معلوليّتنا ومعلوليّتهم


قد يكون من المناسب فتح ملفات ما يُعرف بالمعلولية لأصحاب المعالي والذوات والباشوات، ممن حصلوا على تقارير طبية في نهاية خدمتهم الوظيفية تشير إلى تعرض( بعضهم) لإصابات خلال فترة توليهم موقع المسؤولية؛ حيث تمنحهم مثل هذه التقارير نسبة عجز كلي أو جزئي وبنسب مرتفعة تصل إلى مئات الدنانير، ليصار بعد ذلك إلى أن يتولى هذا العاجز موقعا آخر براتب يوازي ضعف أو أضعاف راتبه القديم ما قبل التقاعد. حيث تدبّ في أوصاله الحيوية والرشاقة والعطاء بقدرة قادر، مما يشير دون أدنى شك إلى أن تلك التقارير الطبية للحصول على نسبة معلولية مرتفعة ما هي إلا تقارير زور وبهتان واسترضاء لشخصه ومكانته الوظيفية آنذاك. ومما يزيد الطين بلة أن بعضهم لا يخدم في العمل العام سوى أياما معدودة، أو أشهرا محدودة يتحصل بعدها على معلولية لا يتحصل عليها من خدم في الوظيفية أكثر من ربع قرن؛ بل ويزيد.
بالمقابل، عشرات الآلاف من الموظفين والعسكريين الذين تقاعدوا كانوا يلهثون وراء التصوير الطبقي، والرنين المغناطيسي، وأرشيف التقارير الطبية التي بحوزتهم منذ عشرات السنين كي تتلطف اللجنة المعنية بما وصلوا إليه، وصاروا عليه، وتمنحهم نسبة لا تتجاوز العشرين أو الثلاثين دينارا( على الأغلب) وذلك بعد سنين طويلة في الوظيفة العامة؛ دخلوها منتصبي القامة وخرجوا منها بتبخر النخاع الشوكي، وتآكل العمود الفقري ابتداء من الفقرات العنقية وانتهاء بالعصعص. إضافة إلى أمراض أخرى لا ضرورة لذكرها؛ فهي معلومة للقاصي والداني.
وتوخيا للأمانة، وعدم التّجنّي على أحد، لا بد من الاعتراف بأن( بعضهم) عجزة كما تشير تقاريرهم، وبأنهم يعانون من الباصور والناصور( الباسور والناسور) بسبب الالتصاق الدائم على الكراسي، أو الانتقال من كرسي إلى كرسي آخر. كما أن بعض من فاحت روائحهم أصيبوا بداء اكتسبوه وهم في مواقع المسؤولية واتخاذ القرار، ألا وهو داء طول اليدين، والذي يعدّ من إصابات العمل التي تستدعي نسب معلولية مرتفعة تتواءم مع رفعة ومكانة هذه النّمر من مسؤولين. فطول اليدين ابتلي به هذا أو ذاك منهم عندما هبش ونبش وكمش أول صفقة أو فرصة سنحت له، وتوالى الدّاء استفحالا، وانتشر في كافة الخطوط والمسارب؛ الأفقية منها والعمودية. ومن الأمراض الأخرى التي يُعترف لهم بها؛ الوشيش والطنين الذي سببه كثرة الاستماع إلى شكاوى المواطنين، وتلبية حوائجهم وحاجاتهم، وكذلك بسبب الاستماع المتكرر المتواصل لدعاء الحراثين( بالمعنى الدلالي وليس الحرفي للحراثين) الذين يلهجون به صباح مساء في وجوههم وسحنهم الباشة المبشوشة. كما أن ( بعضهم) أصيب بقصر النظر جرّاء انكبابه وتنقيبه عما يصلح أحوال الحراثين في وزارته أو مؤسسته أو شركته التي ورثها من آبائه وأجداده.
وليس أخيرا؛ فهذا الملف يجب أن يُفتح على مصراعيه وبأثر رجعي، كي يشعر المتقاعدون عموما بشيء من العدالة حتى ولو كانت نسبية، وكي نسعى جميعا إلى محاولة تجفيف منابع الفساد التي تنوعت وتزايدت لعل وعسى يعود بلدنا إلى طهره ونقائه بعد أن عاث فيه ثلة من الغربان والبوم فسادا وخرابا ونقبا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات