الأردن .. لا يستجديكم منّة أو مكرمة!


صدّقوني معشر الناس أن الأردن عزيز النفس مثل أحراره وشرفائه, وإنه لا يقبل منّة ولا أعطية, وصدقوني أنه كان وسيبقى صاحب اليد الطولى والعليا بإذن الله وهمة رجاله ولن يقبل مكرمة أو لقمة من فم غيره.
هذه "التقليعة" الجديدة وهذا الأسلوب الممجوج المرفوض الذي لا تهضمه معدة ولا يستسيغه منطق أو ذوق والمتمثل بسلسلة من تنازلات فردية أو جماعية من أشخاص أو هيئات ومؤسسات عن جزء من مستحقاتهم الشهرية لكي لا يجوع الأردن ولا يعلن إفلاسه ولكي يبقى الوطن فوق الماء متشبثا بقشة هذه الهبات الضئيلة جدا, إذا ما قيست بما يحتاجه الوطن فعليا ليصح ويتعافى ولا يغرق, ليست إلا شهادة الوفاة الأخلاقية وصك الفشل السياسي والإصلاحي الذريع الذي لا يبشر بخير ولا يعد بمستقبل.
هذه الملايين القليلة أيها السيدات والسادة, التي لا تسمن ولا تغن من جوع, والتي لا تشكل أكثر من عون معنوي هزيل مرجف لا يدفع الفاقة ولا "يُموتر" قارب النجاة الوطني إلى بر الأمان وشاطئ السلامة الاقتصادية, هي بحقيقتها ليست إلا المسوغ والمبرر للسطو على جيوب الفقراء والمعوزين والجياع المنكوبين سلفا من المواطنين رغما عن أنوفهم, ضرائبا وأسعارا وأتاوات جديدة لا طاقة لهم بها أو عليها, ستفرض عليهم قريبا جدا تحت عنوان شد الأحزمة والتقشف و "مد لحافك على قد إجريك" سيما وأن العصا الغليظة بيد الجابي ستكون: الوزراء والأعيان وفلان وعلان تنازل عن كذا بالمائة من راتبه من أجل الوطن فلماذا لا يفعل المواطن المِثل؟
إن الوطن أيها السادة لا يحتاج إلى عطايا وتنازلات عن رواتب موظفيه حتى وإن كانوا وزراء ومدراء مخابرات ودرك وأمن ودفاع مدني أو غيرهم, وليس بحاجة لاقتطاعات من مخصصات مكتسبة لكريم هنا وشهم هناك من أصحاب الوظائف العامة, ولكنه بحاجة لماله وحلاله من المنهوب والمباع ومسروق المستباح ممن لا حق لهم به أو شرعية. إنه بحاجة لملياراته وملايينه التي نهبها الفساد واستباحتها الكلاب المسعورة التي نهشت منه حتى العظم دون خوف من الله أو من سطوة القانون والجزاء. إنه بحاجة لمؤسساته التي بيعت بملاليم قليلة أو لنقل سُرقت ونُهبت ؟الظهر الحمرا" والفاعل معلوم, إنه بحاجة لاسترداد فوسفاته وبوتاسه وكهربائه وغازه واتصالاته وموازناته التي بُددت على مشاريع لم ولن ترى النور.
رُوي أن معلما للفن طلب من تلاميذه رسم قطار سريع, ففعلوا إلا واحدا كسولا منهم لم يرسم إلا خطين متوازيين على ورقته البيضاء, ولما سأله المعلم عن معنى ما رسم قال: هذه هي السكة يا أستاذ, فسأله المعلم: أين القطار" فقال الطالب الكسول النجيب: غادر المحطة يا أستاذ.
باصنا السريع أيها السادة قد غادر المحطة قبل أن نراه, ولكن حظينا والحمد لله بالخطين المتوازيين, وكذلك فعل القطار الخفيف.
الفوسفات, مخزون استراتيجي ضخم قد ينقذ الوطن من الفاقة والعوز ومد اليد الدائم لغير الله, موجود والحمد لله ولكنه بِيع حتى نفاذ الكمية إلى غير أهله زورا وبهتانا.
نصف مليار تقريبا عوائد أُمنية لوحدها ذهبت لشخص واحد أو "شخصة واحدة" دون وجه حق.
غازنا ومخزون لا بأس به يكفينا لعقود طويلة, ارتهنه الفساد لغيرنا وحُرمنا نفعه وفائدته.
هذه أمثلة فقط يا سادة يا كرام, وغيض من فيض من أشكال الظلم والنهب والسلب والحلب بحق الوطن وثرواته التي لو عاد جزءا يسيرا منها لما كان الأردن بحاجة لمد اليد لسد الرمق ولا للتقشف أو سقوط ورقة التوت. ولما كان أحدهم مضطرا للتنازل عن بعض راتبه لدفع رواتب غيره.
لا تقولوا لنا أيها السادة أن الأردن فقير الموارد لا بترول لديه ولا ثروات طبيعية, فهذه اسطوانة مللناها وما عدنا نصدقها وليست صحيحة البتة.
فبلد فقير لا يسعى لبناء مفاعلات نووية تكلفنا المليارات, وبلد يعطش أهله صيفا وعليهم ترشيد الحمام وغسيل الملابس شتاء لفقره للماء لا يخطط لصنع الكهرباء من الذرة مع ما يحتاجه هذا المشروع من مليارات الأمتار المكعبة من الماء الغير موجودة, وبلد فقير بالموارد والثروات ليس بحاجة لخالد طوقان وأمثاله يسومونه العذاب بطول اللسان وقلة الأدب.
بلد فقير وكل ستة أشهر حكومة جديدة بثلاثين وزيرا ووزيرة؟ بلد فقير ونواب لأشهر وتقاعد أبدي؟ بلد فقير ومظاهر البذخ والتبذير في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية تضاهي ما نسمع عنه في الدول الغنية المرتاحة ومن أعطاها الله من واسع أبوابه؟
وما دام الأردن بهذا الفقر والفاقة والعوز, فمن أين نهب الناهبون وسرق السارقون واستولى على الملايين الفاسدون؟ وما دام الأردن قاعا صفصفا وصحراء جرداء لا ماء ولا خضراء ولا وجها حسن, فمن أين تشب هذه القصور وتلك الأبراج والمشاريع العملاقة إلى عنان السماء صباح مساء وتتفتق الأرض عنها مثل "الكمئة" بعد كل رعد؟
بالله عليكم, توقفوا عن استهبالنا وذر الرماد في عيوننا والضحك على ذقوننا. أعيدوا للأردن ماله وحلاله واحتفظوا برواتبكم كاملة غير منقوصة, حلالا زلالا عليكم, وسنكون والأردن لكم من الشاكرين.



تعليقات القراء

عزابي مخنوق
...........
رد من المحرر:
نعتذر.......
26-05-2012 03:45 PM
شفقان
...........
رد من المحرر:
نعتذر........
26-05-2012 04:40 PM
جمانة
.........
رد من المحرر:
نعتذر..........
26-05-2012 04:43 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات