الحكومة الرشيقة والمهمات الجسيمة


  تشكلت الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة السياسي المخضرم د. عبدالله النسوروالذي يعتبر من المناكفين لرؤساء الوزارات السابقين ، من خلال حجبه للثقة عنهم، وانتقاد سياساتهم وأدائهم. كما ويتمتع الرئيس بقبول رسمي، فهو ابن الدولة، وما معارضته إلا من باب النقد الذاتي . كما ويمتاز بقبول شعبي ، لما له من بعد ودعم عشائري من أهالي مدينة السلط، حيث قدم لأهلها خدمات كثيرة في كل مناصبه التي تقلدها، ولذا فقد خاض الانتخابات البرلمانية أكثر من مرة، وعلى مختلف قوانيين الانتخاب، وكان النجاح حليفه . كما ويمتاز كذلك عن غيره بعلاقاته المتوازنة مع كافة الأطياف والأطراف السياسية الشعبية وخاصة الحركة الإسلامية.

ولو نظرنا للحكومة الجديدة لا نكاد نلحظ تغييراً كبيراً على هيئة الوزارة ، اللهم إلا باختلاف اسم رئيسها، ودخول محدود لخمس وزراء قديمين جديدين، وهذا يوحي أن المسارالسياسي وغيره للوزارة سيبقى كما هو، أو أن تلك الوزارة سيناط بها قريباً مهام كبيرة، والرئيس يعلم تلك المهام والواجبات غير المعلن عنها، مما يستدعي بقاء الوزراء جميعاً على رأس عملهم ، ولذا امتازت هذه الوزارة عن غيرها بضمور عدد أعضائها، حيث بلغ واحداً وعشرين وزيراً، بخلاف وزارات سابقة.
وقد بادر رئيس الوزراء بالتأكيد على سياسات الوزارة السابقة على الأقل ، فالانتخابات المزمع إجراؤها ستكون وفق القانون الحالي ، رغم معارضته له في البرلمان. وكما صرح في المقابل أن الحكومة لن ترفع الأسعار. فهو بحاجة للهدوء من الشارع مستقبلاً، وقد سبقه الهدوء من البرلمان المحلول. ولاحظ البعض أن تشكيل الحكومة كان سريعاً، حيث لم تستمر المشاورات إلا قليلاً، وكأن التشكيل كان جاهزاً ووضع اسم الرئيس عليه فقط.

وقد بادر دولة الرئيس في محاولة لإعادة الهدوء إلى الشارع، فعقد اجتماعات مع الأحزاب السياسية وفي مقدمها الحركة الإسلامية التي أبدت ارتياحاً لاختياره. بل عرض تمديد فترة التسجيل للانتخابات مقابل تراجع الحركة الإسلامية عن مقاطعتها. وما تلك الإتصالات السريعة وفي الوقت الحاضر والتي لم يخرج منها شيئاً ملموساً، وهو يعلم صعوبة تراجع المعرضة عن موقفها أمام المعروض علىهم. ولكن اتصالاته ماهي من إلا باب العلاقات العامة، وتسجيل المواقف لمستقبل الأيام الصعبة القادمة، ومن ثم البناء عليها.
وقد أبدى دولة الرئيس تفهماً للمطالبات بالإفراج عن المعتقلين من الحراك الشعبي، ولكن ربط ذلك بمكرمة من جلالة الملك، وهو متوقع بعد فترة زمنية من استلامه لرئاسة الوزراء ، حيث سينسب بذلك لجلالة الملك. مما سيعزز صورة الحكومة الايجابية لدى الناس، ويزيد من الهدوء في الشارع.
وفي ذات الوقت تواردت الأنباء عن تعزيز القوات البريطانية بعسكريين متخصصين في الأسلحة الكيميائية لقوات عسكرية أمريكية متواجدة في الأردن بهدف السيطرة على الأسلحة السورية الكيميائية خشية وقوعها بأيدي غير مرغوب بها، أو غير أمينة. وقد سارع الناطق الرسمي باسم الحكومة للقول إن القوات المتواجدة على الأراضي الأردنية في نطاق تدريبات روتينة معدة مسبقاً.
وترافق ذلك مع إعلان قائد التيار السلفي عن مقتل إثنين من التيار في سوريا أحدهما زوج ابنته،مما يعني بوضوح أن للتيار السلفي دوراً في الحرب القائمة في سوريا، رغم محاولة الحكومة الأردنية منع تسلل أعضاء وأنصار التيار السلفي لسوريا، ولكن ليس بالضرورة نجاح كل تلك الجهود.

وقد تماهى مع الدعوات للتدخل العسكري الأردني في سوريا دعوة حزب التحرير المحظور في الأردن الجيش الأردني للتدخل عسكرياً في سوريا. ومن البدهي أن القائد الأعلى للجيش هو جلالة الملك، وفي ذلك دعوة مبطنة للملك لاتخاذ قرار التدخل العسكري، وهو ما حذر منه الكثير من السياسيين الأردنيين. وكما نعلم فإن الحركة الإسلامية ممثلة بجيهة العمل الإسلامي والإخوان المسلمين يؤيدون ذلك التدخل، وهنالك طيف كبير يدعم ذلك التوجه، أما الحركات اليسارية والقومية فلا يرغبون بذلك التدخل.

وفي ظل هذا التجاذب وخطورته الشديدة المستقبلية داخلياً وخارجياً، يرى بعض السياسيين العارفين والذين لا يشك في ولاءهم وإخلاصهم إلى عدم التدخل في الأزمة السورية ، لأن نظام الحكم في سوريا قوي داخلياً _ حزب وطائفة _ومدعوم أيضاً من دول كبرى ، ولذا فمن الأفضل الوقوف على الحياد في أفضل الأحوال. وهذا الرأي أظن أن له قبولاً سياسياً كبيراً، وهو طرح عقلاني وموضوعي وواقعي، بعيداً عن العاطفة، أو المصالح الآنية، أو الأهداف الحزبية ، أو التبعية لدول وسياسات أخرى.

وإزاء كل ذلك يتساءل البعض هل الحكومة الحالية وبتشكيلتها الحالية، وفي ظل غياب البرلمان، هل هي حكومة طوارئ غير معلن عنه؟ ولذا فمن المتوقع إذا تدهورت الأوضاع في سوريا ، وكثرت المخاطر، أن يتم تعديل وزاري على الحكومة، بحيث تدخل الحركة الإسلامية للحكومة وكما حدث أبان حكومة مضر بدران أثناء حرب الخليج الأولى، وعند ذلك يمكن الوعد لهم بمكتسبات سياسية فيما بعد.

إن كل المؤشرات تدل على أن الحكومة الأردنية الجديدة ما هي إلا لمواجهة مهمات جسيمة ستنشأ في المستقبل، من بينها تطور الأزمة السورية ، وإعادة رسم خرائط المنطقة من جديد، وأغلب الظن أن الأردن سيكون الرابح الأكبر منها. وكل ذلك على ما يبدو سيكون بعد الانتخابات الأمريكية القادمة. وانتهاء موسم الحج ورجوع الحججاح لديارهم. وإن غداً لناظره قريب.


للمراسلة: sulaiman59@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات