طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

إعلان الحرب


إنها الحرب على عدو التنمية والتقدم، إنها الحرب على 'الفساد' الذي استشرى وانتشر كمرض خبيث يكاد يفتك بنا. الفساد الذي يمكن أن يُعتبر المعوق الرئيسي لعملية التنمية الشاملة في كثير من الدول لما له من آثار سلبية على مختلف جوانب الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. ولخوض غمار هذه الحرب والخروج بانتصار ضد الفساد وتخطي عقباته لابد من اللجوء إلى إقامة شراكات مابين الحكومة والأطراف الأخرى في المجتمع المدني للتوصل إلى برنامج متكامل للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتوافق على استراتيجيات مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية .
حجم الفساد السياسي، والإداري، والمالي في الأردن ظهر بحجمه الحقيقي بعد أن انقشع عنه الضباب، وتكشفت تفاصيله بعد أن كان لا يظهر منه إلا ما يشاع هنا وهناك من كلام دون دلائل، ولكن بعد تفاقم الأزمة المالية التي يمر بها الأردن وانعكاس آثارها السلبية على استقرار الدولة ونهضتها، دق ناقوس الخطر معلناً الحقيقة المرة التي طالما حاول البعض تجاهلها أو على الأقل إرجاء الحسم فيها إلى حين، ووقف المجتمع بكافة مكوناته واتحد الفرد مع الكل رافضاً ما آلت إليه الأمور، ومتصديا للمشاكل التي تواجه مجتمعنا الأردني الآمن، الأمر الذي أدى إلى مُطالبات بمراجعة ديمقراطيتنا، و بإصلاح السلطتين التشريعية والتنفيذية. هذه الحرب بمواجهة الفساد والعمل على الحد من مصالح مُستغلي السلطة لمنافع شخصية يواجه بمقاومة قوية من قبلهم، ويتطلب شجاعة كبيرة منا جميعا للتصدي لهم، ولكن ما هو مؤسف أن الحكومة وبعد أن أفلست، بدأت تبحث في 'الدفاتر القديمة'، وفتحت باب محاسبة الفاسدين من خُدام الدولة الذين تمكنوا من استغلال ثغرات النظام المالي والإداري المعمول به في مؤسسات الدولة المختلفة وقاموا بإساءة استعمال المنصب أو السلطة للمنفعة الخاصة مما أفشل المؤسسات في أداء مهمتها. نحن كمجتمع مدني مثقف من الأجدر بنا أن لا ننشغل بمطاردة المسئولين الحاليين أو السابقين عن الفساد وننسى الأهم والمهم وهو وضع تدابير إصلاحية أكثر فعالية واستمرارية للحد من الفساد، وسد الثغرات في النظام أمام أولئك الذين سيطرت جينات الفساد على أخلاقهم وأعمالهم. فبالتركيز على' النظام والنهج' بدلا من 'الفرد' يتم خوض المعركة ضد الفساد بشكل منظم ومؤسسي ودائم، ويبعد شبح الدخول في خلافات عشائرية أو طائفية خصوصاً عند الركون لتطبيق القانون على أحد 'الحيتان الكبيرة' والذي يثير مشاكل أكثر مما يحل،'فالوقاية خير من العلاج'.
تغيير طريقة ممارسة السلطة الاقتصادية، والسياسية، والإدارية على جميع المستويات يتطلب تخطيط محكم ورؤيا واضحة للأهداف وكيفية بلوغها، ويقتضي اختيار السياسيين والقادة في المجتمع الوطني القادرين على تحقيق ذلك. ومن خلال المطالعة في واقع مؤسسات الدولة المختلفة وواقع البلد بشكل عام يمكن الإحساس بأن ثمة مشكلة في الأنظمة والسياسات تستدعي: (1) النظر والتأمل، وإجراء الدراسات إلتي تبين لنا الثغرات التي تم استخدامها من قبل أولئك الذين باعوا ضمائرهم وتاجروا بمقدرات البلد. (2) وتحديد مواطن القصور التشريعي واللائحي في مجال الإصلاح ومناهضة الفساد واستغلال السلطة للمنفعة الشخصية. (3) تصميم برامج ناجعة لمكافحة الفساد بعد تكوين فهماً دقيقاً لطبيعة المشكلة، وإجراء الاصطلاحات التشريعية والوظيفية وتحسين نظم مراجعة الحسابات، وبالتالي ستتمكن أدوات مكافحة الفساد ((بدءا من لجان التحقيق، وحملات إقرار النزاهة، وبرامج المسائلة والشفافية ومراجعة الحسابات واستعراض الأداء من خلال مؤشرات الحوكمة، ومؤشرات استعراض الأنشطة المالية والإدارية والتنفيذية، وانتهاء بالملاحقة القضائية وتنفيذ القانون)) من أداء عملها بشكل أفضل، و بالتالي تخفيف الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للفساد وصولا إلى تحقيق الإصلاحات العامة التي ستتم بعون الله بمباركة واستنهاض من رأس الدولة، حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله.
مدين محمود ملحم
محاضر بجامعة الملك خالد – السعودية
mmelhim@kku.edu.sa


جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/67206