الإصلاح لا يتأتى بالمغامرة والتخريب !!


يعرف المطلعون بتاريخ الثورات التي أنجزت دولا ديمقراطية او حققت استقلالا لبلادها ، إن أعظم ما كانت تواجهه تلك الثورات وحراكات الاستقلال والديمقراطية من تحديات ليست الأنظمة المعادية لها أو المحتل نفسه ، بل في بروز اتجاهات متطرفة مغامرة داخل تلك الحراكات الثورية أو الإصلاحية لاتعي أبجديات العمل الثوري أو الإصلاحي ، فكانت دوما تسعى باتجاه التازيم ومواجهة الأنظمة قبل أن تنضج الظروف الموضوعية واستعداد الشارع للتحرك والمساندة التي تهيئ للتغيير او الإصلاح ، وكثيرا ما عطلت تلك الفئات المغامرة أهداف ثوراتها ، بعضها لم يحقق الهدف بعد، كما هي حال ثورات الأكراد وفلسطين والجابون وبعض دول أفريقيه ، وبعضها استطاع أن يحقق أهدافه في الاستقلال و تحقيق الدولة الديمقراطية والإصلاح ، وذلك بفعل إصرار القيادات الثورية والإصلاحية على العمل ضمن الخط الواقعي والمنطقي في حسابات الثورة او التغيير وتطهير كل الأطراف المغامرة وعزلها عن الثورة حتى لا تكون عاملا سلبيا في إفشال الثورة ، وكان أن قام الزعيم غاندي في الهند وبسلمية حراكه والبعد عن التطرف بإزالة الاحتلال البريطاني دون إراقة دماء ، وكذلك فعل الزعيم لينين في روسيا بداية عهد الثورة البلشفية حين قام بطرد وعزل تلك الفئات المغامرة بمصلحة الثورة والوطن ، وكذلك فعلت الثورة الايرلندية الحديثة وقوى التغيير في أوكرانيا وجورجيا وغيرها في دول أمريكا اللاتينية مثل البيرو وتشيلي و أورغواي وغواتيمالا التي حاكموا فيها واعتقلوا رفاقهم من بعض المغامرين ،خشية أن يكونوا عوامل فساد وتخريب على ثورتهم ، و قبلها فعل الزعيم هوشي منه في فيتنام ، حين عزل 32 تنظيما مسلحا يقوده مغامرون في مواجهة المحتل الأمريكي ، أي انه وحتى في مواجهة دولة احتلال ، فلا بد للعقلاء أن يقودوا ويخططوا وينفذوا بعد أن تنضج العوامل الموضوعية المرتبطة بالظروف الداخلية والإقليمية وميزان القوى وغيرها كي تحقق هدفك ...


أقول هذا بمناسبة بروز اتجاهات إصلاحية باتت توصف أنها مغامرة متهورة ، دفعت الحالة الحراكية الإصلاحية إلى التراجع والتقهقر ،ودفعت العديد من الناس باتجاه ليس فقط الخروج من الحراك بل ومعاداته أيضا بسبب بعض ما ظهر على أفرادها من سلوك التطرف والميول نحو تأزيم الشارع والمصادمة ورفع السقوف وتجاوز بعض قيم المجتمع في التعبير عن الرأي ، عكست نفسها بشكل سلبي على اتجاه الناس نحو الحراك ، وأدت إلى اختلافات في وجهات النظر والتوجهات بين أبناء الحراك الواحد حتى داخل القيادة نفسها ،ولا يستبعد أن تنجم عن مصادمات داخلية تدفع كل طرف لإثبات وتحقيق وجهة نظره ومسلكه ، فالبعض يدفع الأمور باتجاه التأزيم والمواجهة والمغامرة غير المحسوبة بقصد أو دون قصد ، والقصد هنا الخشية من وجود أجندة لا تخدم الهدف العام ، لكنها تخدم أجندة خارجية تسعى لإبقاء الوطن ضمن دائرة الأزمات ، فكيف لنا أن نطالب الملك بالإصلاح او إطلاق سراح المعتقلين ورفض قانون المطبوعات والانتخابات والتعديلات ، ونخرج بمسيرات وننظم اعتصامات أمام المؤسسات الرسمية او الديوان الملكي لمطالبة الملك بتحقيقها في وقت تتجاوز بعض الحراكات والشخصيات في مطالبتها كل السقوف المحرمة والممنوعة والمرفوضة شعبيا بحق الملك والعائلة !!


القصد هنا ، أن نحكّم العقل ، وان نلتقط بوعي وإدراك الحلقة الأساس لوضع برنامج إصلاح وطني وطرق تحقيقه ، بعيدا عن المغامرة والمراهقة والتلاعب بعقول ونفوس مراهقين ومندفعين ، فالإصلاح ليس نزوة أو فزعه ، بل هو حركة سياسية تنظيمية تحمل برنامجا وطنيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لا فوضويا ، يتحقق بأدوات عمل حضارية بعيدة كل البعد عن تلك الوسائل التي تستخدمها بعض الحراكات وما يصدر عن بعضها من شعارات أو اطروحات تتناول أشخاص أو حتى خصوصيات البعض لنقول بهم كلمة السوء بلغة رديئة بذيئة يخجل المجتمع من ذكرها ، وبدا أن غالبية الناس تطالب بالإصلاح ، ولكنها ترفض بنفس الوقت المشاركة في الفعاليات بسبب ما يصدر عن بعض الحراكات من شعارات لاتتفق وقيم المجتمع وثقافته ، فبعد أن كانت بعض الحراكات تخرج بالمئات باتت تخرج بالعشرات ردا على تلك التجاوزات ، وحتى داخل تلك الحراكات ، فيلاحظ أن هناك تباينات واختلافات ونزاعات بين أطراف الحراك الواحد بسبب تلك التجاوزات ،مما قد يعرضها للضعف والتراجع والموت المبكر !

لتكن المطالب السياسية والوطنية عقلانية موضوعية ومعقولة تخدم العملية الإصلاحية لا تدمرها ، فمواجهة رجال الأمن ليس بالعمل العقلاني لنظام يحظى بالدعم الشعبي والسياسي حتى من قبل أكثر الأحزاب معارضة للنظام ، وحرق الإطارات أو المصادمة أو اللجوء لرفع السقوف لم ولن يؤدي إلا إلى نتائج وخيمة على الوطن والحركة الإصلاحية نفسها ، ويبدو أن بعض الحراك بدا يعيش أزمات بل و "صراع " وجهات النظر في الكيفية والأداة المستخدمة لتحقيق الإصلاح حتى اللحظة ويسجل تراجعا واضحا في أدائه ، ما لم ينقذه "النسور " ويخرج علينا برفع أسعار تساهم بقلب المزاج العام ،وتدفع الناس للخروج ثانية من جديد نحو الشارع بأدوات ووسائل كان يرفضها بل ويحرمها ، لأن المواطن غير قانع أبدا أن رفع الأسعار المزمع اتخاذه سيكون مقبولا لشعب يعاني ما يعانيه ، وهو قانع أيضا أن سياسات الفساد والنهب وبيع الثروات لم تكن مسئولية الشعب ، بل تعود لفشل تلك السياسات التي أوصلت المواطن لدفع ثمن المغامرات واللعب باقتصاد الوطن ونهب خيراته ،ولم يعد المواطن قادرا على تحمل المزيد من الأعباء الإضافية حتى يدعم الدينار قبل سقوطه ، فأن كنا نطالب بالعقلانية والاعتدال والسلمية في التعبير عن المطالب الإصلاحية حفاظا على الوطن وأمنه واستقراره ، فإننا من جهة أخرى نطالب الدولة بإجاد سبل أخرى لدعم الدينار بعيدا عن جيوب الفقراء الذين يبدو أنهم وحدهم سيدفعون ثمن تلك " الفواتير " في وقت يستحم فيه بعض الفاسدين ب80 لتر من الحليب صباح كل يوم ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات