الشلل الإنساني في الشرق الأوسط على حساب من؟


يمكنني القول أن عطاء الحضارة الغربية إنسانيا لم يعد غربيا، وإنما صار إرثا للإنسانية جمعاء، ولكن عندما تفتقد وحدة النظرة والهدف، تصبح الاتجاهات قائمة على ثقافة التبرير، وإلا كيف تجد اقل شرارة تغدو سعيرا؟ لأنه لا يوجد خلق ولا إبداع ، بل تغذية لكل ما من شأنه التدمير ، في وقت يتجاهل فيه المفكر عن قصد أو بدون قصد أن الفكر أي فكر لا يقف عند حدود قصده ومشيئته ، وإنما يمتد ويتفاعل في خطوط لم يرسمها المفكر ولم يدرك حدودها ، ولن يستطيع السيطرة عليها بعد أن تأخذه أشكال في ذهنية الآخرين ، والغريب أن هذا المفكر قد يدرك مسبقا انه ليس بالرجال يعرف الحق ، ولكن بالحق تعرف الرجال ! 

ومع هذا نقول أن الأمر ليس بمن اختار طواعية لعنة التاريخ ، لان هذا شأنه مفكرا كان أم غير ذلك ، لكن المسألة لدينا ترتبط بالإنسانية والأمن معا ، لهذا فإننا نفترض طيبة القلب ودماثة الأخلاق ومحبة الخلائق ، كصفات طبيعية بكل من يدعي التفقه بالفكر الإنساني أو الدين الرباني ، ولكن كيف والكثير في هذه المنطقة المظلمة ، لا يعي ولا يريد أصلا أن يستوعب أن الأمان أصبح المقابل العملي للوجود الإنساني المهدد ، لكونه الوجه الأخر للحرية وبدونه لا يمكننا الحديث عن أية حقوق إنسانية ، وإلا كيف نقول دعوة إنسانية وامن إنساني؟
المشكلة التي تواجهنا بهذه المنطقة ليس في كونها تحتاج إلى شروط استثنائية ، وإنما بكيفية تفهم النخب السياسية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والدينية ، والتربوية ، والتعليمية لهذه الشروط التي لا بد من إنضاجها ، وذلك لان مجرد الرغبة في الانتقال من الجو التاريخي المسيطر ، إلى الواقع في صورته المباشرة لا تكفي ، لماذا؟

لان التأسيس لمرحلة الواقعية موضوعا وإطارا ، يحتاج إلى إعادة هيكلة ذهنية النخب بداية ضمن إطار الولاء للتضامن الإنساني ، سواء أكانت هذه النخب داخل أم خارج السلطات الحاكمة ، لماذا أيضا؟ لان مفردات عدم تجاوز اللحظة السياسية، ما زالت تسقط شحناتها المكبوتة على آلية العمل بكافة النواحي ، ولعل المراقب لحركة المجتمعات يرى بوضوح كيف أن شعوب العالم جميعها تريد اللحاق بشيء ما ، إلا شعوب هذه المنطقة،، لماذا؟ وهذا هو السؤال الأهم على طاولة الحكومات العربية ، وفي تقديري المتواضع أن جملة الأسباب تتمحور حول عدم الجدية في تبني برامج بناء الإنسان ، الذي ما زال لغاية الآن غير قادر على مصالحة نفسه ، فكيف عندما يتعرض إلى مشكلة الهوية التي ترتبط للأسف الشديد بصراع الذات ضد الأخر؟، وهذا ما يجعل مجرد الانتساب إلى رواد الحضارة الإنسانية خيانة.ما هذا؟ أي تخلف يجعل الشعوب في دوامة الأزمات؟ إلى درجة يصبح الخروج من ابسطها ضربا من المستحيل ، والنتيجة كائنات بشرية تمتلئ بأحزانها فوق أرضية الجوع ، والفقر ، والقهر ، والحرمان ، والجهل ، والتجهيل المتعمد ، شعوب تقدم قربانا على مذابح صراع الذات ضد الأخر، أليس من ابسط حقوق هذه الشعوب أن تعرف على الأقل من هذا الأخر ، ولكن كيف؟ ولكل شيء آفة من جنسه ، حتى الحديد سطا عليه المبرد، وإلا كيف تجد مجرد السؤال عن الأخر كفرا وخيانة ، مع أن الأخر قد يسعى وبشكل جاد من اجل توحيد جزئيات المعالجة عبر قنوات الانفتاح العالمي ، كونه متصالحا مع نفسه ، ومع العلم والفلسفة ، ويستطيع أن يؤاخي بين المتناقضات ولكن من يسمع له؟ من يسمع وهو الضد؟ أرجوكم دعونا فقد نتلمس طريقنا في الحياة ، فمن يملك الوسيلة لا يمكن أن يحرف نتائجها ، وما الذين نسعى إليه غير هوية عصرية تمكنا من دخول حرم الكونية ، هذه ليست مصطلحات وليست غريبة على الإنسانيين المؤمنين «بالوطنية الإنسانية» ولكنها عين الغرابة لكل من يعيش خارج بوابة العصر ، غريبة على كل من حكم على الشريعة بالجمود ، غريبة على كل من لم يستطيع الخلاص الذاتي من وحي الوراثيات ، والعصبيات الدينية والعرقية ، لكونه لا ولن يستطيع جعل الظرف المتغير هو الموجب المقتضى بالحكم الشرعي أو حتى الفكري ، خاصة وانه لم يستوعب بعد ولن يستوعب كيفية تغير الحكم عند تغير الظرف،، نعم لأنه لم يفهم الشريعة من داخل الشريعة ، ولم يكلف نفسه عناء التعمق بفكر البناء الإنساني ، وإنما فهم الشريعة من خارجها ، وفهم فكر البناء الإنسان من قشوره ، وهذا يعني انه من الطبيعي أن يحسب أن كل شيء ضده ، بالتالي هو لا يحكم على الأمور إلا حسبما تقتضي مصالحه لا مصالح الناس.


لهذا تجده اجل من العودة إلى النصوص والى الذات الفكرية الإنسانية ، لماذا؟ لان الاوهام تكفيه وتكفي غيره المتمكنين من أمثاله ، أي خرف أصاب البعض؟ وأي فقدان للذاكرة الدينية والإنسانية؟ ،
نحن يا سادة أمام ثلاث مهمات بنظري جميعها أولويات وهي على النحو التالي: أما الأولى فهي: العمل الجاد يدا بيد مع الإنسانيين ، بغية تشكيل آلية التمر حل المجتمعي بكامل المنطقة ، والصاعد إلى مستوى احتياجات الشعوب ، وهذه تقتضي تطبيق نمط نظامي يحقق لنا إعادة ظهور الطبقة الوسطى في المنطقة الأوسطية ، هذه الطبقة التي تقع عليها مسؤولية نشر الوعي الإنساني ، ونشر الوطنية الإنسانية في الدولة الواحدة ، وفي باقي الدول ، وبدون ذلك لن نستطيع العمل في المراحل اللاحقة ، وان عملنا فسيكون عملنا غاية في الصعوبة.


والثانية: تقتضي من الجميع دعم الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني ، هذه الدعوة التي تحتاج إلى فقهاء ، ولغويين ، وباحثين في التراث العربي ، ليس من اجل تنقية التاريخ من الشوائب فقط ، بل من اجل بناء الإنسان قبل تشييد البنيان ، الإنسان الذي تملؤه هواجس الغربة داخل وطنه ، ذلك الذي يبدو عليه الكبر قبل أن يشيخ ، فاقد القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب ، إلى أن أصبح هو ذاته من اشد أعداء نفسه، مضافا لذلك أننا نحتاج وقفة من الأنظمة الإنسانية للنظر بكافة الشؤون التي تحتاجها الدعوة داخل الدول ، وإلا كيف ستشكل اللجان الفرعية ، والحاكم الإداري بهذه المحافظة أو تلك - وهنا نتحدث عن كامل الدول العربية - لم يسمع أصلا بالدعوة الإنسانية والأمن الإنساني؟.

وإذا سمع سيقول مع من تعملون؟ نحن نعمل مع الأنظمة الإنسانية ، وداخل معسكر السلام ونفخر في انتسابنا لرواد الحضارة الإنسانية الجامعة في القرية الكونية ، ولا بد أن ننتقل من النظرية إلى التطبيق ، ولو لغايات وقف ازدواجية القول والفعل داخل النخب التي أصبحت كشعوبها تعاني من العوز الفكري.


وهنا أقول: إن على الجميع مسؤولية ذلك لان الدعوة الإنسانية مسؤولية جماعية ، ليست مسؤولية المؤسس أو الأعضاء فحسب ، الأعضاء الذين يبذلون قصارى جهدهم لخدمة الإنسان أينما كان وبدون مقابل ، أولئك الذين لا هدف لهم ولا هم سوى الأمن والاستقرار ، أبناء الحضارة الإنسانية ، المخلصين للإنسان بغض النظر عن جنسه أو لغته أو دينه أو عرقه أو وطنه ، الذين أدركوا أن البناء الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا من خلال فهم مفردات العصر ، وها هم يعملون عقلهم وقدراتهم لتوضيح أهمية العلاقات بين بني البشر ، فهل من مجيب؟


أما الثالثة: فإنها مسؤولية المجتمع الدولي ، ومسؤولية المحافل الإنسانية في دفع الدول الغنية نحو تفهم مشكلات الدول الفقيرة والمديونية ، وعلى وجه الخصوص الدول التي تستجيب أنظمتها إلى مطالب الإنسانيين ، ممن يستحقون الدعم لغايات الاستمرار في النهج الإنساني ، هذا في الوقت الذي يجب أن نتذكر فيه ، ونذكر المحافل الإنسانية: أن الأنظمة الإنسانية تعتبر أعضاء داخل الهيئة الإنسانية دونما تقديم طلب عضوية ، وهذا إن كان يضاعف مسؤولية المحافل الدولية تجاه هذه الأنظمة فانه كذلك يلزم الدول الغنية بضرورة تفهم مشاكل الدول الفقيرة وسداد مديونيتها ، وإلا عن أي امن إنساني نتحدث ، وأي أرضية للوعي الجديد عساها تتشكل في المنطقة المظلمة منذ قرون؟ ولصالح من عدم دعم هذه الأنظمة؟ أتدرون لصالح من؟ لصالح القوى الظلامية الصالح الإرهاب الذي لن يهزم يا سادة إلا من خلال هزيمة مسبباته ، وهزيمة المسببات تقتضي دعم الأنظمة الإنسانية ، لكي تتمكن على الأقل من الحديث عن تعريب العلم ، وتشكيل أرضية الإنسان المعاصر في منطقة ما زالت مفرداتها ملتصقة بالعصر الزراعي ، وهنا لا نريد كتابة قائمة بالأنظمة الإنسانية كونها واضحة وضوح النهار ، والكرة ما زالت في مرمى الدول الغنية ، والتي عليها الآن مسؤولية القرار في الدعم أو عدمه ، في حين أن مسألة اللا دعم ستأخذ اعتبارات أخرى لها علاقة مباشرة في استمرارية الواقع المظلم الذي أصبح كما المعامل التي لا عمل لها سوى إنتاج الإرهابيين، ونحن عندما نخفي هذه الحقائق نخون العهد الإنساني وهذا لن يكون بإذن الله . خادم الإنسانية . - مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات