اللهو الخفي في عمان .. هيئة لتشخيص مصلحة النظام


جراسا -

بعد غضبة القصر الملكي الأردني على الإنتهاكات التي شهدتها مراكز تأهيل ذوي الحاجات الخاصة، وإثر تحرك الملك شخصيا بعد برنامج بي بي سي الشهير كلف الوزير الأسبق محيي الدين توق برئاسة لجنة محايدة تدقق في الأمر وتخرج بتوصيات.
توق أدان في تقريره أربع مؤسسات مهمة وإتهمها بالتقصير وعلى رأسها المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي سبق له أن ترأسه فيما مضى قبل أن يغادره في ظرف غامض ولأسباب غير مفهومة حتى الان.
وإتهام توق للمؤسسة التي سبق أن أدارها بالتقصير لم يعجب بعض النخب السياسية التي سارعت لإتهام توق بالسعي لتصفية حسابات قديمة لها علاقة بالمركز الوطني لحقوق الإنسان مع أن الرجل مارس أقصى طاقات الشفافية وهو يذكر مؤسسات القرار برمتها والناس معها بأن البلاد فيها ذراع حقوقية شرعية تحظى بالغطاء الدستوري والقانوني ولا تقوم بواجباتها.
وعندما نجح رجل النظام القوي الجنرال سميح بينو في وضع {قراءة مختلفة} لمكافحة الفساد أرهبت الفاسدين واللصوص وردعت الكثير من عمليات النهب والسلب مستقبلا وجد القوم من داخل مؤسسة القرار من يحاول تشويه سمعة الرجل عبر نشر أخبار ملفقة عن عمليات إستبدال لقطع أراض يملكها الرجل أبا عن جد.
بوضوح كان الهدف من إختلاق التسريبات للمساس بالجنرال بينو هو ردع ماكينة مكافحة الفساد التي أطلقها الرجل بقوة في الحياة العامة أو إنتاج الإيحاء بأن رموز المؤسسة البيروقراطية متشابهون من حيث ميلهم تكلسهم وكسلهم وثقافتهم الإصلاحية ومن حيث سعيهم للعمل ضد الإصلاح والتغيير. قبل ذلك تستقيل حكومة الرئيس عون الخصاونة فيعود وزيران من طاقمها إلى وظيفتهما الجامعية السابقة ببساطة وبدون إجراءات فيما تحصل معركة لا مبرر لها هدفها الوحيد منع وزير العدل في الحكومة المستقيلة الدكتور إبراهيم الجازي من إستعادة وظيفته الجامعية.. تهمة الجازي وهو قانوني شاب وواعد كانت الإخلاص المبالغ فيه لحكومته ولوظيفته ومرجعيته البيروقرطية والرجل يدفعه بعض قصار النظر دفعا لإتجاهات تحاربه شخصيا وبدون مبرر منطقي فقط لانه إلتزم بتعليمات رئيسه وكان مخلصا له ولعمله.
اللهو الخفي في عمان يعيق عودة الجازي إلى وظيفته وحتى الرئيس الخصاونة نفسه يتعرض لمضايقات وتسريبات تحاول إخراجه عن سكة إيمانه بالنظام بعدما كان طوال عقدين من أبرز رموزه ورجالاته خارج المملكة وتحديدا في أوروبا..يحصل ذلك رغم أن الخصاونة لا يخطط للعمل السياسي بعدما إستقال وجلس في منزله وعاد للعمل كمزارع وإنشغل بشؤونه وهو وضع لا يعجب بعض أصحاب النفوذ الذين يفكرون بتقمص وإستنساخ أحداث الفيلم الأمريكي الشهير {عدو الدولة}.
فجأة أصبح الخصاونة رجلا ضد النظام تستهدفه تقارير الإعلام المركوب وتلاحقه الشائعات، وفجأة يمنع الجازي من العودة لوظيفته ثم تستهدف صالونات النميمة السياسية تقرير توق وإنتاج بينو..يمكن ببساطة هنا ملاحظة بأن الأهداف جميعها وبدون إستثناء كانت قبل قليل من رموز النظام والعمل الرسمي. لكن اللهو الخفي له دوما رأي آخر في مسارات الأحداث وقائمة {ضحايا النظام} من رموزه تتوسع في الوقت الذي {تترنح} فيه خيارات المؤسسة في الرجال والبرامج على أعتاب الإحساس الجماعي بأن إختيارات النخب غير معقولة وغير منطقية ولا تنتمي للعصر الحديث إطلاقا وتركز فقط على من لا يجيدون قراءة الواقع أو تشخيص الأزمات من فئة {الكبار} الذين كانوا دوما سببا في الإحتقان وحجة على النظام ومصنعا للإحباط العام ولمسافات الإبتعاد بين مؤسسة الحكم والشعب.
وحتى اليوم يشعر أي مراقب منصف بحالة {فصام} نادرة فالكلام الجميل عن الإصلاح والإصلاحيين ينتهي دوما بإختيارات غير إصلاحية إطلاقا في مفارقة أصبحت {لغزا} في الحياة السياسية الأردنية فمن كلفوا بمهام الإصلاح والمواقع الأساسية حتى اللحظة هم حصريا رموز الدولة المعروفين بعدائهم الشديد للإصلاح وبقلة ولائهم لفكرة التغيير.
وفي لحظات سابقة كان كل من يتصدر من رجال الدولة والنظام هدفا فقد إستهدف زيد الرفاعي ومعروف البخيت ونادر الذهبي والقائمة تطول وتطول بحيث فقدت الشخصية العامة هيبتها وحصل مساس ممنهج بكل المسؤولين السابقين من كبار رجال الدولة سواء أكانوا إصلاحيين فعلا أو كانوا خصوما للإصلاح وظيفتهم الإيحاء فقط الإيحاء- بأن البلاد في طريقها نحو الإصلاح.
نفس الإحباطات واجهها آخرون خلافا لتوق وبينو من أبناء النظام ومؤسسات القرار وبدا واضحا أن جبهات الكسل والخمول والتردد مستحكمة بإسترخاء في بعض مفاصل الواقع والقرار وتعمل جاهدة لمضايقة كل من يحاول تأسيس صورة {باهية} للنظام ولو قليلا كما تطارد كل رجال الدولة المنتجين بمن في ذلك الذين يكلف بعضهم نفس النظام لإنتاج صورة مختلفة ونبيلة تنفع المؤسسة في زمن الربيع العربي المفتوح على كل الإحتمالات.
داخل المؤسسة ثمة من يحاول {تشويه} كل مساحات الإدارة الإيجابية، وعمليات الترصد التي تخطط لإعاقة كل من يفكر بالإصلاح والتغيير مدعومه بقوة من جهات غامضة داخل المؤسسة وهي جهات لا تريد الإصلاح وتجتهد لإبقاء المؤشرات السلبية لمؤسسة النظام بحيث يبدو رجعيا ومرتبطا جذريا فقط برموز الحرس القديم ومراكز قوى ظلامية وغير قادر على المناورة والمبادرة ولا على مخاطبة حب الناس الكبير للقصر وإيمانهم بالملكية وتطلعهم للإستقرار العام.
مقابل هؤلاء تستحكم جهات لا ترى أن الإتجاهات يمكنها أن تكون وطنية أو لصالح النظام إلا إذا مرت عبرها فقط فعندما قال الملك شخصيا يوما بأنه لا يمانع تطوير التعديلات الدستورية مستقبلا وتقديم تنازلات إضافية ليساهم الناس في حكم نفسهم ترددت في الأجواء أصداء من هددوا بحمل السلاح ضد أي محاولات لتقديم تنازلات للشعب تحمي مستقبل البلاد.
عليه تثبت نخب عمان مرة أخرى أنها تأزيمية وتوتيرية فمن لا يعمل بينها يحاول إعاقة من يعمل ومن لا ينتج يقضي كل أوقاته في التخطيط لعرقلة من ينتج بدلا من التخطيط لتحريك الدماء في عروقه البيروقراطية المتكلسة التي لا ترضي شعبا ولا تقنع قيادة وتحرج الجميع ولا تؤسس عمليا لخيارات إستراتيجية منتجة أو مقنعة تمكن القيادة من عبور الأزمات خلافا لانه تصنع الأزمات وتتكفل بتغذيتها.
منذ سنوات قال المخضرم زيد الرفاعي بأن وضع القيادة- أي قيادة- في سياق خيار إستراتيجي واحد سلوك يرقى إلى مستوى الخيانة.
وفي أحد الأيام إقترح الزميل نبيل الشريف تأسيس هيئة لتشخيص مصلحة النظام وظيفتها تحديد الأولويات والإتجاهات في بوتقة واحدة تحمي النظام الذي لا يفتقر للشرعية عمليا لكن بعض أدواته تعمل على تبديد هذه الشرعية وسحب رصيدها من وجدان الناس حتى وصل المواطن الأردني لمرحلة يقول فيها بوضوح بأنه لم يعد يرضى بتمثيله سياسيا عبر النظام بشكله الحالي.
السبب في هذه النتيجة المؤسفة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم ليس الناس وليس الأخوان المسلمين ولا المعارضين الإفراد ولا الأمريكان ولا المشروع الصهيوني.. السبب واضح وملموس وهو خيارات النظام في مواقع الصف الأول وممارسات الأدوات التي منحها الحق في تمثيله والتي مالت دوما للعب غير النظيف خصوصا بعد تصعيد شخصيات مراهقة لقمة القرار كلفت البلاد والعباد الكثير من الأضرار والمآسي.
وقبل عدة أسابيع قالها أحمد عبيدات إبن النظام الوفي علنا وبوضوح بعد {إقصائه} عن جميع المواقع: نريد أن نحمي النظام من نفسه.. لا يوجد كلام مسؤول أكثر من هذا الكلام لكن بعيدا عن المبالغة لابد من التوصل إلى قناعة باتت حقيقة ويقين اليوم فالمشكلات التي يواجهها النظام اليوم ليست محصلة لعامل خارجي أو لموجة الربيع العربي بل محصلة لأدواته وأداء رموزه الخالي من {الإبداع والخيال} والمغرق في الوصفات القديمة والكلاسيكية وهو وضع نراه مباشرة عند كل دعاة المعالجة الأمنية للحراك أو دعاة التحذير من تجريب نظام إنتخابي خارج قاعدة الصوت الواحد سيئة السمعة والصيت أو عند البيروقراطيين المتكلسين الذين يعزفون على أوتار قواعد اللعب غير النظيفة وهم يحذرون النظام من كلفة منهجية الديمقراطية ودولة المواطنة.
المؤسسات الموجودة حاليا أصبحت عمليا جزءا من المشكلة ولا يمكنها مساعدة النظام لانها حجة عليه والحل قد يكون فعلا بهيئة تشخص مصلحة النظام وعلى الطريقة الإيرانية والله من وراء القصد.( بسام بدارين - القدس العربي )



تعليقات القراء

رفاعي
البرامكه الجدد
13-06-2012 11:06 AM
سلطي دت كم
كلي شيغن انكشفن وبان على راي عبد المنعم مدبولي في مسرحية ريا وسكينه
13-06-2012 01:10 PM
مواطن خروف
هزي يانواعم شعرك الحرير
13-06-2012 09:14 PM
أبو العبد
أحسنت "التشخيص" يا بسام...شكرا

فهل من متعظ ؟؟؟؟؟!!!!قبل فوات الأوان؟؟؟!!
14-06-2012 08:19 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات