مستقبل "المصالحة الفلسطينية" في ظل "حكم الأخوان" في مصر


تعيش حركة الأخوان المسلمين في مصر مرحلة من الازدهار لم يسبق لها مثيل منذ تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928، تكللت بوصول مرشحها للرئاسة الدكتور محمد مرسي لسدة الحكم. ومنذ اللحظة الأولى لأعلان الدكتور مرسي رئيساً لجمهورية مصر العربية الشقيقة، ذهب العديد من المحللين السياسيين، وحتى المواطنين الفلسطينيين العاديين بعيداً في تحليلاتهم وفقاً لهذه النتيجة وأثرها على المصالحة "الفلسطينية- الفلسطينية" بخاصة، وعلى القضية الفلسطينية بعامة، وبإعتقادي أن هذا الموضوع بحاجة الى تحليل وتمعن وفقاً للمعطيات المختلفة على أرض الواقع، ومن خلال مقالتي هذه سأحاول الخروج بنتيجة مبنية على أسس مرتبطة بتصريحات قيادات حركة حماس إبان إعلان نتائج الأنتخابات المصرية، والقضايا الحساسة الأخرى التي تنتظر الرئيس المصري الجديد.
فبعد ست سنوات على الانقسام، لم تفلح المحاولات العديدة للم شمل شطري الوطن، وعندما كانت النتائج الأولية للانتخابات المصرية تأتي تباعاً، وتبشر الأخوان بفوزهم في الانتخابات الرئاسية، جاء اعلان رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية باعتبار يوم 14 حزيران يوم وطني للشرطة، وهو اليوم الذي سيطرت فيه حركة حماس على غزة بمثابة مسمار جديد في نعش المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وعزز ذلك تصريحات فتحي حماد وزير داخلية حماس، في الوقت نفسه، التي قال فيها "لا صلح مع العلمانية ولن يسود إلا حكم الإسلام". سبق هذه التصريحات بيوم واحد، تصريح آخر لعضو المكتب السياسي لحماس محمود الزهار، الذي قال أن مقر المجلس التشريعي بغزة سيكون عاصمة للدولة الإسلامية الكبرى، مشيرا إلى أن المرحلة القادمة ستشهد دورة حضارية جديدة تزول فيها الحدود التي وضعها الاحتلال. وبدوره أكد مبعوث وزير الخارجية الروسي للشرق الأوسط، سيرجي فيرشينين، بعد لقاء جمعه مع رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، أنه وجد الأخير أكثر تشددا من ذي قبل لأن حماس تجد أن التغيير الذي يجري في المنطقة لصالحها، وهذا ما أكده مرة أخرى القيادي محمود الزهار حين قال أن تأجيل مباحثات تشكيل حكومة الوفاق الوطني إلى ما بعد الانتخابات المصرية، يعود إلى "وجود معطيات جديدة على الساحة، ونحن نتحرك في بيئة عربية من حولنا، هذه البيئة كانت معادية سابقا لبرنامج المقاومة"، وأضاف "لذلك طالبتُ بأن نتريث قليلا حتى نرى ما سوف تُفضي إليه الانتخابات المصرية، وما ستفرزه من نتائج نتعرف حينها على هذه البيئة الجديدة، وكيف سيكون تعاطيها مع القضية الفلسطينية، خاصة أن مصر واحدة من أهم الدول الأساسية في إتمام برنامج المصالحة".
أضف الى ما سبق تصريحات هنية خلال تخريجه لفوج من ضباط الشرطة في غزة، حيث قال "أسسنا مؤسسة أمنية ذات عقيدة وطنية لا تعترف بالتعاون الأمني مع الاحتلال بل تشكل غطاء وحاضنة لأمن الإنسان الفلسطيني، ولأمن المقاوم الفلسطيني، ولأمن المقاومة الفلسطينية، ونحن لن نسمح بعودة الفلتان الأمني حتى ولو كان على رقابنا، وهذا يشكل قاعدة انطلاق لأي عمل أمني فلسطيني في أي مكان سواء في غزة أو الضفة الغربية"، وفي هذا تصريح واضح بأن حركة حماس هي من سيملي الشروط مستقبلاً. وأذكر هنا بفتوى يوسف القرضاوي، التي أطلقها أثناء عقده لأجتماع ببعض أعضاء مجلس الشورى والمكتب السياسي لحماس في قطر عام 2010، والتي تضمنت أن غزة يجب أن تظل قاعدة ومرتكز لحركة الإخوان المسلمين، وأن الذهاب للمصالحة يعني إنهاء هذه التجربة وفقدان حركة الأخوان المسلمين لأول بقعة يقام عليها نظام حكم لهم. ولم تكن هذه أول فتوى يطلقها القرضاوي ففي عام 2007 أفتى لحماس بشرعية الإنقلاب، وكذلك أفتى أحد مساعديه -محمد سعيد العوا- بجواز القتل من أجل ترسيخ حكم الأخوان المسلمين في غزة.
وبناءاً على المعطيات السابقة، أكاد أجزم ان حركة حماس التي أعلنت في بيانها الأول الذي صدر يوم 14 كانون الأول 1987، بأنها "الذراع الضارب لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين المحتلة"، أجزم انها لن تذهب في مصالحة وطنية فلسطينية في الوقت الحالي، فقواعد اللعبة اختلفت من منظورها، وإن ذهبت سيكون ذلك ضمن شروطها ورؤيتها الخاصة، وهذا بنظري ليس غريباً، فعلى مر التاريخ كان ومازال الأقوى هو من يضع قواعد اللعبة ويملي الشروط، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن حماس تمتلك حالياً شعبية أكبر في فلسطين، فمعظم الدراسات تشير الى تراجعها لصالح حركة فتح، وان ما أقصده هنا هو القوة من ناحية الدعم والتأييد من حلفاء في الخارج كالأخوان في مصر، والدعم القطري والايراني، والمد الأخواني في الدول العربية والاسلامية، فللأخوان المسلمين تواجد في أكثر من 72 دولة عربية واسلامية، وأرى أن مرسي لن يكون الرئيس الأخواني الأخير لدولة عربية، فبعض البقية ستتبع، والساحة العربية حبلى بالتغيرات والمفاجئات، وستسعى حركة الأخوان المسلمين في مصر بكل ما اؤتيت من قوة لتعزيز اجنحتها أينما وجدت في أي دولة أخرى.
وباعتقادي أن هناك قضايا داخلية مهمة تنتظر الرئيس محمد مرسي سيوليها جل اهتمامه لينال ثقة شعبه، بحيث تجعل من مسألة المصالحة الفلسطينية ثانوية، فقد اختار شعار "النهضة إرادة شعب" عنواناً لبرنامجه الانتخابي. ومن أهم القضايا الساخنة التي تنتظره، الاقتصاد المصري المتردي والمتمثل في ارتفاع نسبة البطالة، وتدني الأجور، وارتفاع الاسعار، ومحاربة المحسوبية، والتنمية السياحية، والعشوائيات، وغيرها من قضايا متعلقة بالاقتصاد المصري. وكذلك قضية الأمن الداخلي لمصر، حيث انه أكد أنه سيسعى لتطبيق شعار "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" خلال مئة اليوم الأولى من حكمه، أضف الى ذلك مسألة تنامي الحركات الجهادية في سيناء. إلا أن المسألة الأهم بنظري والتي ستستحوذ على على جزء كبير من اهتمامه، هي علاقته بالمجلس العسكري الأعلى وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وقضية حل البرلمان، و مسألة الدستور المكمل، واستقلال القضاء، والحفاظ على المعاهدات المبرمة مع الجوار. إن ما اردت قوله هنا، ان لدى الرئيس مرسي قضايا داخلية حساسة ستصرف اهتمامه عن موضوع المصالحة الفلسطينية، وكان هذا واضحا في خطابه الذي ألقاه عقب اعلان النتائج النهائية حيث أنه لم يتطرق للقضية الفلسطينية خلاله، وعليه أرى أن المصالحة الآن أصبحت أبعد بكثير مما كانت عليه في السابق.



تعليقات القراء

سميرة الاسدي
مقال رائع د. معين الكوع
برأيي المتواضع ان مصر تتقادم بدلا من ان تتقدم
28-06-2012 10:46 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات