طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

النٌصحُ الثمين .. في خطاب ِ العلامة الحلبي للمعلمين ( 2 )


نُصح ٌأو إفتاء لا قضاء !! له ورثةُ الأنبياء ..
و دونهم ( حرثَةُ الأنباءِ ) والهُراءُ .. فلِمَ المِراءُ و الافتراءُ ؟!!
إن الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } ‏
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال الله تعالى في محكم التنزيل : { وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [ العصر : 1- 3 ]
هذه الآيات الكريمات من كتاب ربنا عز وجل دلت على الوصف الغالب على الإنسان ، وهو الخسران ، وهو وصف ٌ عارض وليس لازماً ؛ بمعنى أنه ينفك عنه ؛ ولكن بما ذكر في الآيات من شروط وهي : الإيمانُ بالله المتعال ، وعملُ الصالحات من الأقوال والأفعال ، والتواصي بالحق والصبر في كل حال ومآل .
ولذلك ؛ فلا عجب أن قال الإمام الشافعي - رحمه الله – : ' لو ما أنزل الله على خلقه حجةً إلا هذه السورة لكفتهم '
و قد بيَّن الله تعالى بأن الخسران يكون في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؛ فقال – وقوله الحق - : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِه وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِه خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } [ الحج : آية 11 ] .
والتواصي بالحق والصبر مقتضاه الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو ' وإن كان من عمل الصالحات إلا أن الله - جل وعلا- خصه بهذا الذكر لشدة أو لحصول الغفلة عنه من كثير من الناس ؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى في نفسه، فإن ذلك يكفي، وهذا من الخلط ؛ ولهذا قال الله تعالى : {.. وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بالصبرِ } فلا ينفع الإنسان أن يخرج من هذه الخسارة إلا إذا أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر ' كما قال ابن القيم - رحمه الله تعالى – في كتابه ( مفتاح دار السعادة ) .
ومثل هذه الأوامر في كتاب الله عز وجل – وأوجب علينا تطبيقها والامتثال لها - بها يكون صلاحُ دنيانا التي فيها معاشُنا ، وآخرتِنا التي إليها معادنُا ، ولا يؤدي الإعراضُ عنها إلا إلى أن يعرض الله تعالى عنا ؛ ومن أعرض الله تعالى عنه { فَإن لهُ معيشةً ضنكا } ، و ' ما عدا عليك العدو إلا لما تولى عنك الولي ' كما قيل .
واعلم – أخي – أن مناط ذلك كله ( أي : الامتثال والتطبيق لأوامر الله تعالى ) هو النصيحة ؛ وهي ركن عظيم من أركان هذا الدين ؛ وهذا يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث تميم بن أوس رضي الله عنه : ' الدينُ النصيحةُ ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم '، قال الخطابي: 'معنى الحديث : قوام الدين وعماده النصيحة، كقوله الحج عرفة ' .
وقال - رحمه الله – في شرحه الحديث : 'وأصل النصح في اللغة الخُلوص، يقال: نصحتُ العسلَ إذا خلصتُه من الشمع، فمعنى النصيحة لله صحةُ الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته، والنصيحةُ لكتابه الإيمان به والعمل بما فيه، والنصيحةُ لرسوله التصديق بنبوته وبذلُ الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنصيحةُ لعامة المسلمين إرشادهمُ إلى مصالحهم ' .

وأقول : كيف لا يكون هذا شأن النصيحة وهي مما بعث الله تعالى به الأنبياء والرسل ، فهذا نوح يقول لقومه كما أخبر الله عز وجل : { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون } ، وصالح إذ خاطب قومه فقال : { يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } ، عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وما أحسن أن يكون ' المؤمن مرآة أخيه ' كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم ، و' إذا رأى فيه عيباً أصلحه ' كما قال أبو هريرة رضي الله عنه ، قال صاحب ( جوامع الآداب ) : ' ينبغي أن يكون كل ٌ مرآة لأخيه ، ينصح بعضهم بعضاً ، ويرشد كلٌ أخاه إلى سبيل الكمال ، ولا يكتم نقد َ ما يراه نقصاً ، فمن تبادل النقد في ساحة المودة على بساط الصفا يكون الكمال ' .
ولذلك ' فإن أعظمَ ما عُبدَ اللهُ به نصيحةُ خلقه ' كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فاحفظ هذا الأصل الأول ، وعض عليه بالنواجذ ؛ فإنه أساس ما نحن بصدده ؛ ولن – بإذن اله تعالى - بعده نتقول .
وكلٌ منا محِلٌ للنصح والنقد ؛ فإنه لا يسلم من العيب أحد ، ومن فتش في نفسه عن الآفات وجد ، ولو كان ممن حج وصام وسجد ، قل { وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } ، وسل الله صاحباً بحمل
والنصيحة غير الإفتاء ؛ ولو تقاربا في الظاهر ، وهما بعيدان عن القضاء وبينهما فرق باهر ، ولست هنا بصدد التفصيل في هذه المسألة - على أهميتها – ولكن يكفي القول : إن النصيحة من حقوق المسلمين عليك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي سبق - : ' الدين النصيحة .. لأئمة المسلمين وعامتهم ' ، ويتأكد هذا الحق لأخيك إذا استنصحك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه - ' حق المسلم على المسلم ست ، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه ' .
فالنصيحة - ابتداءً وانتهاءً - كلمة يعبر بها عن إرادة الخير والصلاح للمنصوح له ؛ ويمكن للناصح المبادرة بها دون طلب من أحد ؛ ولكن بالضوابط الشرعية التي يترتب على الالتزام بها عدم حدوث مفاسد أعظم من المصالح الظاهرة ؛ وهي – أي النصيحة – غير ملزمة للمنصوح له ؛ يأخذ بها أو لا ؛ والضرر يقع بحسب إعراض الناس عنها ، لا سيما إذا صدرت من أهل الاختصاص والدراية ، ثم زادوا عليهما تقوى الله تعالى والإخلاص له .
وأما القضاء ؛ فهو الفصل بين الناس في منازعاتهم ، وقطع خصوماتهم ، بحكم شرعي على وجه الإلزام ؛ بمعنى : أن القاضي إذا حكم في شيء على ما بين يديه من الحجج والبراهين والبينات ؛ وجب على المتداعين أو المتنازعين الامتثال وإلا عوقبوا ، وللقضاء قواعد شرعية محكمة وأركان قد أسهب أهل العلم في تفصيلها ، واجتهدوا في تأصيلها .
قال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمة الله - : ' المقصود من القضاء وصول الحقوق إلى أهلها ، وقطع المخاصمة فوصول الحقوق هو المصلحة ، وقطع المخاصمة إزالة المفسدة ، فالمقصود هو جلب تلك المصلحة وإزالة هذه المفسدة ، ووصول الحقوق هو من العدل الذي تقوم به السماء والأرض ، وقطع الخصومة هو من باب دفع الظلم والضرر وكلاهما ينقسم إلى إبقاء موجود ودفع مفقود ' .
لذا كان القضاء من أهم الوظائف المتعلقة بالسياسية العليا للدولة ؛ لصون الأمة من العبث ، وإظهار الحقوق وضمانها ورد الظلم ؛ فتنتظم حياة الناس وفق نسق يحفظ عليهم دينهم ودنياهم ، وأما حكمه فهو 'من فروض الكفايات لأن أمرَ الناس لا يستقيم بدونه فكان واجباً عليهم كالجهاد والإمامة قال أحمد : لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس؟ ' كما قال ابن قدامة – رحمه الله تعالى - .
وأما الإفتاء فهو إظهار الحكم الشرعي في مسألة ما بالاستناد إلى الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، فالمفتي يتتبع الأدلة بعد استقرائها ثم يخبر بالراجح منها عنده ؛ فهو كالمترجم عن الله جل وعلا ، والإخبار بالحكم الشرعي - هنا – لا يكون على وجه الإلزام بعكس الإخبار بالحكم الشرعي عند القضاء ، فالمفتي يبين ويُعلم والقاضي يبين ويُلزم .
وإنما يحصل الخلاف بين ( أهل العلم ) في المسائل الشرعية تَبَعاً لاختلاف فهمهم للأدلة وطرق استقرائهم لها ؛ لا لنقص ٍ فيها ولا لتناقض بينها ، ولا يتوهم أحدٌ غياب َ الصواب عنها .
وهذا أصل ثانٍ ؛ يتعلق بالفرق بين النصيحة والإفتاء والقضاء ؛ ينبغي لكل ذي نَصَفَة ٍ الاعتناء به ، فإنه مما يعين على استيعاب ما يصدر عن أهل العلم وفهمه على وجه ٍ سليم ، أو قل - على الأقل - : النجاة من الفهم السقيم ، وفي كُلٍّ أنت على الحق ِّ مقيم .
وإذ عرفت َ النصيحة والإفتاء والقضاء ؛ فما صفةُ أهله ؟ ومن ذا الذي قُضيَ عليه من جهله ؟
لعلي لا أكون مخطئاً إذا قلت : إن أكثر ما يشغل الناس اليوم على امتداد وطننا الأردن هو ( الإضراب عن تدريس الطلاب ) ؛ وهو ما تداعى عليه كثير ٌ من المعلمين الأحباب ، ولما رأى البعض أن الأزمة قد طالت ولم ينقشع الضباب ، وقد تعددت الأسباب والأثواب !!، وأغلقت الأبواب ؛ عدّها من الحوادث والنوازل ، وما عاد يميز ُ الحقَّ من الباطل ، فمن المتحفظِ الذي أفتى نفسه إلى السائل ِ : أشرعي هذا الإضراب ؟ أم إنه من قبيح الوسائل ِ ؟
وأنا الآن لن أخوض في الحكم الشرعي للفي الإضراب عن العمل ؛ فهذا له موضع آخر ولكني أقول – بلا ترددٍ ولا تلكؤٍ ولا لجلجة ٍ - : لا ينصحك و يدلك على الخير ، ولا يفتيك بالحق إلا ورَثةُ الأنبياء ؛ إنهم العلماء الموقعون عن رب العالمين ، قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى - : ' .. ولا يشاور إذا نزل المشكل ُ إلا أمينا عالماً بالكتاب والسنة ، والآثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب ' .
وقال الشاطبي - رحمه الله تعالى - : ' فإذا بلغ الإنسان مبلغاً فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة ، وفي كل باب من أبوابها ؛ فقد حصل له وصف ٌ هو السبب في تنزله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله تعالى '
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - كما في ' إعلام الموقعين ' : العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل ، فهذا النوع الذي يسوغ لهم الإفتاء ويسوغ استفتاؤهم .. ' .
ولهذا كان ابن سيرين – رحمه الله تعالى – يقول : ' إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ' .
غير أنه ' لا يأتي عليكم يوم ٌ إلا وهو شرٌّ ٌ من اليوم الذي قبله حتى تقوم الساعة ، لست أعني رخاءً من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده ؛ ولكن لا يأتي عليكم يوم ٌ إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس قلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فعند ذلك يهلكون ' كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وذكر الأثر الحافظ ابن حجر في ' فتح الباري ' .
قلت : والأمرُّ ُ من موت العلماء أن يكونوا أحياءً بيننا ، وأن نكون - نحن – أمواتاً بينهم ؛ لا نعرف لهم قدْرا ، ولا نحفظ عليهم سترا ، ولا نلتمس لهم عذرا ..
والأمرُّ ُ من الأمرّ أن يستفتى أو يفتي من ليس بعالم ؛ بكى أحد السلف الصالح يوماً ، فقيل له : أمصيبة نزلت بك ؟ فقال : ' لا ؛ ولكن أستفتي من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم ' .
لقد ( أفتى !! ) المعلمينَ بجواز الإضراب عن تدريس الطلاب ( لطلب الحقوق ) أناسٌ كثير : منهم بلسان المقال وباستعجال ، ولو أخبرته بأن ' المسألة كانت تُعرض على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيجمع لها أهل َ بدر ' لصال وجال ، ثم قال : هم رجال ونحن رجال ( ؟!! ) ، ومنهم – وفيهم حزبيون إسلاميون!! – أفتى المعلمين بلسان الحال أن ( إذا نزلتم إلى الشارع لنكونن أول النازلين ولكم ناصرين ... !! )
وأكرر : أنا – وأشهد الله جل و علا – لا أفتي ، ولست أهلاً لذلك ؛ وإنما أبين ما آلت إليه الأمور عند من يحرثون الأخبار والأنباء حرْثا ؛ طولاً وعرضاً ، ولا يبذرون بذر الخير في أرض النصح ، أفغير الشوك يحصدون ويُطعِمون ، ولو نالوا ما يريدون ، واسمعون ..
قال لي أحد المتحمسين من إخواني المعلمين : ( الإضراب جهاد في سبيل الله !! ) ، وزاد آخر : ( .. والمتخلف عنه – أي الذي لم يُضرب – متخاذل ؛ فلا يخذّ ل غيره !! )
وقال لي آخر من إخواني المعلمين : ( إنما النصر صبر ساعة !! )
وقال لي آخر من إخواني المعلمين – بعد ' إشاعة ' أن الحكومة بصدد حصر أعداد المضربين في قوائم - : ( الذين لم يُضربوا في القائمة السوداء !! )
وقال لي آخر من إخواني المعلمين : ( الذي يحاول أن يكسر الإضراب حقير ٌ حقيرُ !! )
وقال آخر من إخواني المعلمين : ( الذي لم يُضرب ليس له حقٌّ في الغنائم )
ولست هنا بصدد العدّ و الردّ ، ولا الدفاع ِ والصدّ ، ولكن ! أإلى هذا الحدّ ؟!! ، وما ذكرت ذلك ( الهراء ) إلا لتستبينوا ما أحدثت المحنة ُ (الفتنة ُ ) أو الأزمة ُ فينا ، ثم عظمت ؛ فقال ( لي ) أحد الأخوان : ( نحن لنا عالِم ٌيُفتينا .. فلان - من اللجان - ) !! فقلت : ' فلان ' عالم بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومن أهل الاجتهاد ؟ قال : لا ؛ يعلم حقوقنا ! وأنت من يُفتيك ؟ فقلت – وقد أعطيته ورقةً فيها كلام لشيخنا العلامة الحلبي يتعلق بالإضراب - : هي نصيحة ٌ لنا - نحن المعلمين - ؛ هي نصيحة للمسلمين .
نعم ؛ ما قاله الشيخ العلامة في خطابه للمعلمين هو نصيحة ٌ أكثر من كونه إفتاءً ؛ بل بعيد عنه ، وهذا على ما ظهر لي ، والله ُ تعالى أعلم ؛ ويدلك على هذا عنوان الخطاب ( الرؤية الشرعية الصواب في امتناع المعلمين عن تدريس الطلاب ) ؛ ووجه الدلالة ؛ أن سيخنا العلامة الحلبي لو أرادها فتوى – وهو أهل ٌ لهذا – لقال : ( الحكم الشرعي الصواب ... ) ولم يقل : ( الرؤية .. ) وفرق بين اللفظين .
ثم ؛ إن شيخنا – حفظه الله – لا يخفى على مثله أن الخلاف في المسائل الشرعية أكثر من أن يحصر حتى في مجلدات ، وقد سمعت هذا – أو قريبا منه - من شيخنا في أحد دروسه العلمية ؛ فكيف يقرر صواب ما قاله لو كان حكماً أو فتوى ً منه فيما قام به المعلمون ، وإنما قال : ( .. الصواب ) لأنها نصيحة شرعية من نصوص : محكمة من الكتاب وصحيحة من السنة لا تقبل الخطأ .
وللتقريب نقول : إن الآيات والأحاديث التي تحث المؤمنين على الصبر كثيرة جداً ؛ فلو أن أخاً – وقد أصابك ظلم – قال لك : أوصيك ( أنصحك ) بالصبر . أتقول له : ( أنت مخطئ وغير مصيب ) ؟! ، لا يقول هذا عاقل ؛ فهو قد نصحك ؛ وأنت تقبل أولا تقبل ؛ القرار يعود لك ونتائجه عليك .
فتدبر هذا الكلام فإنه نفيس جداً ؛ وفيه رد ّ قاطع على من قال : ( كيف يقرر الحلبي أن فتواه في إضراب المعلمين هي الصواب ؟ )
وشيخُنا إذ فعل هذا – أي : جعلها نصيحة ً – فلفطنة ٍمنه بعد توفيق الله جل وعلا ؛ ذلكم ؛ أنه تجنب الحكم بالتحريم أو التحليل والتأثيم أو التجويز في مسألة المعلمين ؛ مراعاة منه – حفظه الله - للمصالح والمفاسد ؛ وشيخنا العلامة الحلبي هو القائل نفسه : ' إن العلماءَ الفقهاءَ الناصحين قد يسكتون عن أشخاص ٍ وأشياءَ ؛ مراعاة منهم للمصالح والمفاسد .. ' إلى أن قال : ' .. فلا تظن ّ أن كل تصريح ٍ نصيحة، ولا كلّ سكوت ٍ غشُّ للإسلام والمسلمين ، والعاقل المنصف البصير يدرك متى يجب – أو يجوز – الكلام ُ ، ومتى يجب- أو يجوز – السكوت ' كما في رسالته ( المنح ُ الصحيحة ) .
وأما الزّعْم ُ بأن الشيخ الحلبي لم يسمع من المعلمين حجتهم فظلمهم ، وأجحف بحقهم ، فهو زعْمٌ أهوج ؛ وسير ٌ في الظلام أعرج ، فإن الحق أبلج ، وشيخنا العلامة لم يقض ِ بين طرفين فيسمع منهما البينات ، وقد عرفتَ معنى القضاء سابقاً وكيف يفترق عن الفتوى أو النصيحة ، وأهل الإفتاء قد يخطئون وهم مأجورون من الله تعالى ، وأما النصيحة الشرعية فلا ظلم فيها .
هذا ؛ وإن من طعن في خطاب الشيخ المحدّث الحلبي للمعلمين الكرام ؛ قد ضاق صدره قبل عقله ، وقضى غلُه على عدله ، وسبق حقده نقده ، فصار سواد قلبه حبراً لقلمه .
وأما شيخنا؛ فإنه كسائر أهل العلم والفقهاء يُستدل له ، ولا يُستدل به ؛ وإنما كان حقاً علينا كمعلمين أن نسمع نصحه وتوجيهه ، بعيداً عن الغلط واللغط ؛ وإلا ... فالخلط .
ولعلي في الجزء القادم – إن شاء الله - أتكلم عن شيء ٍ من النصح في خطاب شيخنا للمعلمين ؛ وردّ شبهة من الشبهات حوله .
نسأل الله تعالى أن يطهّر قلوبنا من الغل والغش ، وأن يجعلنا هداة ً مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، وأن يرزقنا العلم النافع و العمل الصالح .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين


جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/69088