رفيقةٌ يافاوية مُناضلةٌ عتيقة ، ممن يَجرُؤنَ على الخروج بلا ماكياج ، لم ألتقيها منذ تزوجت . جاءت إلى قدّاس الأحد بثوبٍ أسود بسيط ، تَلْحمِيُّ التطريز . تلفُّ عنقَها الجميل دون رأسها ، بشالٍ أبيض مُطرَّزٍ هو الآخر . في عينيها حزنٌ داكنٌ مُوشّى بغضبٍ ظاهر . كانت تختنق بدمعٍ يأبى مغادرة مَنابعه وسَواقيه . أطْرَقْتُ مُتجهِّما حين رأتني بانتظارها أتمشى في باحة الكنيسة . سرعان ما انتبذنا مكانا قصيا. وما أن جلسنا تحت زيتونة ضخمة هناك ، وقبلَ أن تقول شيئا ، رمقتني بنظرةٍ طويلة ، إنثالت معها كلماتٌ صامتة ، اختصرت الكثير من الحكاية : لستُ بخيرٍ يا شيخي . لم يفِ بما وعَدَت به رجولته . مِزاجيٌّ يقتل كلَّ لحظة . لا يتَّسعُ لسانه إلاّ لما لا يُطاق . أخرَجَني تردُّدُه عنْ سِياقي . بتُّ معزولةً عن كلِّ ما حَولي . بعدَ سبعِ سنينٍ عِجافٍ ، مِنْ زواجٍ تقليدي ، كنتَ أنت شاهدا عليه ، لمْ يَعُد يُشبِهني . ولمْ يَعُد حُزْني يشبهه . إختفَت تفاصيله الصغيرة منْ دواخلي . ودمعٌ حائرٌ يقفُ مُتربِّصا على حواف عينيها ، أكْمَلَتْ بصوتٍ مُرتجف : لم يَعُد قلبيَ يَطير ، تؤلمني دقاتُه المُتكاسلة . تَعجُّ نفسي بتنويعاتٍ من العقوق والخذلان . أجبرتني على صياغة صمتٍ مُخيف رغم هدوئه . تعاطَيتُ الصبر الجميل ونَفَذَ . كنت أتَحَكَّمُ بخوفي من التذمر ، فصِرتُ أخافُ أن ينحرفَ خَطْوِيَ . لا أريد التَّعَوُّدَ على فراغٍ فيه الكثير مما لا يقال ، ولا يَتنهدُ فيه شيءٌ ، إلاّ أصابعي . تنهدت مطولا قبل أن تواصل بصوت يشبه الرجاء : بقايا حنين صامت ، وذكريات تتفلت ، وأمنيات ملجومة تتشبث بالحياة ، تتمنى عليك يا شيخي ، ان تأخذ بيدها إلى شيء منَ النور . إنتبهنا لقرع الأجراس ، إتّجهنا إلى الكنيسة وهي ترفع شالها فوق رأسها . جلسنا في الصف الأخير . وهي تتابع القس ومساعده الشماس ، كنت اتأمل في رسم السيد المسيح عليه السلام ، وما يحيط بصليبه من ايقونات ، ولساني يلهج بحمد الله واستغفاره والدعاء لوالِدَيَّ . بعد المناولة مباشرة ، خرجنا إلى حيث كنا قبل الصلاة نجلس ، تمعنت في عينيها ، وأصابع يدي اليمنى تداعب سبحتي ، قلت : أعلم كم أنت كثيرةٌ ، نبعٌ لا يشيخ ولا يمل . ومع هذا أود التأكيد لك ، على أن بعض افتراضات الحياة العامة لزجة ، تشَوِّشُ الرؤية ولا تصلح للإستنتاج . منها الظن أنَّ هناك فِقهٌ مُتكاملٌ للحياة ، يُغطي بنفس الدرجة من الجُهوزيَّةِ ، جميعَ التحولات فيها . من الخطورة بمكان ، نسخ تجربةٍ أو تلفيقُ فقهٍ إنتقائي هجين . والأخطر من ذلك ، التشبه بالمقارنة ، والتعميم بلا تخصيص . الشراكة يا سيدتي كالقفز من مكان عال ، عقلك ينهرك أن لا تفعلي كي لا تموتي ، وقلبك يوشوشك أن لا تقلقي فبإمكانك الطيران . كان عليك أن تدركي منذ البدء ، أن هناك أنواعا كثيرة للغرق غير الماء ، وللقتل غير الرصاص . النَّقُّ واللسانُ السليط والمحاصرة والترصُّد وسيمفونيات العتاب ، والغضب الطفولي والكيد الساذج ، اخطر من الماء والرصاص . ومن ثم أقول على العموم : حين نشارك ، علينا أن ندرك أن الأشياء الجميلة لا تأتي إلا مشتركة ، لا تُنْتَظَر ولا تُطْلَبْ من الآخر ، بل باولويات تُصنع وتجدد بالتوافق المشترك ، وتُلون معا . الشراكة ليست سوقا للتداول والمقايضة الفظة ، ولا تلتزم بقانون المرابحة : إن حَبِّتْني أحِبَّك أكثر . قالت بقلق : وإن أتت على قلبك لحظاتٌ وإشارات أثقل من الجبال ، ماذا تفعل لتتوقف عن ظلم نفسك ؟! سارَعْتُ مُقاطعا وأنا أنقل السبحة إلى أصابع يدي اليسرى : من الحقائق المُرَّة في الشراكة ، أن في كل حقبة منها خصومات ، لكنها ليست حواضن للإكتئاب ، بقدر ما هي منصات لإنطلاق جديد . قالت بشي من التشكيك المُتعجب : كيف ؟! قلت بيقين : حالات النفورمن البدايات غير المتوقعة ، تسبق في العادة الضجر من التصحر ، بضمة أوبسمة أو ومضة عين أو قبله عابرة عشوائية . فقبل أن تصبح العلاقة نوعا من الطلاق الصامت ، يتم الجفاء بين أركان العقل والقلب ، وتتساوى الأشياء فيها كالماء ، لا طعم ولا لون ولا رائحة . إذا بتِّ عاجزةً عن الأمساك بصدى صراخك ، ولتكن النهايات كما تريدينها ، تحزّمي بصبرك واحملي ما تبقى منك ، وارحلي بهدوء . إمضي بلا وجل ، والقِ وسادتك حيث تستريح روحك ، وتلاقي ضحكتك ، وهناك ابني لك بيتا . ولأن التعود يخدع صاحبه ، إبتعدي بلا أسف ، عمَّن بالتَّعمُّد أضلَّ طريقك . إن لم يعجبك مكانك ، قومي بتغييره ، فأنت لست شجرة في غابة لتثبتي مكانك ، ولا جلمود صخر . حتى الطيور تهاجر من سماء فسد فضاؤه . إذا لم تكوني في الأماكن التي تحبينها ، فأنت لاجئة أينما كنت . وأنت تتلفتين على أرصفة الحياة من حولك ، إفتحي بصيرتك وُسْعَ جِراحك ، فهي مكتظة بشركاء محتملين ، يبحثون مثلك عمَّن يوقِدُ نارا ويعزز ما يضمر في الصدور . وحين تلتقين من يعتنق روحك ، تذكري أن الحب كالتدين لا إكراه فيه ، ولا تعصب وتذكري أنَّ أيَّ شراكة لا تؤيَّدُ بحسن التدبير ، والصبر الجميل ، والتفهم المتسامح ، والمغفرة المتجددة ، تتفسخ وتتلاشى . ساعَتَها ، لا تقولي إنَّ الدنيا تُعطيني ظهرَها ، فأنت يا سيدتي من يجلس في المكان الغلط . إن في الحب أشياءٌ كثيرةٌ جميلةٌ ، تستحق الصبر من أجلها ، قبل إعلان الموت بالصمت .
رفيقةٌ يافاوية مُناضلةٌ عتيقة ، ممن يَجرُؤنَ على الخروج بلا ماكياج ، لم ألتقيها منذ تزوجت . جاءت إلى قدّاس الأحد بثوبٍ أسود بسيط ، تَلْحمِيُّ التطريز . تلفُّ عنقَها الجميل دون رأسها ، بشالٍ أبيض مُطرَّزٍ هو الآخر . في عينيها حزنٌ داكنٌ مُوشّى بغضبٍ ظاهر . كانت تختنق بدمعٍ يأبى مغادرة مَنابعه وسَواقيه . أطْرَقْتُ مُتجهِّما حين رأتني بانتظارها أتمشى في باحة الكنيسة . سرعان ما انتبذنا مكانا قصيا. وما أن جلسنا تحت زيتونة ضخمة هناك ، وقبلَ أن تقول شيئا ، رمقتني بنظرةٍ طويلة ، إنثالت معها كلماتٌ صامتة ، اختصرت الكثير من الحكاية : لستُ بخيرٍ يا شيخي . لم يفِ بما وعَدَت به رجولته . مِزاجيٌّ يقتل كلَّ لحظة . لا يتَّسعُ لسانه إلاّ لما لا يُطاق . أخرَجَني تردُّدُه عنْ سِياقي . بتُّ معزولةً عن كلِّ ما حَولي . بعدَ سبعِ سنينٍ عِجافٍ ، مِنْ زواجٍ تقليدي ، كنتَ أنت شاهدا عليه ، لمْ يَعُد يُشبِهني . ولمْ يَعُد حُزْني يشبهه . إختفَت تفاصيله الصغيرة منْ دواخلي . ودمعٌ حائرٌ يقفُ مُتربِّصا على حواف عينيها ، أكْمَلَتْ بصوتٍ مُرتجف : لم يَعُد قلبيَ يَطير ، تؤلمني دقاتُه المُتكاسلة . تَعجُّ نفسي بتنويعاتٍ من العقوق والخذلان . أجبرتني على صياغة صمتٍ مُخيف رغم هدوئه . تعاطَيتُ الصبر الجميل ونَفَذَ . كنت أتَحَكَّمُ بخوفي من التذمر ، فصِرتُ أخافُ أن ينحرفَ خَطْوِيَ . لا أريد التَّعَوُّدَ على فراغٍ فيه الكثير مما لا يقال ، ولا يَتنهدُ فيه شيءٌ ، إلاّ أصابعي . تنهدت مطولا قبل أن تواصل بصوت يشبه الرجاء : بقايا حنين صامت ، وذكريات تتفلت ، وأمنيات ملجومة تتشبث بالحياة ، تتمنى عليك يا شيخي ، ان تأخذ بيدها إلى شيء منَ النور . إنتبهنا لقرع الأجراس ، إتّجهنا إلى الكنيسة وهي ترفع شالها فوق رأسها . جلسنا في الصف الأخير . وهي تتابع القس ومساعده الشماس ، كنت اتأمل في رسم السيد المسيح عليه السلام ، وما يحيط بصليبه من ايقونات ، ولساني يلهج بحمد الله واستغفاره والدعاء لوالِدَيَّ . بعد المناولة مباشرة ، خرجنا إلى حيث كنا قبل الصلاة نجلس ، تمعنت في عينيها ، وأصابع يدي اليمنى تداعب سبحتي ، قلت : أعلم كم أنت كثيرةٌ ، نبعٌ لا يشيخ ولا يمل . ومع هذا أود التأكيد لك ، على أن بعض افتراضات الحياة العامة لزجة ، تشَوِّشُ الرؤية ولا تصلح للإستنتاج . منها الظن أنَّ هناك فِقهٌ مُتكاملٌ للحياة ، يُغطي بنفس الدرجة من الجُهوزيَّةِ ، جميعَ التحولات فيها . من الخطورة بمكان ، نسخ تجربةٍ أو تلفيقُ فقهٍ إنتقائي هجين . والأخطر من ذلك ، التشبه بالمقارنة ، والتعميم بلا تخصيص . الشراكة يا سيدتي كالقفز من مكان عال ، عقلك ينهرك أن لا تفعلي كي لا تموتي ، وقلبك يوشوشك أن لا تقلقي فبإمكانك الطيران . كان عليك أن تدركي منذ البدء ، أن هناك أنواعا كثيرة للغرق غير الماء ، وللقتل غير الرصاص . النَّقُّ واللسانُ السليط والمحاصرة والترصُّد وسيمفونيات العتاب ، والغضب الطفولي والكيد الساذج ، اخطر من الماء والرصاص . ومن ثم أقول على العموم : حين نشارك ، علينا أن ندرك أن الأشياء الجميلة لا تأتي إلا مشتركة ، لا تُنْتَظَر ولا تُطْلَبْ من الآخر ، بل باولويات تُصنع وتجدد بالتوافق المشترك ، وتُلون معا . الشراكة ليست سوقا للتداول والمقايضة الفظة ، ولا تلتزم بقانون المرابحة : إن حَبِّتْني أحِبَّك أكثر . قالت بقلق : وإن أتت على قلبك لحظاتٌ وإشارات أثقل من الجبال ، ماذا تفعل لتتوقف عن ظلم نفسك ؟! سارَعْتُ مُقاطعا وأنا أنقل السبحة إلى أصابع يدي اليسرى : من الحقائق المُرَّة في الشراكة ، أن في كل حقبة منها خصومات ، لكنها ليست حواضن للإكتئاب ، بقدر ما هي منصات لإنطلاق جديد . قالت بشي من التشكيك المُتعجب : كيف ؟! قلت بيقين : حالات النفورمن البدايات غير المتوقعة ، تسبق في العادة الضجر من التصحر ، بضمة أوبسمة أو ومضة عين أو قبله عابرة عشوائية . فقبل أن تصبح العلاقة نوعا من الطلاق الصامت ، يتم الجفاء بين أركان العقل والقلب ، وتتساوى الأشياء فيها كالماء ، لا طعم ولا لون ولا رائحة . إذا بتِّ عاجزةً عن الأمساك بصدى صراخك ، ولتكن النهايات كما تريدينها ، تحزّمي بصبرك واحملي ما تبقى منك ، وارحلي بهدوء . إمضي بلا وجل ، والقِ وسادتك حيث تستريح روحك ، وتلاقي ضحكتك ، وهناك ابني لك بيتا . ولأن التعود يخدع صاحبه ، إبتعدي بلا أسف ، عمَّن بالتَّعمُّد أضلَّ طريقك . إن لم يعجبك مكانك ، قومي بتغييره ، فأنت لست شجرة في غابة لتثبتي مكانك ، ولا جلمود صخر . حتى الطيور تهاجر من سماء فسد فضاؤه . إذا لم تكوني في الأماكن التي تحبينها ، فأنت لاجئة أينما كنت . وأنت تتلفتين على أرصفة الحياة من حولك ، إفتحي بصيرتك وُسْعَ جِراحك ، فهي مكتظة بشركاء محتملين ، يبحثون مثلك عمَّن يوقِدُ نارا ويعزز ما يضمر في الصدور . وحين تلتقين من يعتنق روحك ، تذكري أن الحب كالتدين لا إكراه فيه ، ولا تعصب وتذكري أنَّ أيَّ شراكة لا تؤيَّدُ بحسن التدبير ، والصبر الجميل ، والتفهم المتسامح ، والمغفرة المتجددة ، تتفسخ وتتلاشى . ساعَتَها ، لا تقولي إنَّ الدنيا تُعطيني ظهرَها ، فأنت يا سيدتي من يجلس في المكان الغلط . إن في الحب أشياءٌ كثيرةٌ جميلةٌ ، تستحق الصبر من أجلها ، قبل إعلان الموت بالصمت .
رفيقةٌ يافاوية مُناضلةٌ عتيقة ، ممن يَجرُؤنَ على الخروج بلا ماكياج ، لم ألتقيها منذ تزوجت . جاءت إلى قدّاس الأحد بثوبٍ أسود بسيط ، تَلْحمِيُّ التطريز . تلفُّ عنقَها الجميل دون رأسها ، بشالٍ أبيض مُطرَّزٍ هو الآخر . في عينيها حزنٌ داكنٌ مُوشّى بغضبٍ ظاهر . كانت تختنق بدمعٍ يأبى مغادرة مَنابعه وسَواقيه . أطْرَقْتُ مُتجهِّما حين رأتني بانتظارها أتمشى في باحة الكنيسة . سرعان ما انتبذنا مكانا قصيا. وما أن جلسنا تحت زيتونة ضخمة هناك ، وقبلَ أن تقول شيئا ، رمقتني بنظرةٍ طويلة ، إنثالت معها كلماتٌ صامتة ، اختصرت الكثير من الحكاية : لستُ بخيرٍ يا شيخي . لم يفِ بما وعَدَت به رجولته . مِزاجيٌّ يقتل كلَّ لحظة . لا يتَّسعُ لسانه إلاّ لما لا يُطاق . أخرَجَني تردُّدُه عنْ سِياقي . بتُّ معزولةً عن كلِّ ما حَولي . بعدَ سبعِ سنينٍ عِجافٍ ، مِنْ زواجٍ تقليدي ، كنتَ أنت شاهدا عليه ، لمْ يَعُد يُشبِهني . ولمْ يَعُد حُزْني يشبهه . إختفَت تفاصيله الصغيرة منْ دواخلي . ودمعٌ حائرٌ يقفُ مُتربِّصا على حواف عينيها ، أكْمَلَتْ بصوتٍ مُرتجف : لم يَعُد قلبيَ يَطير ، تؤلمني دقاتُه المُتكاسلة . تَعجُّ نفسي بتنويعاتٍ من العقوق والخذلان . أجبرتني على صياغة صمتٍ مُخيف رغم هدوئه . تعاطَيتُ الصبر الجميل ونَفَذَ . كنت أتَحَكَّمُ بخوفي من التذمر ، فصِرتُ أخافُ أن ينحرفَ خَطْوِيَ . لا أريد التَّعَوُّدَ على فراغٍ فيه الكثير مما لا يقال ، ولا يَتنهدُ فيه شيءٌ ، إلاّ أصابعي . تنهدت مطولا قبل أن تواصل بصوت يشبه الرجاء : بقايا حنين صامت ، وذكريات تتفلت ، وأمنيات ملجومة تتشبث بالحياة ، تتمنى عليك يا شيخي ، ان تأخذ بيدها إلى شيء منَ النور . إنتبهنا لقرع الأجراس ، إتّجهنا إلى الكنيسة وهي ترفع شالها فوق رأسها . جلسنا في الصف الأخير . وهي تتابع القس ومساعده الشماس ، كنت اتأمل في رسم السيد المسيح عليه السلام ، وما يحيط بصليبه من ايقونات ، ولساني يلهج بحمد الله واستغفاره والدعاء لوالِدَيَّ . بعد المناولة مباشرة ، خرجنا إلى حيث كنا قبل الصلاة نجلس ، تمعنت في عينيها ، وأصابع يدي اليمنى تداعب سبحتي ، قلت : أعلم كم أنت كثيرةٌ ، نبعٌ لا يشيخ ولا يمل . ومع هذا أود التأكيد لك ، على أن بعض افتراضات الحياة العامة لزجة ، تشَوِّشُ الرؤية ولا تصلح للإستنتاج . منها الظن أنَّ هناك فِقهٌ مُتكاملٌ للحياة ، يُغطي بنفس الدرجة من الجُهوزيَّةِ ، جميعَ التحولات فيها . من الخطورة بمكان ، نسخ تجربةٍ أو تلفيقُ فقهٍ إنتقائي هجين . والأخطر من ذلك ، التشبه بالمقارنة ، والتعميم بلا تخصيص . الشراكة يا سيدتي كالقفز من مكان عال ، عقلك ينهرك أن لا تفعلي كي لا تموتي ، وقلبك يوشوشك أن لا تقلقي فبإمكانك الطيران . كان عليك أن تدركي منذ البدء ، أن هناك أنواعا كثيرة للغرق غير الماء ، وللقتل غير الرصاص . النَّقُّ واللسانُ السليط والمحاصرة والترصُّد وسيمفونيات العتاب ، والغضب الطفولي والكيد الساذج ، اخطر من الماء والرصاص . ومن ثم أقول على العموم : حين نشارك ، علينا أن ندرك أن الأشياء الجميلة لا تأتي إلا مشتركة ، لا تُنْتَظَر ولا تُطْلَبْ من الآخر ، بل باولويات تُصنع وتجدد بالتوافق المشترك ، وتُلون معا . الشراكة ليست سوقا للتداول والمقايضة الفظة ، ولا تلتزم بقانون المرابحة : إن حَبِّتْني أحِبَّك أكثر . قالت بقلق : وإن أتت على قلبك لحظاتٌ وإشارات أثقل من الجبال ، ماذا تفعل لتتوقف عن ظلم نفسك ؟! سارَعْتُ مُقاطعا وأنا أنقل السبحة إلى أصابع يدي اليسرى : من الحقائق المُرَّة في الشراكة ، أن في كل حقبة منها خصومات ، لكنها ليست حواضن للإكتئاب ، بقدر ما هي منصات لإنطلاق جديد . قالت بشي من التشكيك المُتعجب : كيف ؟! قلت بيقين : حالات النفورمن البدايات غير المتوقعة ، تسبق في العادة الضجر من التصحر ، بضمة أوبسمة أو ومضة عين أو قبله عابرة عشوائية . فقبل أن تصبح العلاقة نوعا من الطلاق الصامت ، يتم الجفاء بين أركان العقل والقلب ، وتتساوى الأشياء فيها كالماء ، لا طعم ولا لون ولا رائحة . إذا بتِّ عاجزةً عن الأمساك بصدى صراخك ، ولتكن النهايات كما تريدينها ، تحزّمي بصبرك واحملي ما تبقى منك ، وارحلي بهدوء . إمضي بلا وجل ، والقِ وسادتك حيث تستريح روحك ، وتلاقي ضحكتك ، وهناك ابني لك بيتا . ولأن التعود يخدع صاحبه ، إبتعدي بلا أسف ، عمَّن بالتَّعمُّد أضلَّ طريقك . إن لم يعجبك مكانك ، قومي بتغييره ، فأنت لست شجرة في غابة لتثبتي مكانك ، ولا جلمود صخر . حتى الطيور تهاجر من سماء فسد فضاؤه . إذا لم تكوني في الأماكن التي تحبينها ، فأنت لاجئة أينما كنت . وأنت تتلفتين على أرصفة الحياة من حولك ، إفتحي بصيرتك وُسْعَ جِراحك ، فهي مكتظة بشركاء محتملين ، يبحثون مثلك عمَّن يوقِدُ نارا ويعزز ما يضمر في الصدور . وحين تلتقين من يعتنق روحك ، تذكري أن الحب كالتدين لا إكراه فيه ، ولا تعصب وتذكري أنَّ أيَّ شراكة لا تؤيَّدُ بحسن التدبير ، والصبر الجميل ، والتفهم المتسامح ، والمغفرة المتجددة ، تتفسخ وتتلاشى . ساعَتَها ، لا تقولي إنَّ الدنيا تُعطيني ظهرَها ، فأنت يا سيدتي من يجلس في المكان الغلط . إن في الحب أشياءٌ كثيرةٌ جميلةٌ ، تستحق الصبر من أجلها ، قبل إعلان الموت بالصمت .
التعليقات
التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت عَشوائياتٌ في الحب
طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور
اظهار التعليقات
التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت عَشوائياتٌ في الحب
رفيقةٌ يافاوية مُناضلةٌ عتيقة ، ممن يَجرُؤنَ على الخروج بلا ماكياج ، لم ألتقيها منذ تزوجت . جاءت إلى قدّاس الأحد بثوبٍ أسود بسيط ، تَلْحمِيُّ التطريز . تلفُّ عنقَها الجميل دون رأسها ، بشالٍ أبيض مُطرَّزٍ هو الآخر . في عينيها حزنٌ داكنٌ مُوشّى بغضبٍ ظاهر . كانت تختنق بدمعٍ يأبى مغادرة مَنابعه وسَواقيه . أطْرَقْتُ مُتجهِّما حين رأتني بانتظارها أتمشى في باحة الكنيسة . سرعان ما انتبذنا مكانا قصيا. وما أن جلسنا تحت زيتونة ضخمة هناك ، وقبلَ أن تقول شيئا ، رمقتني بنظرةٍ طويلة ، إنثالت معها كلماتٌ صامتة ، اختصرت الكثير من الحكاية : لستُ بخيرٍ يا شيخي . لم يفِ بما وعَدَت به رجولته . مِزاجيٌّ يقتل كلَّ لحظة . لا يتَّسعُ لسانه إلاّ لما لا يُطاق . أخرَجَني تردُّدُه عنْ سِياقي . بتُّ معزولةً عن كلِّ ما حَولي . بعدَ سبعِ سنينٍ عِجافٍ ، مِنْ زواجٍ تقليدي ، كنتَ أنت شاهدا عليه ، لمْ يَعُد يُشبِهني . ولمْ يَعُد حُزْني يشبهه . إختفَت تفاصيله الصغيرة منْ دواخلي . ودمعٌ حائرٌ يقفُ مُتربِّصا على حواف عينيها ، أكْمَلَتْ بصوتٍ مُرتجف : لم يَعُد قلبيَ يَطير ، تؤلمني دقاتُه المُتكاسلة . تَعجُّ نفسي بتنويعاتٍ من العقوق والخذلان . أجبرتني على صياغة صمتٍ مُخيف رغم هدوئه . تعاطَيتُ الصبر الجميل ونَفَذَ . كنت أتَحَكَّمُ بخوفي من التذمر ، فصِرتُ أخافُ أن ينحرفَ خَطْوِيَ . لا أريد التَّعَوُّدَ على فراغٍ فيه الكثير مما لا يقال ، ولا يَتنهدُ فيه شيءٌ ، إلاّ أصابعي . تنهدت مطولا قبل أن تواصل بصوت يشبه الرجاء : بقايا حنين صامت ، وذكريات تتفلت ، وأمنيات ملجومة تتشبث بالحياة ، تتمنى عليك يا شيخي ، ان تأخذ بيدها إلى شيء منَ النور . إنتبهنا لقرع الأجراس ، إتّجهنا إلى الكنيسة وهي ترفع شالها فوق رأسها . جلسنا في الصف الأخير . وهي تتابع القس ومساعده الشماس ، كنت اتأمل في رسم السيد المسيح عليه السلام ، وما يحيط بصليبه من ايقونات ، ولساني يلهج بحمد الله واستغفاره والدعاء لوالِدَيَّ . بعد المناولة مباشرة ، خرجنا إلى حيث كنا قبل الصلاة نجلس ، تمعنت في عينيها ، وأصابع يدي اليمنى تداعب سبحتي ، قلت : أعلم كم أنت كثيرةٌ ، نبعٌ لا يشيخ ولا يمل . ومع هذا أود التأكيد لك ، على أن بعض افتراضات الحياة العامة لزجة ، تشَوِّشُ الرؤية ولا تصلح للإستنتاج . منها الظن أنَّ هناك فِقهٌ مُتكاملٌ للحياة ، يُغطي بنفس الدرجة من الجُهوزيَّةِ ، جميعَ التحولات فيها . من الخطورة بمكان ، نسخ تجربةٍ أو تلفيقُ فقهٍ إنتقائي هجين . والأخطر من ذلك ، التشبه بالمقارنة ، والتعميم بلا تخصيص . الشراكة يا سيدتي كالقفز من مكان عال ، عقلك ينهرك أن لا تفعلي كي لا تموتي ، وقلبك يوشوشك أن لا تقلقي فبإمكانك الطيران . كان عليك أن تدركي منذ البدء ، أن هناك أنواعا كثيرة للغرق غير الماء ، وللقتل غير الرصاص . النَّقُّ واللسانُ السليط والمحاصرة والترصُّد وسيمفونيات العتاب ، والغضب الطفولي والكيد الساذج ، اخطر من الماء والرصاص . ومن ثم أقول على العموم : حين نشارك ، علينا أن ندرك أن الأشياء الجميلة لا تأتي إلا مشتركة ، لا تُنْتَظَر ولا تُطْلَبْ من الآخر ، بل باولويات تُصنع وتجدد بالتوافق المشترك ، وتُلون معا . الشراكة ليست سوقا للتداول والمقايضة الفظة ، ولا تلتزم بقانون المرابحة : إن حَبِّتْني أحِبَّك أكثر . قالت بقلق : وإن أتت على قلبك لحظاتٌ وإشارات أثقل من الجبال ، ماذا تفعل لتتوقف عن ظلم نفسك ؟! سارَعْتُ مُقاطعا وأنا أنقل السبحة إلى أصابع يدي اليسرى : من الحقائق المُرَّة في الشراكة ، أن في كل حقبة منها خصومات ، لكنها ليست حواضن للإكتئاب ، بقدر ما هي منصات لإنطلاق جديد . قالت بشي من التشكيك المُتعجب : كيف ؟! قلت بيقين : حالات النفورمن البدايات غير المتوقعة ، تسبق في العادة الضجر من التصحر ، بضمة أوبسمة أو ومضة عين أو قبله عابرة عشوائية . فقبل أن تصبح العلاقة نوعا من الطلاق الصامت ، يتم الجفاء بين أركان العقل والقلب ، وتتساوى الأشياء فيها كالماء ، لا طعم ولا لون ولا رائحة . إذا بتِّ عاجزةً عن الأمساك بصدى صراخك ، ولتكن النهايات كما تريدينها ، تحزّمي بصبرك واحملي ما تبقى منك ، وارحلي بهدوء . إمضي بلا وجل ، والقِ وسادتك حيث تستريح روحك ، وتلاقي ضحكتك ، وهناك ابني لك بيتا . ولأن التعود يخدع صاحبه ، إبتعدي بلا أسف ، عمَّن بالتَّعمُّد أضلَّ طريقك . إن لم يعجبك مكانك ، قومي بتغييره ، فأنت لست شجرة في غابة لتثبتي مكانك ، ولا جلمود صخر . حتى الطيور تهاجر من سماء فسد فضاؤه . إذا لم تكوني في الأماكن التي تحبينها ، فأنت لاجئة أينما كنت . وأنت تتلفتين على أرصفة الحياة من حولك ، إفتحي بصيرتك وُسْعَ جِراحك ، فهي مكتظة بشركاء محتملين ، يبحثون مثلك عمَّن يوقِدُ نارا ويعزز ما يضمر في الصدور . وحين تلتقين من يعتنق روحك ، تذكري أن الحب كالتدين لا إكراه فيه ، ولا تعصب وتذكري أنَّ أيَّ شراكة لا تؤيَّدُ بحسن التدبير ، والصبر الجميل ، والتفهم المتسامح ، والمغفرة المتجددة ، تتفسخ وتتلاشى . ساعَتَها ، لا تقولي إنَّ الدنيا تُعطيني ظهرَها ، فأنت يا سيدتي من يجلس في المكان الغلط . إن في الحب أشياءٌ كثيرةٌ جميلةٌ ، تستحق الصبر من أجلها ، قبل إعلان الموت بالصمت .
التعليقات