إقتصاد خفي .. وحكومات ظل !!


يُعرف الاقتصاد الخفي بأنه نشاط اقتصادي غير شرعي لايلتزم بالقانون او الأنظمة المعمول بها ، يمارسه " متنفذون" من أصحاب السلطة والمقربين ، له تأثيرات اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة على البلاد ، ويختلف حجم تلك الاقتصاديات المخفية بين دولة ودوله ، فهي تكاد أن تنعدم في الدول الغربية إلى حد ما باستثناء بعض التجاوزات و لا تشكل 5% من الدخل القومي ، ،وتتعاظم في دول شرق أوسطية او افريقية ، وقد تتجاوز تلك الاقتصاديات ما يعادل اقتصاد الدولة بمجمله ،وذلك تبعا لضعف الأنظمة السياسية وضعف اقتصادياتها وانشغال الحكم في تلك البلاد بأمور لاعلاقة لها بأوضاع بلادهم ، و الاقتصاد الخفي يعني كذلك معاملات رسمية وشرعية تضاف إلى الدخل القومي ولكنها لا تظهر فيه ، أي يمكن أن يكون دخل إحدى المؤسسات الخدماتية كالجمارك والضريبة وضريبة المبيعات وغيرها أعلى مما يعلن بكثير ولايظهر في الميزانية ، ويذهب الباقي خدمة للمتنفذين ،بحيث يجري سحب تلك الأموال من تلك المؤسسات قبل أن تضاف إلى الدخل العام للمؤسسة ، وهذا أمر خطير لايجرؤ احد على فعله مالم يكن صاحب قرار وسلطة أعلى بكثير من مدراء تلك الدوائر ! !!فأيهما كان الوزير العناني يقصد في حديثه عن الاقتصاد الخفي قبل أيام !! لكنها في النهاية اقتصاديات إجرامية يمارسها مجرمون وجناة وخارجون على القانون يتلقون الدعم " العالي " ولا توقفهم سلطة مهما بلغت قوتها .. .
في بلادنا فأن تلك الاقتصاديات الخفية تتجاوز دخل الدولة ، يحكمها مجموعة أفراد متنفذين لهم ارتباطات واسعة مع الحكم، غالبا ما يكونوا متفقين موحدين يصعب اختراقهم ، وأحيانا أخرى تعصف بهم خلافات ومواجهات تصل حد أن يقبع بعضهم في السجون بتهم واهية لا تقنع الناس بجدواها وعدالتها ، فيما يتنقل الآخرون بحرية وسلامة تبعا لخروجهم أو التزامهم ب " كتمان السر " ! وهم الذين يطالب الناس أصلا بمحاكمتهم وحبسهم ، والجديد أن تلك الاقتصاديات وما جلبته من ثروات طائلة بدأت توظف لصالح أجندة سياسية " خبيثة " لتدمير البلاد وتركيعها للقبول بكل ما يُملا عليها من الخارج ، من خلال شراء ذمم متنفذين في السلطات المختلفة ، يساهمون بتوجيه مجالسهم ومؤسساتهم باتجاه رفض أي ملاحقة أو اتهام بحق أولئك الناس او سن قانون او حكم يوقف تلك السلوكات ويحد منها ، ،وقد عايش الشعب الأردني بعضا من تلك الأساليب من خلال ما مارسه مجلس النواب في جلسات مناقشة قضايا الفساد وما آلت إليه الحال في تبرئة كل الفاسدين ومنحهم أوسمة الشجاعة ! وهذا اخطر ما في الأمر في بلادنا ..
وعودة إلى الاقتصاد الخفي ، فيحصر الكثير من علماء الاقتصاد هذا النوع من الاقتصاد بمشاريع خفية تتعلق بغسيل أموال أو تهريب المخدرات والممنوعات ، وبالإضافة إليها ، فقد كانت مشاريع بيع مقدرات وثروات الوطن لجهات خارجية او لشركات وهمية يملكها متنفذون مقابل سمسرة واسعة كما جرى في مشاريع بيع مقدراتنا وثرواتنا التي أكسبت الكبار ملايين الدنانير شكلا اخر للاقتصاد الخفي ، وهاهم " أي الفاسدون "يعدون العدة لدخول المعترك السياسي من جديد ، ولكن عبر وكلاء داخل مؤسساتنا التشريعية او التنفيذية ، ، وقد دفعت تلك التطورات أن قررت مؤسسة الفساد التي " فلتت " من ملاحقة القضاء سابقا دخول هذا المعترك عبر إعداد قوائم انتخابية تخص أولئك الجناة بهدف توفير حماية لهم على يد تلك الزمر داخل البرلمان او خارجه ، فكيف لو تمكنوا من إنجاح بعض الرموز الفاسدة وتغطية حملاتهم الانتخابية وصاروا بعد ذلك وزراء في حكومات برلمانية ، بالتأكيد سيمنحهم ذلك مزيدا من النشاط الإجرامي والاقتصادي والسياسي الخبيث بفعل ما سيتلقونه من دعم وتسهيلات وغطاء يوفرها أولئك النواب او النواب الوزراء إن حدث وتشكلت الحكومات على تلك الأسس ! والأخطر من كل هذا أن يتم توظيف تلك الشخصيات لخدمة أجندة الكبار والمتعلقة منها بمشاريع تصفية البلاد وفرض واقع ديموغرافي وسياسي جديد يهدد الهوية والكيان الأردني ،لأن غالبية الفاسدين هم من يحمل تلك الأجندة ويسعى لجعل البلاد وطننا بديلا خدمة للمشروع الصهيو- أمريكي .
ومن هنا ، فلا عجب أن يأتي قانون الانتخابات ليلبي طموح تلك الفئة من الفاسدين في غياب كل القوى الديمقراطية والحية الساعية لإصلاح البلاد ، وترفض الدولة تعديل القانون خشية أن تتبدل المعادلة باتجاه إصلاح حقيقي يخشى البعض من حدوثه على يد القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية التي تم إبعادها قسرا عن المشاركة تحت عنوان رفض التعديل ، وكذلك فان اختيار منتصف الشتاء وأوقات البرد وضعف حركة الناس يوما للانتخابات العامة يوضح أكثر وأكثر الهدف من إجراء الانتخابات ، فالنظام يحتاج لأربع سنوات قادمة من أجل أن يكمل مشوار تصفية البلاد ومنح الفاسدين مزيدا من الحرية والحركة والنفوذ ليكملوا برامجهم التصفوية بحق البلاد، بعيدا عن اية معارضة او مناوئة لتلك السياسات ، وإلا ما الذي يمنع الدولة من تغيير او تعديل القانون لو كانت تتطلع لمشاركة سياسية حقه من قبل الجميع ، ولماذا تسمح لأولئك الفاسدين بإعداد قوائم انتخابية خاصة بهم بالرغم من وجود شبهات وحقائق تورطهم بأعمال نهب وسمسرة وبيع مقدرات الوطن ! ولماذا تختار يوما ماطرا باردا لايفكر أحد فيه بالخروج من منزله لتقيم فيه جنازة الوطن ..
لايوجد مؤشر ايجابي لما ستؤول إليه الحالة الأردنية ، فالفساد هو من يحكم القبضة على البلاد ، والقوانين برمتها التي صدرت في مجالات الانتخابات والمطبوعات وإجراءات الاعتقالات والحبس كانت تهيئ لمثل هذه الحالة ، ونخشى غدا أن تتشكل طبقة من" حكام الظل " بعد أن انشأوا اقتصادا عظيما في الظل ، بحيث يواجه النظام نفسه صعوبة في مواجهتهم وكبح جماحهم ووقف مخططاتهم التي قد تؤدي إلى انهيار النظام نفسه ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات