الجيش عربي والمقاتلين فدائيون


كثُر الطلب في عمّان على التنك الفارغ ليس بسبب العمَار، بل على العكس تماما فإن للدمار لوازمه أيضاً. لتنكة الزيت شكل مكعب بستة جوانب وهي تصلح لعدة إستعمالات بعد إزالة الجانب العلوي بواسطة فتّاحة علب السردين أو بواسطة السكين للمهرة. الإستعمال الأول كان لنقل المياه وكنا نثني أحد جوانب التنكة المفتوحة لحملها، وبعد أن طالت المسافة وشحّت المياه في أيلول الأسود عام 1970 صِرنا نبتكر، فالحاجة أم الإختراع، فصنعنا تنكة بمقبض خشبي وصار حمل تنكة الماء أسهل، وكانت مهمتنا نحن القواريط جلب الماء من شارع السلط ولا طريق إلا من خلال الحُرش. وقد كانت الطريق وعرة بفعل فرق الإرتفاع بين القلعة وشارع السلط المؤدي للبلد، وكنا نحاول أن نصل بالتنكة نصفها ماء على الأقل وتقليل الفاقد على الطريق. وكان لدى المحظوظين منا جلن بلاستيك وأتذكر أنه كان لونه أزرق. متر، مترين، ثلاثة ونريّح ... وهكذا دواليك حتى نصل درج أبو عماد ومن ثم بستان أبو جبر. ولكثرة ما كانت العملية متعبة، صِرنا نوزّع ماء الشرب على بعض بغطاء الجلن الأزرق، والحمّام بالكيلة ومرة في أسبوع.
لم يعد هناك غاز للطهي واستخدمنا التنكة للطبخ بعد قلبها ووضع الحطب بداخلها مع تأمين التهوية بثقبها من جميع الجهات وكانت أم جبر تحضّر جاط العجين المختمر وتوزع قراص لأمي لتفردها بالشوبك. واحد من الشباب كان محتل قرنة الحوش ونصب نفسة خبّاز، وبعد أن حرق خمسة أرغفة وأطعمنا ثلاثة عويس (غير ناضج) اخذت يدة على الشغلة وصار معلم. الطحين كان بيجينا من الجيش وأحيانا بسكوت عسكري ومرة جابولنا تنك ماء وارتحنا من العتالة لأسبوع.
صدقوني، وعلى الرغم أنها كانت علقانة بين الطرفين، إلا أننا كنا جيران وبنحب بعض ونحتمى سوية من الرصاص ونتشارك بالمقسوم. الشغلة كانت أكبر من فهمنا أنا وجبر ومعانا أولاد وبنات الحشحوش. كان بيت أبو جبر كبير وتجمعت عندة خمس عائلات وكنت أحشر حالي حين ميسرة، وشاهدنا ما لا يصح للأطفال رؤيته من دم، بحكم أن خال جبر طبيب وكان يعالج المصابين في الحوش، وسمعنا ما لا يُنسى من أزيز الرصاص وهدير المدافع.
أسودّت عمّان في أيلول ... وأشرقت شمسها في أيلول، واستعادت معشوقتي عافيتها وذهبنا إلى المدرسة وجلسنا ودرسّنا ولعِبنا معاً، فالجيش عربي والمقاتلين فدائيون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات