الدعاء الباقٍ


بسم الله الرحمن الرحيم

" وإذا سألَكَ عِبَادي عَني فَإنّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاع إذا دَعَانِ فَليَستَجيبُواْ لي وَليُؤمِنُواْ بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " (البقرة : الآية : 186)

إن الدعاء الباقِ هو ذاك الدعاء الذي تمتد قيمته إلى أبعد من حدود هذا العالم إلى عالم ما بعد الأرض .. العالم الذي يكون فيه العطاء بلا حساب ودون قيد أو شرط, وغير مقطوع وغير ممنوع, وقله هم من يدركون حقيقة هذا الامتداد, فلا تستبد بهم ضرورات الأرض مع عمرهم المحدود, ولا تلتصق أحلامهم وآمالهم بجمالها المحصور كي لا تخرج بهم حياتهم الدنيا إلى حياتهم الآخرة بلا خلاق.. وهذا ما يميز المؤمنون الطيبون عن السفهاء والمنافقون حقيقة كون هذه الفئة الأخيرة لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا, اما الحياة الآخرة فهم عنها غافلون فيما ران على قلوبهم من حب الشهوات العاجلة والزائلة دون أن يتفكروا فيما سيقودهم إليه وردها المورود من شقاء وبؤس ورجس ودنس مع عذابها .. عذاب السموم.
ومن هنا ترد إشارة رقيقة شفافة وندية فيها قرب وفيها أُنس لكل الباحثين عن الرجاء والدعاء والسعادة الأبدية تحثهم على الأقبال على الله مجيب الدعوات, فتقرر لهم حقيقة مدى قربه منهم ومعرفته بأحوالهم, وتظهر وعده لهم بالإستجابة المنوطة باستجابتهم له إذا ما أقبلوا عليه واستجاشت احاسيسهم ومشاعرهم تجاهه فآمنوا واتبعوا هديه وساروا على طريقه .. طريق الحق والرشد.
يقول البيضاوي : "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" : أي فقل لهم _يا محمد_ إني قريب وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.. "أجيب دعوة الداع إذا دعان" : تقرير للقرب ووعد للداعي بالإجابة . "فليستجيبوا لي" : إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم. "وليؤمنوا بي" : أمر بالثبات والمداومة عليه. "لعلهم يرشدون" : راجين إصابة الرشد وهو إصابة الحق .. واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبه بهذه الآية الدالة على أنه تعالى خبير بأحوالهم سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم مجازيهم على أعمالهم تأكيدا له وحثا عليه. (تفسير البيضاوي:ج1/ص467_468).
وروي ان بعض الصحابة قال : يا رسول الله هل ربنا قريب فنناجيه ام بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. فهو سبحانه سميع قريب مجيب رحيم وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وهو يعلم من أحوال العباد ما لا يعلمه غيره ويقدر على قضاء حوائجهم التى لا يقدر عليها غيره ويرحمهم رحمة لا يرحمهم بها غيره. (مجموع الفتاوي:ج4/ص499).

فإذا ما إستجاب العباد لرشد ربهم, فدعوه بقضاء مسألتهم وحوائجهم, فإن الإستجابة منه تعالى لهم كائنة وصائرة في الوقت الذي يوافق حكمته وتقديره.
روى الترمذي في سننه عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قال : ما على الأرض مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلا آتَاهُ الله إِيَّاهَا أو صَرَفَ عنه من السُّوءِ مِثْلَهَا ما لم يَدْعُ بِإِثْمٍ أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ, فقال رَجُلٌ من الْقَوْمِ : إِذًا نُكْثِرُ. قال : الله أَكْثَرُ. (سنن الترمذي:ح3573/ج5/ص566).

(www.bakrkhlaifat@yahoo.com)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات