والمسيطر في كلّ زمان أو مكان .. !
ولعل من أكبر هذه الاتجاهات و ( المذاهب ) التي حاولوا إبرازها هو : مذهب الشيعة الروافض ؛ وذلك من خلال إظهاره بمظهر فقهي لا يختلف عن المذاهب المشتهرة عند أهل السنة ! ، وأيضاً : ( تمجيد ! ) إسهامات علمائهم – على مرِّ العصور – في إثراء ( المكتبة الإسلاميّة ! ) بالكتب العلميّة ! ، وأمّا فيما يتعلق بقضيّة ( بغض الصحابة – رضوان الله عليهم – وسبّهم ) ؛ فتارةً ( يغضون الطرف ! ) عنها في ( سبيل ! ) عدم تفرقة المسلمين ! ، وتارة أخرى يجعلونها من ( المسائل الخلافيّة ! ) لنفس ( السبيل ! ) ..
لم يكتفوا بهذا ؛ بل قاموا بترسيخ ( القناعة ) في أنفس الناس حول ( المخاطر ! ) المترتبة على محاولة ( بعض ) – ويقصدون إحدى – الطوائف الإسلاميّة للاستئثار بالدين ، ونبذ ( الآخرين ) ؛ ثمّ ( تصوير ! ) هذا على أنّه نوعٌ من أنواع ( الإرهاب الفكري ! ) .. وقد عرفتَ – سابقاً – أنّ ( الطريق إلى الله – تعالى – واحدٌ .. ) .
الوسيلة الثانية ( من وسائلهم الثانية عن الحق ) : “ الدعوة إلي الاجتهاد والتجديد : ويريدون بذلك الوصول بالاجتهاد – كما يزعمون – إلي الاجتهاد في ثوابت الدين المجمع عليها، ومجاوزة الأحكام الشرعية والفقهية التي قررها العلماء والفقهاء على مدى أربعة عشر قرناً ، والرجوع إلي القرآن والسنة بشكل مجرّد ، ورفض أي وصاية عليهم – كما يزعمون – ، وعدم اعترافهم بكثير من شروط الاجتهاد التي وضعها السلف الصالح – رضوان الله عليهم – ” [ أساليب الطرح العلماني للأخ محمد عبد المجيد المصري ]
وهذه الدعوة الخطيرة إنما هي لأجل التخلّص من قيْد ( فهم السلف الصالح ) في إتباع الكتاب والسّنة ؛ وهو القيد الذي يشكّل – اليوم – ركناً قويماً في ( الدعوة السلفيّة ) .
ولتحقيق أهداف ( دعوتهم ! ) الخطيرة تلك ؛ روّجوا بين المسلمين عن ( العلماء السلفيّين ) أوصافاً ظاهرُها الاحتراس ، وباطنُها الانتقاص .. فقالوا : لا يتقبّلون ( الرأي ! ) الآخر .. متزمِّتون ، منطوون على أنفسهم ، لا ( يفقهون ! ) الواقع ، مُتحجِّرون .. رجْعيون .. !
قالوا هذا ؛ { وإنّهم ليقولونَ مُنكَراً من القول وزوراً } ..
ذلك بأنهم كانوا يرمون إلى تنفير الناس – خاصّة الشباب – من دعوة الرجوع إلى السلف الأول في فهم الكتاب والسّنة ، وبعثها – تربيةً - في حياة الأمّة .
موقف الفرق ، والأحزاب السياسيّة ( الإسلاميّة ) ..
رأيتُ – هنا – الحديث عن موقف الأحزاب الإسلاميّة السياسيّة إزاء ( الحركة العلمانيّة ) ، ولعل أبرز تلك الأحزاب – نشاطاً ! – هو ( الإخوان المسلمون ) ؛ وأمّا الفرق الأخرى فلعلي أفردها في مقالات خاصة إن شاء الله تعالى ؛ وهذا خشيةَ الإطالة أكثر .
( الإخوان المسلمون ) حزبٌ غلبت عليهم الصِّبغة السياسيّة البحتة منذ تأسيسه مع بداية العقد الرابع من القرن الماضي ، وقد حاولوا – جاهدين – إظهار أنفسهم كمدافعين عن الإسلام ضد العلمانيّة التي تسعى لفصل الدين عن السياسة ، وأيضاً كعاملين على إقامة ( الحكومة الإسلاميّة ! ) ؛ فكان سعيهم الذي لا ينقطع هو ( التحرّك ) من أجل الوصول إلى السلطة في البلاد التي ( يُسمح ) لهم بحريّة العمل الحزبيّ المنظّم .. !
وهناك من يؤيّد وجهتهم بالنظر إليها بعاطفة ( مُسايرة ! ) ؛لكنّ ( الأمر ) ينظر إليه من زاوية مغايرة ، وعين تحقيق متدبّرة .. :
أولاً : لمّا كانت العلمانيّة – بوجهها العلنيّ – تستهدف الأسرة المسلمة ؛ وتدميرها بإحلال مظاهر الانحلال الأخلاقيّ ، وإفساد أخلاق العباد – كما بيّنا – ؛ كان لزاماً على الدعاة و ( الجماعة الإسلاميّة ) صرفُ ( الجهود ) باتجاه كشف حيل العلمانيين وتدبيرهم ومكرهم للمسلمين ، والتوّجه نحو إصلاح ما أفسدوه في الأمّة – وهو كثيرٌ – ؛ وأنتم تلمسون ما آلت إليه المجتمعات المسلمة – اليوم – لا سيّما على الصعيد الاجتماعي … ؛ والمُصلحون الصالحون ( قليلٌ غُرباء ! ) .
وأمّا هؤلاء ( الحزبيين ) فما برحوا عاكفين على ( السياسة العصريّة ! ) ، ومناكفة الحكامّ والتزاحم على أبواب ( البرلمانات ! ) بكل ما ( ملكوا ) من إمكانات ماديّة ، ومكانة ( شعبيّة ! ) ؛ ومهما كانت ( النتائج ! ) .
يقول العلامة عبد العزيز آل الشيخ: “ من مظاهرهم – بل مما يميزهم عن غيرهم – أنّ الغاية عندهم من الدعوة هو : الوصول إلى الدولة ؛ هذا أمر ظاهر بيّن في منهج ( الإخوان ) بل في دعوتهم ؛ .. أما أن يُنجَّى الناس من عذابِ الله – جل وعلا – وأن تُبعث لهم الرحمة بهدايتهم إلى ما يُنجيهم من عذاب القبر وعذاب النار وما يدخلهم الجنة, فليس في ذلك عندهم كثير أمرٍ ولا كبير شأن , ولا يهتمون بذلك لأن الغاية عندهم هي إقامة الدولة ؛ ولهذا يقولون الكلامُ في الحكّام يَجمعُ الناس، والكلام في أخطاء الناس ومعاصيهم يفرِّق الناس فابذلوا ما به تجتمع عليكم القلوب ! )، وهذا لا شك أنه خطأ تأصيلي ونيّة فاسدة , فإنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – بيّن أنّ مسائل القبر ثلاث , يُسأل العبدُ عن ربّه، وعن دينه، وعن نبيّه – صلى الله عليه وسلم – فمن صحب أولئك زمناً طويلاً وهو لم يَعلم ما يُنجيه إذا اُدخل في القبر فهل نُصح له ؟! وهل حُبَّ له الخير ؟ إنما جُعل أولئك ليستفادَ منهم للغاية !، ولو أحبّوا المسلمين حقَّ المحبّة لبذلوا النصيحة فيما يُنجِّيهم من عذاب الله، علَّموهم التوحيد وهو أولٌ مسئول عنه .. ”
انتهى كلامه
ثانياً : ولمّا كانت العلمانيّة – بوجهها الخفيّ – تدعو إلى ( تمييع ) الدين بإحياء ( المذاهب الفكريّة ! ) ، والطوائف الخارجة عن أهل السّنة والجماعة ؛ كان على دعاة الحقّ بيانُ وصف ( الفرقة الناجية ) ، والذّبُّ عنها على قدر الاستطاعة ؛ بالإنكار على المخالفين وإظهار ( بدعتهم ! ) بالحجة والبرهان ؛ ” وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ، بل ولو لم يكن قد تلقّوا تلك البدعة عن منافق ؛ لكن قالوها ظانّين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ..! ” [ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ] .
فكيف بما هو أعظم ؟ !
لقد وقع ( الإخوان ) في الفخ العلماني ؛ فقامت دعوتهم على ( توحيد الكلمة ! ) ، وجمع الطوائف والفرق الإسلاميّة في سبيل ( تقوية ! ) الصفِّ ولو كان فيه من وقع – ولا زال – في أعراض الصحابة – رضوان الله عليهم – ، ومن يطعن بالقرآن !
قال أحدُ منظريهم في كتابه ( كيف نفهم الإسلام ) : ” وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة و السنة متصلاً بأصول العقيدة ( … ) ليتمزّق الدينُ الواحد مزقتين ، وتتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين كلاهما يتربص بالآخر الدوائر، بل يتربص به ريب المنون ، إنّ ( كلّ! ) امرئ يعين على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } “ وقال : ” إن المدى بين الشيعة والسُّنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة ، والمذهب الفقهي لمالك والشافعي .. ! ” انتهى كلامه .
والأمرُّ : أنّهم يحذرون ( شبابهم ) وغيرهم من علماء الدعوة السلفيّة تارة بدعوى تفريقهم للمسلمين ، وتحريك الخلاف بينهم ، واستعداء النّاس .. ! ، وتارة أخرى الإدّعاء بأنهم لا يهتمون بواقع المسلمين ويتركون السياسة ويهتمون بـ ( القشور ) …!
ولقد رأينا ( فرحهم ) بظهور ( حزب النور السلفي ! ) في مصر ، ودخوله ( عالم السياسة ! ) ؛ وهو ما اعتبروه خروجاً للسلفيين من ( تقوقعهم ! ) على حدِّ تعبير أحد ( علمائهم ) .
وأمّا ( حزب النور ) فنسأل الله لهم الهداية ، والرجوع إلى الحقِّ ؛ فهذا أسلمُ لدينهم وعاقبتهم ؛ وأمّا ( الدّعوة السّلفيّة الهادية ) فلا ينفعها ( تحزُّبُهم ! ) ولا يضرّها – بإذن الله – شيئاً ..
ولعلي أتحدّث عن ( حزب النور السياسي ) الجديد في مناسبة قادمة – إن شاء الله تعالى – ؛ فيعرف ( الإخوان ) حال ( الحزب ! ) ، وحقيقة – حتى – اسمه ( المختار ! ) له بعناية .. !
أسأل الله – تعالى – أن يؤلف قلوبنا على السّنة ، ويهدينا سبُل الإيمان والتقوى ، وان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة ، ويجنبها شرّ المتربّصين بها ، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبّه ويرضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحْمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ..
يقول الله – تعالى – : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، أي : حسبك وحسب من اتبعك ، قال الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره المسمى ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) :
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ ” أي : كافيك” وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، وهذا وعد من الله ، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية ، والنصرة على الأعداء . فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والإتباع ، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.. ” انتهى كلامه .
وإذا كان الله معك وكافيك ؛ فلا حيلة مع من يعاديك ، ولا يضرك من يجافيك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في ( منهاج السنة ) : ” وإذا كان بعض المؤمنين به [بالنبي صلى الله عليه وسلم ] المتبعين له قد حصل له من يعاديه عل ذلك فالله حَسْبُه ، وهو معه وله نصيبٌ من قوله : { إذْ يَقولُ لِصاحبه لا تَحزَن إن الله مَعَنا } “.
والإتباع أو التسليم لازمه العلم ،فلا يصح إلا به ، ولا يستقيم إلا معه ، فإن الإتباع خيرٌ عظيم و ” من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين “ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و فقه الكتاب والسنة مضبوط ٌ بفهم السلف الصالح وعلى رأسهم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم لقوله لنا – إذا رأينا الاختلاف - : ” .. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ “ ، قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - كما في كتابه ( الاعتصام ) : ” لأنهم [ الخلفاء الراشدون ] رضي الله عنهم – فيما سَنّوا – ، إما متبعون لسنة نبيهم – عليه السلام – نفسِها، وإما متبعون لما فهموا من سنته – صلى الله عليه وسلم – في الجملة والتفصيل عل وجه ٍ يخفى على غيرهم مثلُه ، لا زائدة على ذلك “ .
قلت : وهذا حق ؛ فإنهم شهدوا تنزيل القرآن الكريم ، ورأوا من النبي – صلى الله عليه وسلم – ما به فقهوا وفهموا – رضي الله عنهم – ، فاستمسك بهذا فإنه أصل عظيم ٌ، ومنهج ٌ قويم ٌ ، كان الإمام أحمد بن حنبل يقول : ” أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم ” ، ولهذا كان علماء الأثر وأهل الحديث – في كل زمان ومكان – هم أصحاب الحجة الغالبة، والمحبة البالغة والإتباع ، وكتب الله تعالى لهم من التمكين والتثبيت والإبداع ما لم يكن لغيرهم من أصحاب الكلام والفلسفة والابتداع .. ! .
وفي العصر الحديث ؛ جاءت ( الدعوة السلفية الهادية ) لردِّ الأمة إلى هذا المنهج الحق ؛ وقد غابت عنه زمناً طويلاً بسبب دعوات أهل الباطل من الجماعات و الفرق الضّالة ؛ وما انتشرَ بـ ( آثارهم ! ) – في بلاد المسلمين – من البدع والانحرافات والخرافات ؛ في العقائد والمعاملات والعبادات
انتشرت ( السلفيّة ) بين المسلمين ، وكتب الله – جلّ ثناؤه – لها من القبول ما به أثلج صدور أهل الإيمان ، وهيّج ( ثغور ! ) أهل الطغيان ؛ من العلمانيين و ( أفراخِهم ! ) ،وكذا ( المخالفين ) لأهل السنة ممن ( تغافل ) عن شرِّ العلمانيين و وقع في ( فِخاخِهم .. ) !
فكان ماذا ؟
أدرك ( العلمانيون العصريون ) أن المواجهة المباشرة مع علماء ( السلفيّة ) لن يجديهم نفعاّ في الحدِّ من انتشارها ؛ فاتّبعوا أسلوباً خفيّاً خادعاً ؛ يقول – عنه – الدكتور عمر المديفر في ( طرح الطرح العلماني ) : ” أهل هذا الأسلوب غاية في الحذر والمكر، فهم يدّعون الإسلام ، ويتباكون على حال المسلمين حتى يلتبس أمرهم على طالب الحق ؛ فلا يستطيع تمييزهم .. ولكنهم يُعرفون بصدورهم عن آراء الشواذ فيما يتعلق بالشريعة ، وعدم رجوعهم إلى الحق ولو أقيمت عليهم الحجة .. ” انتهى كلامه
ووسائلهم – في ذلك – كثيرة ؛ أتطرّقُ إلى اثنتين – منها – خبيثتين :
الأولى : ( توجيه ! ) البحوث والدّراسات نحو إحياء ( المذاهب الفكريّة والحركيّة ! ) التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي : وهم في ذلك يستثيرون عواطف المسلمين بالخلوص من ( أبحاثهم في التراث الإسلامي ! ) إلى أنّ هنالك فرقاً ، ومذاهبَ فكريّة قد تعرضت للظلم ، والاضطهاد من الحكام و ( الطائفة ) صاحبة ( الفكر ! ) السائد والمسيطر في كلّ زمان أو مكان .. !
ولعل من أكبر هذه الاتجاهات و ( المذاهب ) التي حاولوا إبرازها هو : مذهب الشيعة الروافض ؛ وذلك من خلال إظهاره بمظهر فقهي لا يختلف عن المذاهب المشتهرة عند أهل السنة ! ، وأيضاً : ( تمجيد ! ) إسهامات علمائهم – على مرِّ العصور – في إثراء ( المكتبة الإسلاميّة ! ) بالكتب العلميّة ! ، وأمّا فيما يتعلق بقضيّة ( بغض الصحابة – رضوان الله عليهم – وسبّهم ) ؛ فتارةً ( يغضون الطرف ! ) عنها في ( سبيل ! ) عدم تفرقة المسلمين ! ، وتارة أخرى يجعلونها من ( المسائل الخلافيّة ! ) لنفس ( السبيل ! ) ..
لم يكتفوا بهذا ؛ بل قاموا بترسيخ ( القناعة ) في أنفس الناس حول ( المخاطر ! ) المترتبة على محاولة ( بعض ) – ويقصدون إحدى – الطوائف الإسلاميّة للاستئثار بالدين ، ونبذ ( الآخرين ) ؛ ثمّ ( تصوير ! ) هذا على أنّه نوعٌ من أنواع ( الإرهاب الفكري ! ) .. وقد عرفتَ – سابقاً – أنّ ( الطريق إلى الله – تعالى – واحدٌ .. ) .
الوسيلة الثانية ( من وسائلهم الثانية عن الحق ) : “ الدعوة إلي الاجتهاد والتجديد : ويريدون بذلك الوصول بالاجتهاد – كما يزعمون – إلي الاجتهاد في ثوابت الدين المجمع عليها، ومجاوزة الأحكام الشرعية والفقهية التي قررها العلماء والفقهاء على مدى أربعة عشر قرناً ، والرجوع إلي القرآن والسنة بشكل مجرّد ، ورفض أي وصاية عليهم – كما يزعمون – ، وعدم اعترافهم بكثير من شروط الاجتهاد التي وضعها السلف الصالح – رضوان الله عليهم – ” [ أساليب الطرح العلماني للأخ محمد عبد المجيد المصري ]
وهذه الدعوة الخطيرة إنما هي لأجل التخلّص من قيْد ( فهم السلف الصالح ) في إتباع الكتاب والسّنة ؛ وهو القيد الذي يشكّل – اليوم – ركناً قويماً في ( الدعوة السلفيّة ) .
ولتحقيق أهداف ( دعوتهم ! ) الخطيرة تلك ؛ روّجوا بين المسلمين عن ( العلماء السلفيّين ) أوصافاً ظاهرُها الاحتراس ، وباطنُها الانتقاص .. فقالوا : لا يتقبّلون ( الرأي ! ) الآخر .. متزمِّتون ، منطوون على أنفسهم ، لا ( يفقهون ! ) الواقع ، مُتحجِّرون .. رجْعيون .. !
قالوا هذا ؛ { وإنّهم ليقولونَ مُنكَراً من القول وزوراً } ..
ذلك بأنهم كانوا يرمون إلى تنفير الناس – خاصّة الشباب – من دعوة الرجوع إلى السلف الأول في فهم الكتاب والسّنة ، وبعثها – تربيةً - في حياة الأمّة .
موقف الفرق ، والأحزاب السياسيّة ( الإسلاميّة ) ..
رأيتُ – هنا – الحديث عن موقف الأحزاب الإسلاميّة السياسيّة إزاء ( الحركة العلمانيّة ) ، ولعل أبرز تلك الأحزاب – نشاطاً ! – هو ( الإخوان المسلمون ) ؛ وأمّا الفرق الأخرى فلعلي أفردها في مقالات خاصة إن شاء الله تعالى ؛ وهذا خشيةَ الإطالة أكثر .
( الإخوان المسلمون ) حزبٌ غلبت عليهم الصِّبغة السياسيّة البحتة منذ تأسيسه مع بداية العقد الرابع من القرن الماضي ، وقد حاولوا – جاهدين – إظهار أنفسهم كمدافعين عن الإسلام ضد العلمانيّة التي تسعى لفصل الدين عن السياسة ، وأيضاً كعاملين على إقامة ( الحكومة الإسلاميّة ! ) ؛ فكان سعيهم الذي لا ينقطع هو ( التحرّك ) من أجل الوصول إلى السلطة في البلاد التي ( يُسمح ) لهم بحريّة العمل الحزبيّ المنظّم .. !
وهناك من يؤيّد وجهتهم بالنظر إليها بعاطفة ( مُسايرة ! ) ؛لكنّ ( الأمر ) ينظر إليه من زاوية مغايرة ، وعين تحقيق متدبّرة .. :
أولاً : لمّا كانت العلمانيّة – بوجهها العلنيّ – تستهدف الأسرة المسلمة ؛ وتدميرها بإحلال مظاهر الانحلال الأخلاقيّ ، وإفساد أخلاق العباد – كما بيّنا – ؛ كان لزاماً على الدعاة و ( الجماعة الإسلاميّة ) صرفُ ( الجهود ) باتجاه كشف حيل العلمانيين وتدبيرهم ومكرهم للمسلمين ، والتوّجه نحو إصلاح ما أفسدوه في الأمّة – وهو كثيرٌ – ؛ وأنتم تلمسون ما آلت إليه المجتمعات المسلمة – اليوم – لا سيّما على الصعيد الاجتماعي … ؛ والمُصلحون الصالحون ( قليلٌ غُرباء ! ) .
وأمّا هؤلاء ( الحزبيين ) فما برحوا عاكفين على ( السياسة العصريّة ! ) ، ومناكفة الحكامّ والتزاحم على أبواب ( البرلمانات ! ) بكل ما ( ملكوا ) من إمكانات ماديّة ، ومكانة ( شعبيّة ! ) ؛ ومهما كانت ( النتائج ! ) .
يقول العلامة عبد العزيز آل الشيخ: “ من مظاهرهم – بل مما يميزهم عن غيرهم – أنّ الغاية عندهم من الدعوة هو : الوصول إلى الدولة ؛ هذا أمر ظاهر بيّن في منهج ( الإخوان ) بل في دعوتهم ؛ .. أما أن يُنجَّى الناس من عذابِ الله – جل وعلا – وأن تُبعث لهم الرحمة بهدايتهم إلى ما يُنجيهم من عذاب القبر وعذاب النار وما يدخلهم الجنة, فليس في ذلك عندهم كثير أمرٍ ولا كبير شأن , ولا يهتمون بذلك لأن الغاية عندهم هي إقامة الدولة ؛ ولهذا يقولون الكلامُ في الحكّام يَجمعُ الناس، والكلام في أخطاء الناس ومعاصيهم يفرِّق الناس فابذلوا ما به تجتمع عليكم القلوب ! )، وهذا لا شك أنه خطأ تأصيلي ونيّة فاسدة , فإنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – بيّن أنّ مسائل القبر ثلاث , يُسأل العبدُ عن ربّه، وعن دينه، وعن نبيّه – صلى الله عليه وسلم – فمن صحب أولئك زمناً طويلاً وهو لم يَعلم ما يُنجيه إذا اُدخل في القبر فهل نُصح له ؟! وهل حُبَّ له الخير ؟ إنما جُعل أولئك ليستفادَ منهم للغاية !، ولو أحبّوا المسلمين حقَّ المحبّة لبذلوا النصيحة فيما يُنجِّيهم من عذاب الله، علَّموهم التوحيد وهو أولٌ مسئول عنه .. ”
انتهى كلامه
ثانياً : ولمّا كانت العلمانيّة – بوجهها الخفيّ – تدعو إلى ( تمييع ) الدين بإحياء ( المذاهب الفكريّة ! ) ، والطوائف الخارجة عن أهل السّنة والجماعة ؛ كان على دعاة الحقّ بيانُ وصف ( الفرقة الناجية ) ، والذّبُّ عنها على قدر الاستطاعة ؛ بالإنكار على المخالفين وإظهار ( بدعتهم ! ) بالحجة والبرهان ؛ ” وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ، بل ولو لم يكن قد تلقّوا تلك البدعة عن منافق ؛ لكن قالوها ظانّين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ..! ” [ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ] .
فكيف بما هو أعظم ؟ !
لقد وقع ( الإخوان ) في الفخ العلماني ؛ فقامت دعوتهم على ( توحيد الكلمة ! ) ، وجمع الطوائف والفرق الإسلاميّة في سبيل ( تقوية ! ) الصفِّ ولو كان فيه من وقع – ولا زال – في أعراض الصحابة – رضوان الله عليهم – ، ومن يطعن بالقرآن !
قال أحدُ منظريهم في كتابه ( كيف نفهم الإسلام ) : ” وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة و السنة متصلاً بأصول العقيدة ( … ) ليتمزّق الدينُ الواحد مزقتين ، وتتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين كلاهما يتربص بالآخر الدوائر، بل يتربص به ريب المنون ، إنّ ( كلّ! ) امرئ يعين على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } “ وقال : ” إن المدى بين الشيعة والسُّنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة ، والمذهب الفقهي لمالك والشافعي .. ! ” انتهى كلامه .
والأمرُّ : أنّهم يحذرون ( شبابهم ) وغيرهم من علماء الدعوة السلفيّة تارة بدعوى تفريقهم للمسلمين ، وتحريك الخلاف بينهم ، واستعداء النّاس .. ! ، وتارة أخرى الإدّعاء بأنهم لا يهتمون بواقع المسلمين ويتركون السياسة ويهتمون بـ ( القشور ) …!
ولقد رأينا ( فرحهم ) بظهور ( حزب النور السلفي ! ) في مصر ، ودخوله ( عالم السياسة ! ) ؛ وهو ما اعتبروه خروجاً للسلفيين من ( تقوقعهم ! ) على حدِّ تعبير أحد ( علمائهم ) .
وأمّا ( حزب النور ) فنسأل الله لهم الهداية ، والرجوع إلى الحقِّ ؛ فهذا أسلمُ لدينهم وعاقبتهم ؛ وأمّا ( الدّعوة السّلفيّة الهادية ) فلا ينفعها ( تحزُّبُهم ! ) ولا يضرّها – بإذن الله – شيئاً ..
ولعلي أتحدّث عن ( حزب النور السياسي ) الجديد في مناسبة قادمة – إن شاء الله تعالى – ؛ فيعرف ( الإخوان ) حال ( الحزب ! ) ، وحقيقة – حتى – اسمه ( المختار ! ) له بعناية .. !
أسأل الله – تعالى – أن يؤلف قلوبنا على السّنة ، ويهدينا سبُل الإيمان والتقوى ، وان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة ، ويجنبها شرّ المتربّصين بها ، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبّه ويرضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
التعليقات