ماذا بعد جمعة الإنقاذ !


على خير وسلام انتهت جمعة إنقاذ الوطن برضا الطرفين ، الإخوان فرحوا لما حققوه من حضور شعبي كان عالي التنظيم والأداء الرائع وبمشاركة مواطنين من شتى المنابت والأصول ! إذ تحرك المكون الفلسطيني بفعالية لأول مرة على أنغام الحقوق المنقوصة التي بدأت الجماعة بعزفها منذ أيام تحشيدا للمسيرة ، بالمقابل ، لم يخف الرسميون فرحتهم بفشل الإسلاميين تحقيق الرقم الذي كانوا يخططون له وهو أل 50 ألفا، في وقت تراوح عدد المشاركين أكثر من 25 ألفا ، وفي ظل مقاطعة قوى وأحزاب سياسية وحراكات شعبية ورفض عشائري واسع يتهمون فيه الجماعة بالاستبداد والتفرد والعمل على تحقيق أجندة سياسية بعيدة كل البعد عن برامج الإصلاح المنشود،مستغلين حالة الغليان الشعبي والاحتقان الذي فشلت في تهدئته حكومة الطراونه ، وفي كلا الحالات كان الشارع الأردني اشد فرحة أن انتهت تلك الفعالية بخير ، مما يعني إجماع شعبي على ضرورة إزالة الاحتقان والحفاظ على الأمن والاستقرار في الوطن في ظل مصادمات دموية تشهدها دول مجاورة .
انتهى العرس الإخواني ووصلت رسائلهم للنظام ، سبع رسائل " شروط " مشاركتهم في الحياة السياسية كانت هي عنوان المسيرة ، تجلت بعضها في رفض المشاركة في الانتخابات التي دعا إليها الملك بداية العام القادم دون إجراء تعديلات دستورية تطال من صلاحيات الملك وُتمنح لحكومات منتخبة ، إلى جانب المطالبة بتعديلات في القانون كشف النقاب عنها مباشرة في خطابات القادة حول إعادة توزيع المقاعد البرلمانية تبعا للكثافة السكانية ، وهو الأمر الذي تطالب به الحركة انتصارا لجمهورها العريض في عمان والزرقاء واربد ، ويعارضه بشدة قوى وعشائر وطنية محافظه باعتباره تطاولا على حقوق ومكاسب تاريخية ويمهد لتغييرات ديموغرافية تطال أبناء الشعب الأردني في المحافظات والقرى .
إذا ، الحركة باقية في الشارع لأربع سنوات قادمة ما لم تحدث مفاجآت ، والدولة تخطت حاجز المليوني بطاقة انتخابية سيشارك غالبيتهم في الانتخابات القادمة ،وعجلة الانتخابات تدور ببطء ، ولكنها تتقدم ، والهيئة المستقلة تعمل مافي جهدها لأداء الرسالة دون أية تجاوزات تدفع الناس للتشكيك ، بالرغم من بعض التجاوزات التي غضت الهيئة النظر عنها طالما أنها تدفع باتجاه تشجيع الناس على تسلم بطاقاتهم والمشاركة في الانتخابات ،ويبدو أن الكثير من القوى السياسية قد تبدل من مواقفها وإستراتيجيتها بعد فعالية الجماعة والتفرد الذي بات يسيطر على توجهاتها وسياستها ، وقد تعلن مشاركتها في الانتخابات القادمة ،ومن هنا ، لابد من وقفة تقييميه لما جرى ويجري منذ إعلان الملك حل البرلمان وإجراء الانتخابات وتنظيم مسيرة إنقاذ الوطن ، إذ لا يعقل أن يبقى الحراك والجماعة الإسلامية في الشارع لأربع سنوات قادمة بفعل رفض الدولة تقديم أية تنازلات ليس للجماعة فحسب ،بل وللناس أجمعين ، فغالبية الناس تطالب بتحسين أوضاعها الاقتصادية ووقف الهدر ومحاسبة الفاسدين ووقف الاعتقالات وتحقيق العدالة بين أبناء الوطن في مجالات التعيين والمنح والوظائف وبعيدا عن أية مطالب تتعلق بصلاحيات الملك ، فيما تنفرد الجماعة وبعض الحراك التابع المطالبة بمزيد من الإصلاحات تطال صلاحيات الملك ، ولو أقدمت الحكومة على تحقيق تلك المطالبات لهدأت الحال ، ولبقيت الجماعة وحدها في الشارع دون صديق ، وخاصة أنها لاتخفي مطالبها بتغييرات تطال حقوق ومكاسب أبناء العشائر وهجومها الدائم على مكاسبهم الانتخابية و " سطوتهم " على أجهزة الأمن والجيش والمؤسسات الحساسة ،وهو الأمر الذي افقد ثقة العشائر بهذه الجماعة بل والدعوة لمحاربتها ورفضها بقوة ، وهي مسألة لم توظفها الدولة لصالحها ..
ليس في وسع الدولة أن تكسب الشارع في ظل تراجع عن وعودات بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وترك الفاسدين دون محاكمة ، ولكن وفي ظل ملاحقات واعتقالات وإقرار قوانين عرفية طالت الإعلام والتجمهر واستمرار سياسة الهدر والكسب غير المشروع ورفع الأسعار وزيادة أعباء الناس ، فقدت الناس ثقتها بالدولة ،وبدأت تشعر أن كل ما يجري من إصلاحات لايعد أكثر من حصى في قدر يغلي " ملهاة "للناس لا أكثر ، وان مواجهة الأزمة كان يتم بأزمات لم تخدم النظام بالمطلق ،فوظفت الحركة الإسلامية تخبط الحكومة بقراراتها وسياساتها ، وبدأت تعيد ترتيب أوراقها عبر مجموعة سلوكات تمثلت بإعلان مجلس أعلى للإصلاح ، محلقة منفردة عن بقية القوى التي رفضت منهج الجماعة ورفضت المشاركة بأية فعالية تقودها ، وحشّدت لمسيرة كانت تعتقد أنها قد تدفع النظام للحوار من جديد ،لكنها فشلت في استقطاب شركاء الأمس في الجبهة الوطنية وخارجها للمشاركة ، فيما نجحت في استقطاب حراكات واسعة من مختلف المناطق لتعزيز قوتها وحضورها وتأثيرها ،فالتقت تلك الحراكات مع مطالب الحركة الإسلامية ، ولكنها أي تلك الحراكات فوجئت ببرنامج الحركة يوم الجمعة والخطاب الذي سلط الضوء على برامجها الفئوية ،فأيقنت بعض الحراكات ما تورطت به أو ورطت به وعادت إلى تقييم تجربة المشاركة مع الجماعة في ضوء تلك الشروط التي جعلت هموم الناس وملاحقة الفساد أخر اهتمامها ،فيما كانت تقايض أصلا على قانون انتخاب يمكنها من المشاركة في الحكم دون التشاور والعودة إلى الشارع والشركاء السياسيين
المواطن الأردني بات حائرا بين نظام لم يستجيب لمطالبه التي خرج من أجلها للشارع ، وبين من يسعى لسحب لتحقيق أجندة توصف أنها ذاتية وغير وطنية ، فلا الدولة قادرة على كسب الشارع بما يمكّنها من مواجهة المعارضة والخروج من الأزمة ، ولا المعارضة الإسلامية قادرة على كسب الشارع هنا ، ويبقى الأمل باتجاه إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية تخفف من الأعباء المثقلة على كاهن المواطن ، وتسترد ثرواته التي نهبت ، ويلاحق مرتكبي تلك الجرائم ، ويمنح المواطن حرية التعبير دون ملاحقة ، وان تتوقف سياسات التعيينات الاسترضائية والتوريثية ومنح الجميع فرص المساواة في الحقوق والواجبات ..فلا يعقل أن يتبوأ ابن مسئول كبير موقع هام فيما يعاني زملائه في الجامعة سنوات طوال بانتظار التعيين ،كما لايمكن أن تتضاعف اعداد المقبلين على " حاويات الزبالة " في وقت يمتلك فيه فاسدا واحدا أكثر من مليار دينار !! ويمتلك فيه أربع شخصيات فاسدة يطالب الناس بمحاكمتهم أكثر من 3 مليارات دينار تكفي لتأمين حياة كريمه لغالبية الطبقة الكادحة التي قد يدفعها الحال المتردي للخروج والإمساك بثوب الجماعة حتى لو تعارضت برامجهم مع برامج وأجندة الحركة ، لأن تحقيق العدالة أولا هو الأهم ، ومن ثم يجري الحديث عن تفاهمات سياسية واجتماعية قادمة ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات