الشرعية في زمن التمويل الخارجي


الاختناق السياسي هو احد الحالات التي تعتري جسد السلطة حين تضيق بها اسباب الحكم ومبرراته. وأهم اعراض الاختناق عندما تفقد السلطة الطاقة على تغذية شرايين مؤسساتها اولا ومن ثم جسد الوطن ككل. والسلطة ايا كانت ، بإمكانها ابقاء نبض الحياة قائما لديها ما دامت موارد التغذية مؤمنة بأيا طريقة كانت. الدول التي حققت نجاحات سياسية واقتصادية هي التي تستولد طاقتها على البقاء من دورة الحياة الطبيعية في كيانها السياسي والاقتصادي ، وبالتالي لا يهدد تماسكها صدمة من هنا او ثغرة هناك ، لأنها ايا كانت العوارض التي تعتريها فهي تتغلب عليها بطاقتها على صنع الثروة دون الارتهان إلى موارد تغذية من الخارج.

وما يحدث لدينا ان السلطة في العالم العربي كانت تعتبر الدعم الخارجي احد مكونات الموارد التي تمكنها من الامساك بزمام الحكم وبالتالي المحافظة على شرعيتها. وبقي الحال على هذا النحو عقودا من الزمان إلى ان بدأ التصدعات والشقوق في علاقات السلطة مع الخارج تظهر جليا شيئا فشيئا إلى حد بات معه الحصول على التمويل او الدعم اللازم للحفاظ على اجواء الاستقرار التي الفها المواطن امرا غير متاح كالسابق وان ثمة ثمن سياسي كبير يستحق على تلك الدول لو هي ارادت ذات الدعم الذي كانت نحصل عليه سابقا. ولأن الدعم الخارجي هو شرط بقاء لتلك الانظمة ، فإن ضعف موارد التمويل او شحتها تعني بالمقابل ان قبضة الحكم لم تعد محكمة بالقدر الكافي للإمساك بزمام الامور وان حالة الفلتان والغليان باتت ظاهرة على شعوب منطقتنا بكل وضوح. ولا داعي لنستشهد على ذلك من الخارج ، ، فما سمي بحرب العشائر والعائلات منذ العديد من السنين كان تعبيرا واضحا عن حجم الاحتقان الاجتماعي الذي يعانيه المواطن ، وبقي تعامل السلطة واعلامها الرسمي على ان تلك الاحداث هي حالات خاصة بين عشيرتين لا اكثر . وبعد سقوط العديد من الجرحى - واحيانا القتلى - تتدخل الاجهزة الامنية حتى تنتقل بؤر الانفجار إلى مدن اخرى وهكذا دواليك دون ادنى التفات إلى مدلولات هذه الظاهرة الخطيرة والمؤشرات التي تحتويها حول خطورة واقع الحال.

واليوم بدت الحالة اكثر خطورة وتعقيدا لأن الدول المانحة والممولة شاءت ان تقول لنا "كفا". وشاءت ان تعيد حساباتها حول جدوى تمويل الانظمة التي حكمت لعقود طويلة بالاعتماد على طاقات الخارج, وشاءت ان تقتنع أخيرا بأن الشرعية المكتسبة بطاقة التمويل الخارجي لا يليق بها الدعم بعد ان استهلكت مبررات بقائها . ومثل هذا التعامل الجديد من الدول المانحة فرض حصارين على تلك الانظمة. حصار اقتصادي يتبلور بوقف اسباب الدعم الخارجي من الدول المانحة وما يلحقه من اثار خطيرة تهدد المواطن بقوته وحياته ، ومن ثم حصار سياسي حين تبدأ حركة الشارع بالاتساع مقابل قبضة امنية باتت اكثر وهنا وترهلا وارتخاءا.
المحامي غسان معمر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات