الطريق الى بيت المقدس


مشاعر فرح ممزوجة بالدموع ، مشاعر ألم وقهر عميق تفجر من داخلي عند وصولنا أول معبر حدودي باتجاه مدينتي القدس...هم يريدون لنا أن لا نصل إليها، بكل برودة أعصاب ولامبالاه ، بالأعداد المتكدسة بانتظار هذا الختم الذي لا بد منه على هذه الوريقة التي يسمونها تأشيرة للدخول ، تجلس الموظفة المتعجرفة من وراء الزجاج وتدعك تنتظر وتنتظر...وهي مشغولة بالحديث أو الضحك مع من حولها ، وتلوك في فمها العلكة ، وترى فى نفسها بالمرآة... وحين يأتي دورك وقد أصابك الملل والضيق ، والعطش ، وربما الإختناق ، تغلق نافذتها الزجاجية ، وتغيب لتعود مرة أخرى...بعد ساعة...أو ساعتين...أربع ساعات طوال بانتظار الدور ، أحسست فيها أنني أفقد الحياة ، أمام نافذة الإنتظار...

لماذا؟؟ لأنني أصابني الشوق والحنين لرؤية الأهل هناك ، على الضفة الثانية من النهر... فأنا انتظرت خمسة وأربعين عاما ، رافضة الزيارة...حالمة وأمنّي النفس بأن آتي الى القدس بطريقة آدمية ، رافعة رأسي شامخة ، أعود لمسقط رأسي لألقي التحية على من سبقونا الى الله...لاأعرف أين مدافنهم ، ولاأعرف أين بيت جدي وأبي...لماذا يعاملوننا وكأننا قطيع من الأغنام؟؟ ونحن أصحاب الحق والأرض...أين المعاملة بالمثل يا وزارة الخارجية؟؟ أين الاتفاقيات الدولية يا سفارتنا؟؟ طبعا الاحتجاج مرفوض وغير ممكن ، لأنك أمام محتل غاصب.

ومررنا... وتم الختم ولم يحلموا برؤية أو لمس جواز السفر... وصلنا باب العامود... لفنا الظلام... ولم نرى من المدينة سوى بعض البنادق لجنود يتجولون في الشارع... المدينة ساكنة نائمة...
في صباح اليوم التالي الذي أشرقت فيه شمس القدس...رأيتها وسمعت أصوات التكبير من مسجدها ، رأيت الأهل وهم يمشون بشوارعها العتيقة ومشيت بينهم ، الحلم أصبح حقيقة... وصليت معهم ، وها أنا في الأقصى... وأحسست أن كل الضيق الذي كان يلفني قد زال عن صدري... عادت روحي إليّ ، عندما رأيت النساء تشق طريقها غير مبالية بهم ، منحتني قوة على المواجهة ، ولم أعد أكترث لوجودهم.

إنه موسم قطف الزيتون ، ها هي وأبنائها وأحفادها يقطفون الزيتون من أرضها ، وأخرى تسقي الياسمين والفل في بيتها، هي أم البدايات وأم النهايات ، وهي معيار الحقيقة ، وصوتها ورحها ، وهي التجسيد الحي لحجم المؤامرة ، وحجم الصمود في هذا الوطن الكبير.

هي القدس ، رامالله ، بيت لحم ، الخليل ، مدن مميزة عن كل مدن العالم ، وهم الصامدون في ساحات الأقصى ، وفي كل ميادين المواجهة ، هم الصمود الأسطوري في وجه أعتى آلة قمع معاصرة ، هم صناع الثورة ،وصناع الربيع في الإنتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية.

فالفلسطينية هي أم لشهيد أو أخت لأسير ، هي المضحية عن وعي وإصرار، ولا تموت بالصدفة ، هي نموذج المرأة المصممة على البقاء من أجل اشهادة ، والحامية لأرضها وبيتها ، المتمسكة بشجرة الزيتون والحاضنة لها ، والرافضة لجدار الفصل العنصري ، لكنها غير آبهة به.

كلهم يقولون ،صامدون، وهذه أرضنا وشجرنا وأقصانا... وليفعلوا ما يشاؤون... فنحن باقون.
محاسن الإمام



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات