عبدالرحيم ملحس


جراسا -

كتب فهد الخيطان - قبل عدة سنوات، هاتفني وطلب مني أن أزوره في عيادته بأسرع وقت. لم أستطع أن أخمن سبب الدعوة المستعجلة، لكني ذهلت حقا حين التقيته. ببساطة، كان يريد أن يهديني نسخة من كتاب قرأه وأعجب به، فأحضر من القاهرة عدة نسخ منه لتوزيعها على عدد من أصدقائه. سررت باللفتة الرائعة، وشعرت بالفخر لأن الدكتور عبدالرحيم ملحس منحني شرف صداقته.
الحقيقة أنني كنت، مثل كل الأردنيين، صديقا للطبيب ملحس قبل ذلك الموعد بسنوات بدون أن يعرفني. فمنذ ذلك اليوم من العام 1994 الذي صرخ فيه في وجه الفساد، صار ملحس ضميرا لكل الناس.
في ذلك الزمن، كان ملحس واحدا من بضعة أشخاص شجعان يملكون الجرأة على قول الحقيقة، من أمثال ليث شبيلات وتوجان فيصل. يومها قال كلمته ومضى غير عابئ بالمنصب الوزاري، وخلف من بعده جدلا وطنيا حول سلامة الغذاء والدواء في الأردن لم يتوقف حتى يومنا هذا.
لم تكن صرخة في البرية أبدا؛ فقد تركت أثرا بالغا على التشريعات والإجراءات الحكومية الخاصة بالغذاء والدواء في الأردن. وعندما شنت مؤسسة الغذاء والدواء مؤخرا حملة على كبرى المطاعم المخالفة، تذكر كثيرون جميل ملحس علينا.
غاب لسنوات عن المسرح؛ انشغل بعيادته واهتماماته الفكرية والثقافية، وأنجز أكثر من مؤلف قيم. كان مشغولا بحالة التخلف العربي، وحاول تفكيك ألغازه. وقدم في هذا الميدان مساهمات عميقة، تجلت في كتابه "أسباب التقهقر العربي".
لكن مثل جواد أصيل، لمع ملحس في الساحة من جديد مرشحا للانتخابات النيابية العام 2003، عن دائرة عمان الثالثة؛ دائرة الحيتان كما كانت في ذلك الوقت، الدائرة التي يتطلب الفوز بأحد مقاعدها حملات انتخابية مضنية، وأموالا طائلة. غير أن ملحس كان في غنى عن ذلك كله. لم يكن يحتاج إلى أكثر من أن يعلن ترشحه ليضمن المقعد وبأعلى الأصوات، وهو جالس في منزله. فرغم مرور نحو تسع سنوات، كان الناس على العهد مع صاحب أصدق وأعمق شعار ارتفع في تاريخ الانتخابات النيابية: "لقول الحقيقة مهما غلا الثمن". من كان يجرؤ على التشكيك في الشعار وصاحبه دفع الثمن مسبقا؟!
تحت قبة البرلمان لم يتردد ملحس في قول الحقيقة مهما كانت مُرّة. لا يتقن المجاملة ولا المواربة في الأشياء. بالنسبة لعدد كبير من "لاعبي" السياسة في البرلمان، كان ملحس نائبا غريب الأطوار؛ يرتفع صوته في المحطات المفصلية، ويلوذ بصمته وكتبه عندما يصبح قول الحقيقة متعذرا.
مع مرور الوقت، شعر صاحب الشعبية الجارفة أنه بالفعل شخص غريب تحت القبة. لم يحتمل البقاء في عالم الأكاذيب وهو رجل الحقيقة، فقرر أن لا يكرر التجربة.
الحياة وقفة عز، وحياة ملحس كلها كانت وقفات عز لا تنسى -



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات