بين السياسة والاحذية علاقة قديمة


عندما وقف نيرون في شرفة قصره يتمتع برؤية روما التي أحرقها بكامل مجدها، كان يقف إلى جانبه مرافقه الفيلسوف رينون. فسأله نيرون كيف وجد منظر روما وهي تحترق، فقال له الفيلسوف:
"إذا احترقت روما فسيأتي من يعيد بناءها من جديد، وربما أحسن مما كانت عليه، لكن الذي يحز في نفسي هو أنني أعلم أنك فرضت على شعبك تعلم شعر رديء فقتلت فيهم المعاني، وهيهات إذا ماتت المعاني في شعب أن يأتي من يحييها من جديد ".
حكاية الأحذية و الحكمة من رميها ؟؟؟؟؟هل من رماها يريد الشهرة . . ؟؟هل يريد دخول التاريخ . . . لكن التاريخ لا يبدأ من الأحذية ، فرمزية "الاحتقار" الكامنة في القذف بالحذاء" معروفة ومتوارثة منذ القدم في الشرق
نستعيد عبر الذاكرة كثيرا من عناوين الصحف التي استهلت اقوالها:
صحفي عراقي يقذف بوش والمالكي بحذائه ويهتف قائلا: "كلب"بعد مشادة بينهما واتهامات لعز بالفساد
قيادي بالحزب الحاكم يتهم ابن شقيق السادات بمحاولة ضربه بالحذاء، سوداني يرشق الرئيس البشير بحذائه.. والرئاسة تتنكر للواقعة ، ضرب رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا بالحذاء
مجهول يلقي حذاءه على وجه "نجاد" في ميدان رئيسي بإيران
هل دخلت الاحذية معترك الحياة السياسية؟؟؟؟
التاريخ يقول : بين السياسة والاحذية علاقة قديمة. فقد استخدام الحذاء للتعبير عن مواقف سياسية، وكثيرا ما كان حاضرا في الثقافة السياسية. أحيانا يَضرب السياسي به، وأحيانا هو يُضرب هو به كما حصل مع الرئيس الاميركي جورج بوش في المؤتمر الصحافي الاخير له في العراق، حيث كاد أن يتلقى ضربة على رأسه بحذاء الصحافي العراقي منتصر الزيدي، لولا رشاقته وسرعة حركته. هذه الحادثة قد تكون الاحدث من بين سلسلة الاحداث التي وقعت سابقا والتي تدل على وجود علاقة بين السياسيين والاحذية، ولكنها ليست الوحيدة التي ستدخل التاريخ. ففي عالمنا العربي، تعود علاقة السياسيين بالاحذية الى القرن الثالث عشر، عندما قامت أم علي زوجة عز الدين أيبك وجواريها بقتل ضرتها شجرة الدر، حاكمة مصر، ضربا بالقباقيب! أشبعت أم علي وجواريها شجرة الدر ضربا بالقباقيب في الحمام، انتقاما لمقتل زوجها .
ومنذ ذلك الوقت لعب الحذاء دور البطولة في كثير من المواقف. هذه العلاقة اضحت علاقة عجيبة ومثيرة للدهشة، ففي الوقت الذي سببت إحراجا لبعض السياسيين وولدت مشاكل كبيرة بين شعوبهم، كانت مصدرا للفخر وتعبيراً عن مواقف نبيلة لأصحابها، حتى باتت «العلاقة بين السياسي والحذاء أعمق مما نتصور».
لكن أكثر ما عرف وانتشر عن مواقف الأحذية أنها تسببت في إحراج العديد من السياسيين وأنها استخدمت للتعبير عن الغضب والاعتراض على موقف سياسي معين، مثال نيكيتا خروتشوف الذي استخدام حذاءه مرتين. الأولى ، بالضرب بحذائه على منصة الأمم المتحدة، اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفليبيني لورنزو سومولونغ، الذي انتقد فيه الاستعمار السوفييتي في أوروبا الشرقية. والثانية عندما خلع حذاءه وضرب به الطاولة الموجودة أمامه في الجمعية العامة احتجاجاً على تصريحات الأمين العام دوغ هامرشولد
رغم الحرج الذي شعر به وزير الخارجية السوفييتي أندريه غروميكو ، إلا أنه راح يضرب هو الآخر الطاولة بحذائه بل وانضم إليهما بقية أعضاء الوفد السوفييتي.
ونتذكر صدام حسين عندما رسم صورة لبوش الأب بالفسيفساء على أرضية فندق الرشيد الشهير في بغداد بعد نهاية حرب الخليج الثانية في العام 1991، مكتوب تحتها بالعربية والإنجليزية «المجرم جورج بوش»، وذلك حتى تدوسها النعال لدى دخولها الفندق، حيث يمثل رفع الحذاء أو التهديد بالضرب به أقسى أنواع الإهانات في الثقافة العراقية والعربية بشكل عام.
ولا ننسى ما قام به المصريون والفلسطينيون معا حيال وزير الخارجية المصري أحمد ماهر، حيث تعرض فور دخوله إلى باحة المسجد الأقصى للاعتداء وقام المهاجمون بترديد هتافات تتهمه بالخيانة، وبدؤوا بإلقاء الأحذية عليه .
غير أن للأحذية مع بعض السياسيين مواقف جيدة استخدمت فيها كوسيلة للتعبير عن الاحترام والتقدير، يحكى أن الزعيم الهندي الشهير غاندي كان يجري للحاق بالقطار، وعند صعوده القطار سقطت إحدى فردتي حذائه على الأرض، وحين فشل في التقاطها، أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار. فتعجب منه مرافقوه وسألوه عن السبب؟؟؟؟؟؟ فأجاب غاندي: «أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده».

مما سبق تستعيد الاذهان مقولة الحبيشي "حين تنتهي الثورة لاحتكام العقل للحذاء، ولا تطول اليد إلاّ ما تنتعله القدم، فإن الثورة تتحوّل من ثورة للكرامة، إلى ثورة عليها، وحين يبلغ الطيش مداه، ويتوقع الثائرون أن وضع العقل في بطن الحذاء سيجعل الحذاء مفكّرًا، أو سيساعد العقل على المضي قدمًا، حين تصل الأمور هذا الحد من هدر التضحيات، وتشتت الرؤى، وإراقة الغايات على رصيف الفوضى، فإن انتكاسة كبرى قد أحاطت بالعقل، والقيم، والأولويات، ولن تزيد طينة الضياع إلاّ ابتلالاً يلطّخ وجه الثورة، ويغشى عينيها فتتخبط وتسير بغير هدى، وتسيء، وهي تحسب أنها تحسن صنعًا، وربما تزداد الأمور سوءًا فتجد الثورة ثائرة على نفسها، وعلى مبادئها، بل ومتّهمة بارتكاب جناية أخلاقية على عرض الكرامة، بدل حفظها والانتصار لها.
إهانة العقل في معترك الثورة الإنسانية، وخضم هيجانها هو الاعتداء الحقيقي على الكرامة، وسيبعث العقل للانتقام من مهينيه، والانتصار لذاته فهو -مناط الكرامة وسرها الفطري- وشقلبته، ووضعه أسفل سافلين، لن يعلي شأن الحذاء، ولن يمكّن الأقدام من السير قدمًا، فتجد نفسها غير قادرة إلاّ على الهرولة في الهواء، كما يفعل المهرجون، مهدرة طاقاتها، نازفة غذاءها، معرّضة نفسها للنقد والتقييم السلبي.
إن الثورة هي الأولى بالالتزام بالأخلاقيات التي اشتعلت من أجلها، وهي الأحرى بضبط سلوكياتها بقيم الحضارة التي تطالب بها، وإن لم ترتقِ لغة خطابها عن مستوى الأحذية، فلن توافق تطلعات الأجيال، وستغدو فارغة من محتواها الإنساني والقيمي والشعبي والقانوني، بل حتى معاجم اللغة ستحتار في شرحها وتفسيرها، ولن نجدها إلاّ حين نحذف التاء المربوطة آخرها.
ثورة الكرامة :هي التي يحكمها العقل بالالتزام بالأخلاقيات التي اشتعلت من أجلها بضبط السلوك
أما ثورة الذل :فهي التي تحكمها الأحذية بالانفلات الأمني من اعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة
والتهجم على المؤسسات وكثرة السرقات وووووووو.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات