مسيرة "إنقاذ الوطن" .. ماذا بعد؟


جراسا -

نجح الأردن بامتياز بعد انتهاء مسيرة "إنقاذ الوطن"، ولن ندخل في جدال لا يفيد بالنسبة لعدد المشاركين في المسيرة.

فالحكومة تقول بين 7 ـ 9 آلاف، وهي بذلك تريد التأكيد بأن "الاخوان المسلمين" فشلوا في استقطاب الشارع والتحشيد، والحركة الإسلامية تقول أنهم فاقوا عن ألـ 50 ألفاً، وهذا يعني أن هناك تيار أساسي في الشارع لا يوافق على الإصلاحات التي أنجزت، ولا يعتبرها حقيقية، وسيبقى في الشارع متحدياً إرادة الدولة التي تريد المضي في انتخابات برلمانية جديدة.

ولأنني كنت حاضراً في المسيرة، وشاهد عيان، فإنني أجزم أنها مسيرة حاشدة جداً، ولم تحدث طوال أشهر الربيع الأردني، ولم أشاهد جموعاً محتشدة بهذا العدد منذ مسيرة العودة قبل أعوام، والأهم من العدد القدرة على التنظيم والانضباط والتكتيك الذي أتبع لوصول المشاركين والتحاقهم في مكان المهرجان.

المسيرة ليست نقطة سوداء في ثوب الدولة الأردنية حتى تتنكر لها، بل محطة يجب أن تفتخر بها، فالأمن العام عكس في تعامله وانضباطه رقياً حضارياً، وكلما زاد عدد المشاركين كلما أكد ذلك نجاح دور الأمن العام وليس إخفاقهم، والنكران والاستخفاف السياسي لا يخدم مستقبل الأردن.

نجحت المسيرة في كسر روتين المشهد السياسي الأردني، والدرس المستفاد أن حرية التعبير السلمية لا تشكل خطراً على الأردن، وأن التخويف من المسيرات الضخمة ليس له ما يبرره، والدرس الآخر أن التلويح بالبلطجة لا يرهب الأردنيين فقط، وإنما يضر حركة استقطاب الاستثمار ويظهر البلد وكأنها غير آمنة وعلى شفير حرب أهلية.

لعل أيام التحشيد والإرهاب التي سبقت المسيرة لا تتكرر، ولعل معركة التخوين تصبح مفرداتها من الماضي، فمن يدفع ثمن هذا التخندق والاصطفاف نحن جميعاً، وهي وصفة مسمومة تنحر الوطن، وخط أحمر غير مسموح لأحد بأن يستخدمه مهما كانت مبرراته!.

مضت مسيرة إنقاذ الوطن على خير، ونجح الجميع بلا استثناء حتى "عمال الوطن" الذين عملوا على تنظيف الساحات العامة، والحمدلله لم يجرح مواطن، ولم تكسر شجرة، وانفض المشاركون بهدوء وسلام، ولم تجدها الفضائيات مادة إعلامية دسمة سوى السجال الدائر حول أعداد المشاركين، ولو أخطأ أي من الأطراف، وحدث أي اشتباك، لتحولت التغطية الإعلامية التي لا تتجاوز ثلاث دقائق إلى بث حي ومباشر، ولتلطخت صورتنا، وتضرر اقتصادنا وسياحتنا.

السؤال المفصلي الذي سمعناه خلال المسيرة، ماذا بعد؟، مسيرة "إنقاذ الوطن" كما سماها المنظمون بعثت رسالة واضحة للنظام، في الوقت الذي تزامنت مع حل البرلمان والمضي نحو انتخابات برلمانية مبكرة، فهل تستطيع هذه المسيرة أن تنقل الحالة السياسية من مرحلة إلى أخرى، وهل يمكن أن تدفع الدولة إلى مراجعة حساباتها، وإلى الدخول في مفاوضات جديدة مع من اختاروا الشارع طريقاً لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة وأبرزها الانتخابات؟!.

لا أعتقد أن المسيرة ستشكل رافعة سياسية تغير من معطيات المشهد السياسي إلا إذا تكررت، واستقطبت الأغلبية الساكنة في المجتمع وتوسعت، عندها ربما تدفع "المطبخ السياسي" في الدولة إلى الإنصات والبحث عن خارطة طريق أخرى غير التي اختارها.

والسؤال الآخر، هل يملك "الاخوان المسلمون" الرغبة والقدرة والطاقة والتنظيم ليفعلوا ذلك؟.

بوجهة نظري وضمن معطيات المشهد الدولي المنشغل بالانتخابات الأمريكية، والعالق في الأزمة السورية، والقلق من المتغيرات في دول الربيع العربي التي سيطر بها "الإسلام السياسي"، إضافة إلى الصراع الداخلي في الحركة الإسلامية، فإن حالة من التراكم تشي بالقدرة على خلق استدارة عند الدولة في ملف الإصلاح السياسي أمر صعب جداً، ولم يحن أوانه!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات