"الأسود لا يليق بك"


التاسع من نوفمبر لعام 2005 ، تاريخ "مؤجع" عضّ بنواجذه حجر الذاكرة لدى الأردنيين ، ورتق بمشرط الدم النبض الذي لا زال دمعه يفرّ إلى التراب معانقا ، كلما ولِدَ هذا اليوم في سنة جديدة ، حتى أولئك الذين صرخوا صرخة الحياة الأولى بعد هذا اليوم المجنون بالدم ، هم أيضا يذكرون تلك الموجعة ، فقد كانوا حينها كبارا بالحب ، ولا زالوا ، أعناقهم أطول من سوط جلادهم ، وحتى أولئك الذين ماتوا قبل هذا التاريخ الأسود ، هم أيضا أبقوا في جيوب ذواكرهم قطعا من الدمع المُملّح بتراب الأردن ، فقد علم شيوخ الأرض الولّادة ، بأن هذا الوطن المُسَالم لن يبقى سالما ، فالعديد من قراصنة البّر سيرونه سوقا أسيويّا يروّجون فيه تجارة الإرهاب ، ولكن ، هيهات ، تبّت أيديكم يا حمّالة الحطب ، فاليوم لا حلم لكم ولا قوة ، كي تكرّوا الكرّة ، كرّة أخرى ، فالأردن لن يلدغ من جحركم مرتين . 


من إحدى أشكال العناية الإلهية في وطني ، أنه خلق على شاكلة شاب شرقي ممشوق القامة ، وأسمر الملامح ، كأنها قمحاويّة داكنة ، باردة ، عذرا منك وطني "الأسود لا يليق بك" وحبات الدمع لا تناسب لون بشرتك ، وقامتك أشهق من أن تختزل في حقيبة لص ، وعملتُك القديمة عتيقة جدا ، على أن يفهمها أولئك الذين فخّخوا عقولهم بأحزمة من الصحراء الناسفة ، نفثوا الإرهاب من تحت جلودنا ، من تحت موائد طعامنا ، من تحت مرايل أطفالنا ، نفثوا الإرهاب في أحلامنا ، في ضوئنا ، في خبزنا ، في ملحنا ، في طواحين هوائنا ، حتى دمنا أصبحت مفاصله تعاني من هشاشة الإرهاب ،


ويحدث ذات إرهاب ، أن يهمس وطني : شهي سمّكَ أيها الليليّ ، فأنا أقتات عليه ، وأحشو عظامي بالكثير منه ، لأضيّف جراد الشتاء إذا ما زحف نحوي حين موت .

وطني ، حاولوا قتلك ، حاولوا ردمك ، حاولوا وئدك ، حاولوا غدرك ، حاولوا هدمك ، حاولوا جلدك ، حاولوا قطعك ، حاولوا حرقك ،أغدقوك موتا ، لكنك نضجت مع النار ، وتعافيت مع السّم ، أيها الحمقى ، حينما استللتم خناجركم ، وسننتم نصل جوعكم ، لم تسألوا أنفسكم :

هل الوطن يموت ؟


شكرا لك أيها الإرهاب ، واعذرني على عدم مصافحتك ، فأنا متيمم من تراب هذه الأرض ، وأكرر شكري لك كرّة أخرى ، فحينما مررت على أديم أرضنا ، أهال نعلك القذر الغبار عن عن عينيّ اليابسة ، فرأينا أنه لا يوجد في هذا الوطن سوى خندق واحد .

بقلم : حمزة عيسى الفقهاء 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات