طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

ناصر جودة .. لغة ديبلوماسية متنوعة الوتيرة بين السهل الودود والممتنع السلس


خاص- رائده الشلالفه - في لقاء صحفي قبل عدة أعوام، وفي معرض حوار يتعلق بالسياسات الحكومية والاعلام الاردني، كان وقتها ناصر جودة مديرا عاما للتلفزيون الاردني ، وخروجا عن اسئلة السياسة وصنع القرار وبعيدا عن الاحتقان الذي تسببه الحوارات السياسية بنفس المحاور وضيفه، قد أكون وقتها قد فاجأته بسؤال مباشر دون سابق انذار ودون تمهيد لطبيعة وشكل السؤال، حين بادرته بسؤالي له:
 حينما تأخذك الحياة بارهاصاتها وضغوطها وحال وصولك لمرحلة نفسية يعجز خلالها عقلك عن الاستيعاب والتعاطي مع ما يحيط بك من دوامة العمل والحراك ، لمن تلجأ؟؟
 
وبعفوية طفل يسكن رجلا أجاب بحنّو ودفء : الى أمي. الامر الذي شجعني حينها للمضي بأسئلة تخاطب ناصر جودة ابن عمان شأنه شأن اي مواطن، فكان سؤالي له " اي مناطق عمان أقرب الى قلبك وتجد فيها نفسك؟؟
 
وعلى غير ما توقعت حينها وزميلي الذي كان يقود دفة الحوار اسامة الراميني، أجاب ناصر: احب عمان الشرقية ليلا.. تأسرني عمان منتصف الليل وقد نامت المدينة وغفت أرصفتها واحلام اهلها، ويجذبني أكثر المدرج الروماني وقد جثم ليلا في قلب عمان ليس يعيدا عن الجامع الحسيني الذي يحيل وسط البلد ليلا الى مناخ صوفي يدفعك للتأمل وعبادة الخالق فيما مأذنته تحدّث عن عمان الامس والحاضر والقادم.

رجل انتزع حضورا قويا في المشهد الاعلامي الاردني منذ بدايات ظهوره كرجل اعلام، شخصية اعلامية حظيت بمودة زملاء المهنة واحترامهم قبلا، ليتسيد ناصر جودة كشخصية إعلامية الحراك الاعلامي الرسمي في اكثر من منصب ومنبر.

يتمتع ناصر جودة بحضور طاغ وطلة محببة لدى الاخرين، سيما وان الرجل تلفتك به عفوية وتلقائية تجعل منه قريبا ومحببا للقلب.

صاحب لغة ديبلوماسية متنوعة الوتيرة بين السهل الودود والممتنع السلس، لا يجد صعوبة في كسب احترام محاوريه ، وبالسياق ذاته مترصديه !!

ودون اسراف او مجاملة نستطيع القول بان ناصر جودة شكّل ما يشبه العلامة المتميزة في الحراك الاعلامي الاردني رسميا وشعبيا، ولا سبيل لاحد من ان ينكر تلك الطلة المحببة لدى الاردنيين حال ظهوره على شاشة التلفزيون الاردني في معرض المؤتمرات الصحفية التي يعقدها سواء خلال وجوده كناطق اعلام للدولة وحتى ايامنا تلك كوزير للخارجية.

يتمتع ناصر جودة بذهنية اعلامية تصل الى درجة الاحتراف، ولم يدخر جهدا في صقل مداخلها بما يتمتع به ايضا من نضج سياسي يعمد الى توشيحه بما يؤمن به من ديمقراطية عصرية استقاها من مجموع خبراته السياسية والاعلامية التي عمل بها.

ناصر جودة ليس طارئا على المشهد الاردني الرسمي او الاعلامي، وبعيدا عن معادلة الامتداد لذاك الشبل من ذاك الاسد، كان لناصر  جودة ان ينهل من الاب سامي جودة كمرجعية حقيقية في بناء وتكوين الشخصية، سيما وان جودة الاب عرف عنه بانه رجل مسكون بالعمل السياسي منذ نعومة اظفاره والتي بدأها "جودة الاب" عندما كان طالبا في المدرسة  واسس عام 1957  حزب اتحاد المزارعين الذي اتخذ مقرا له في مدينة رام الله ، قبل ان يتم اغلاقه بموجب قانون الاحكام العرفية الذي اتخذته حكومة الرئيس سمير الرفاعي عام 1958 ، وكان سامي جودة وزيرا للمواصلات فيها ، بعد الاطاحة بحكومة النابلسي.

ناصر جودة وفي مجمل حراكه الديبلوماسي وبوصفه وزيرا للخارجية تراه مطلعا وملما بالمشهد السياسي العربي قاطبة بما يتعلق ويتعالق مع الموقف السياسي الاردني، ومتوخيا بالصدد ذاته بان يتبنى الوتيرة الشعبية في معرض احترامه للرأي الاخر، بيد ان تصريحاته الرسمية تشوبها نغمة تتوافق والنبض الشعبي حيال الموقف السياسي موضوع الطرح، ولطالما صدح جودة بصوت الحق مدويا فيما يتعلق  بموقف الاردن الداعم والمطلق لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على حد تعبيره في اشارة واضحة منه لضرورة تناغم الموقف الاردني الرسمي مع الموقف الشعبي لضفتي النهر بما يتعلق بقضية العرب الاولى القضية الفلسطينية.

ولا يدخر جودة جهدا في نسج علاقة تحكمها الاصالة والمواقفية مع القادة والديبلوماسيين العرب، حاملا الرسالة الملكية السامية في التعاطي مع الخارطة العربية قيادة وموقفا وشعبا بما يتوافق وموقف الاردن الداعي لمزيد من الصلات الحميمة الايجابية مع دول الجوار، حاصة ودول العالم بوجه عام.

حرص ناصر جودة على التقاط المؤشرات السياسية العالمية التي تصب قنواتها في المنطقة بما يضمن صون وحماية الموقف الاردني تجاه قضايانا الوطنية والعربية، ومؤكدا في اكثر من مقام على احترام سياسات الدول في تعاطيها مع الشأن الاردني والعربي حماية للمشروع العربي النهضوي الذي تعد عملية استقرار المنطقة العربية نواة له، وجهد اكثر في تفعيل خطه الاستشرافي لما تقول به معطيات القرار الامريكي الخاص بالمنطقة العربية، معتبرا ما يصدر عن الادارة الامريكية شأنا يجب علينا الالتزام به  وتحمل تجاهه بهدف عدم السماح لاي كان ان يعرقل المساعي الجادة لاحلال الامن والاستقرار في المنطقة.

ولا يخفى على المتتبع للنشاط الديبلوماسي الذي يبذله ناصر جودة من اكتشاف ايمانه باستثمار اي  فرصة حقيقية للسلام مشترطا ان تنبثق اساسا من التزام القوى المؤثرة الرئيسية في الولايات المتحدة الامريكية وكذلك ضرورة استنادها الى حيثيات المشهد العربي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بحيث لا تكون على حساب الكاهل العربي الذي بحسب جودة لم يتوان عن تكثيف جهده كقوام عربي في التحرك السياسي والديبلوماسي لكسب مسار بناّاء يخدم قضايانا العربية على الساحة العالمية.


جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/13730