أين يقف طاهر المصري؟


جراسا -

محمد ابو رمان - لا أعرف سبباً مقنعاً للّغط الحالي حول رئيس مجلس الأعيان، طاهر المصري، ولا لما يتم تداوله في الأوساط السياسية والإعلامية من استهداف له، وغضب مسؤولين في مراكز القرار على الرجل، فهو –وفق ما أراه- واضح أشد الوضوح في مواقفه السياسية!
ارتفعت وتيرة الهجوم المبطّن على المصري مؤخراً بتحميل إجازته (خلال إقرار قانوني الانتخاب والمطبوعات والنشر) أبعاداً سياسية، من قبل الحكومة الحالية والحرس القديم في "السيستم" وحوله. ومع أنّه يؤكّد أنّ تلك الإجازات كانت معدّة مسبقاً، إلاّ أنّ هذا لا يضره لدى الرأي العام، بل يمنحه احتراماً ومصداقية؛ فهو انسجم مع نفسه بالاحتفاظ بقناعاته وعدم تغييرها من جهة، ولم يشاغب على الحكومة الحالية أو يعارضها علناً، برغم أنّ ما تتخذه من سياسات في ملف الإصلاح لا يتفق مع قناعاته وتصوراته، بالضرورة.
المصري ترأس لجنة الحوار الوطني واستطاع، بذكاء وحنكة، أن يقود التيارات الممثّلة فيها -من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار- إلى تفاهمات عميقة في أكثر القضايا جدلية في السجالات الراهنة؛ حول قانون الانتخاب، والهيئة المستقلة، والتعديلات الدستورية، والمحكمة الدستورية، وفوق ذلك الورقة المرجعية للإصلاح التي كان يمكن لها أن تكون "نقطة تحول" أو حجر أساس لتحديد معالم النهج السياسي القادم. إلاّ أنّ مراكز القرار والمعارضة على السواء، لم تقدّر حجم الإنجاز الذي قدّمه، وتم تجاهل جزء كبير منه، ولو أخذ بما قدمته اللجنة كـ"حزمة واحدة" لأحدث فرقاً كبيراً في المشهد السياسي اليوم.
بالرغم من ذلك، لم يخرج المصري عن طوره، ولم يعبّر علانية عن خيبة أمله، ولا عن الصدود الذي جرى تجاه ما قدّمه، بل عاد إلى ممارسة دوره داخل النظام بهدوء؛ فخلع قبعة رئاسة اللجنة الوطنية للحوار، ولبس قبعة رئاسة مجلس الأعيان. لكنه لم يستطع، ولا يستطيع أن ينسلخ عن قناعاته ومواقفه السياسية المعروفة للقاصي والداني، إلاّ إذا أردنا منه أن يكون منافقاً متقلباً، أو مصاباً بانفصام الشخصية!
بالضرورة، لا يستطيع أبو نشأت أن يخفي موقفه من قانون الانتخاب (الصوت الواحد)، وهو رأي قديم ومتجذّر، وكان من الشخصيات التي وقعت على عريضة المقاطعة في العام 1997، احتجاجاً على القانون، فهل نتوقع منه اليوم أن يخرج إلى الناس يتغزل به!
الآن، وبعد "الاستدارات" التي حصلت، والمياه التي جرت تحت الأقدام، وحالة "الانسداد" التي نعاني منها، ومأزق كلّ من الحكم والمعارضة، عدنا لنسمع أصواتاً من داخل دوائر الدولة ومن الإخوان تشعر بالندم على عدم الالتزام بالنظام الانتخابي الذي قدمته لجنة الحوار، وقوبل حينها بجحود كبير من أغلب الفاعلين الرئيسيين في الساحة.
إقصاء أو تهميش طاهر المصري يمثل خسارة للدولة والنظام عموماً؛ فوجود مثل هذه الشخصية ذات الميول الإصلاحية الهادئة على رأس مجلس الأعيان، وبما يملك من قبول في أوساط سياسية متعددة ومتنوعة، هو عامل قوة، ويمكن أن يساهم في إحداث توازنات مطلوبة في عملية اتخاذ القرار، ويمثّل وجهة النظر المقابلة للتيار المحافظ، ويحول دون إمساك تيار واحد بتلابيب المعادلة السياسية، مما يجعل النخبة ذات الميول الإصلاحية بأسرها خارج مؤسسات القرار، وهذا بالضرورة يخل بمرونة "مطبخ القرار" وقدرته على تنويع قراءاته وخياراته السياسية والتعامل مع المنعرجات المختلفة.
مثل المصري يمثّل مفتاحاً مهماً لاحتواء الأزمات والخروج من الاختناقات السياسية، وهو ورقة رابحة تماماً في أكثر من اتجاه، لو كان هنالك قراءة سياسية حصيفة، بدلاً من هذه الروحية الإقصائية التي نجدها تجاه الآراء المختلفة، حتى داخل الدولة نفسها، أو تهميش من يختلف مع التيار المحافظ في عملية اتخاذ القرارات المهمة على قاعدة "إما معنا أو ضدنا!"!

الغد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات