عندما يساهم الحراك في تضليل الشعب


يفترض بمن يتصدى للعمل العام ان يكون على مستوى عال من الوعي والذكاء التكتيكي وان تجتمع بالشخص المهارات السياسية والامنية والقانونية باعتبارها ابجديات واساسيات للعمل العام وان يمتلك القدرة على التحليل والتفكير العام والخاص وربط العام بالخاص والقدرة على توظيف المعلومات وان يمتلك الشخص مهارة التفكير التصويري لرسم سيناريوهات المستقبل والتخطيط الاستراتيجي ..



مما يؤسف له ان يقع الحراك ضحية للتضليل الذي يمارس على الشعب الاردني لكن من المؤسف اكثر ان يكون الحراك نفسه وسيلة وأداة لعمليات التضليل واسعة النطاق التي تمارس من قبل أقطاب الصراع في الساحة الاردنية ..



الحراك مثل الشعب الاردني تماما يصنف كضحية حقيقية لصراع جهات كبرى ونافذة في الدولة الاردنية بعضها لها مرجعيات عابرة للحدود حيث بات من الواضح ان سبب ذلك يعود لعمليات اختراق نوعية للحراك وضعف مؤهلات ومهارات القائمين على العمل العام فيه ..



ينظر المطلع والمتابع بعين الاسف لواقع حال الحراك فيجده وقد فقد زمام المبادرة في الشارع واصبح قائما على ردود الافعال لا الافعال ويجري التلاعب فيه يمنة ويسرة ويتم استغلاله بطريقة بشعة لحرف الاصلاح عن جوهره ومساره في قضايا فرعية لا يمكن ان تصنف سوى انها على الهامش فيتم حرف الشعب كله عن التحديات الحقيقية التي يعاني منها الاردن ويتم ذلك بطريقة غير منتجة نهائيا لانها تفتقر للوسائل التكيكية الصحيحة ولا تضع يدها على الجراح الاردنية العميقة ..



القصور في الحراك يدفع بالاجهزة الامنية للهيمنة عليه لابقاء الوضع عند مستوى أمني محدد من خلال وسائل تكتيكية فعالة تقوم على مباديء ( الاحتواء .. التوجيه .. التوازن .. وصولا للسيطرة ) ويقتضي ذلك حتما ( الاختراق .. تقديم المعلومات الصحيحة والخاطئة .. اصطناع الاهداف .. صنع السياسات بعيدا عن حقيقة المشهد ) .. مقابل ذلك نجد بعض التنظيمات العالمية تقوم بما تقوم به المؤسسة الامنية بشكل علمي مدروس مضافا اليه عنصرين ( العلنية .. التمويل ) وفيما بين هذا وذاك حرب ضروس لتجيير كل طرف الحراك لحساباته .. اما الوضع الظاهر اعلاميا فهو ( الحراك الشعبي الاردني ) الذي يتأثر به المواطن ويصنع الرأي العام ويلقى التصفيق الحار من قبل من يرى الوضع الظاهر لا ما يدور خلف الكواليس ..



نماذج التضليل كثيرة ومثالا لا حصرا نقول .. استحداث حالة عنف محددة وقتيا او زمانيا او مكانيا او موضوع الولاية العامة او طبيعة العقد الاجتماعي السائد او تفعيل فكرة الوطن البديل وقد اخترنا من ذلك التضليل جزئية الفساد كأحد النماذج المؤسفة التي تعني كل مواطن بشكل مباشر ..



فمن المؤسف جدا ان يتم عرض موضوع الفساد امام الشعب باعتباره المشكلة الاردنية في حين انه ليس بحد ذاته هو المشكلة بل هو نتيجة طبيعية للمشكلة الحقيقية التي يعاني منها الاردن وهي ( الحرية ) فلا فساد دون استبداد نقيض الحرية ..



ومن المؤسف اكثر ان يكون شعار الحراك هو ( مكافحة الفساد ) في حين اننا بحاجة ( لمعالجة الفساد ) ومن المؤسف اكثر واكثر ان يتم تسطيح وتسخيف العملية والموضوع ليصبح ( محاكمة فاسدين ) وكأن الفساد الموجود كحالة وطنية سينتهي بسجن فلان او علان على الرغم من أهمية ذلك ..



أما ما يبكي العين ويكلم الفؤاد ان تصل الامور من السطحية وضعف المعالجة والامعان في التضليل ان يصبح موضوع الفساد عبارة عن اعتصام امام بيت مواطن اردني بتهمة الفساد ليصار بالنتيجة لتحويل الصراع الى خرق حرمة منازل او تجاوز عرف وهل ذلك من الرجولة ام لا !!!! ..



ومن المؤسف أكثر وأكثر ان يصبح ذلك حديث الشارع وموضوع الموسم فيترك الناس الهموم الاساسية والمطالبات الموضوعية وعملية الاصلاح الشمولي للوطن والتطوير والتحديث والتغيير للافضل فينصرفوا الى ما حصل عند منزل فلان مثلا او ترك الاهم وتحويل الصراع ولفت الانظار لغيره فيصبح مثلا الشغل الشاغل للاردنيين ماهية الشعارات ومستوى الشتم فيها الذي لايقدم او يؤخر في الحالة الاقتصادية المريرة وكيفية النهوض بالوطن اقتصاديا ليأخذ الصراع شكله النهائي بانه متعلق بموقوفين يفرج عنهم بالنهاية ويقدموا كمناضلين قد هرموا من اجل هذه اللحظة التاريخية !!! ..



من المؤسف جدا ان يتم التعامل مع موضوع الفساد بطريقة استغلالية بشعة لتحويل ولفت الانظار عن التحديات الحقيقية التي يعاني منها الوطن فالمطالبة بمحاكمة الفاسدين ( على اهميتها ) تطغى تضليلا وبهتانا على معضلة الحرية فتخدم من يريد بقاء الوضع على ما هو عليه لفساد واستبداد مقونن أكبر وبالمقابل يخدم ايضا تنظيمات عالمية كوسيلة للاستقطاب والتجييش فيصبح موضوع الفساد بهذه الطرح السطحي حصان طروادة لاطراف الصراع ..




ومن المؤسف اكثر ان لا نجد من النخب في الحراك او مثقفي الوطن من يتناول موضوع الفساد بشكل عقلاني مجرد بعيدا عن فخ التضليل والشعارات وعلاقته بموضوع الحريات .. او طرح وسائل المعالجة الحقيقية من اعلام حر الكلمة يتعقب الفاسدين وقضاء مستقل نزيه محمي من التدخل او التغول او التهديد ومعالجات حقيقية للفكر والفتوى الدينية الشاذة التي تبيح التطاول على المال العام او الخاص او فتاوى الضلال والافك التي تجيز الرشوة للوصول ( للحق ) او معالجة ثقافة الاثراء السريع خصوصا لدى العنصر الشاب الذي يشكل النسبة العظمى من القوى العاملة او تغييرات وتعديلات حقيقية في منظومة التشريع الاردني والتي فيها النصوص تحمي اللصوص ..



هذه دعوة للحراك للرقي بمستواه وتقديم نموذج اصلاحي أخلاقي رفيع المستوى وعميق النظرة والاهداف - يستقطب النخب المثقفة التي عزفت عنه الا من رحم ربي - بأجندة شمولية قابلة للتطبيق والانسجام مع غيرها من الاجندات يمكن تحويلها او تبنيها كبرنامج انتخابي لأعرق الاحزاب تمهيدا للانتقال لمستوى ارقى واذكى ومنظم بشكل علمي مدروس وهي دعوة للمراجعة الشاملة العميقة لكامل المرحلة السابقة واعادة تقييم الحالة الذاتية للحراك وتطهيره وعدم السماح باختراقه او بحرفه عن مساره واجهاضه او تسخيره او تضليله بما يؤدي لتضليل كل الشعب ..


المحامي بشير المومني
basheerlawyer@yahoo.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات