الربيعُ المزْعوم !


في العقلِ المأزوم مَرْسوم ! وبالقلب المهزوم مَوْسوم !

إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحْمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ..

يقول الله - تبارك في علاه - : { وَعَد اللهُ الذين آمنوا منكم وعَملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما اسْتخلفَ الذين من قبلهم وليُمكّننّ لهم ديَنهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خَوفهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئا ومن كفر بعدَ ذلك فأولئك هُم الفاسقون }

إنّ أسباب عزّة الأمة وتمكينها وأمنها قد جاءت – في هذه الآيات – بيّنة قاطعة لأي جدل أو مراء ، مانعة لأيّ دَجَل أو افتراء ..

إنَّ سبب العزة والأمن والتمكين للأمة هو إيمانها والعمل الصالح ..

والإيمان والعمل الصالح لهما ثمرات عظيمة ؛ فإضافة لكونهما شرط التمكين والأمن للأمة فهما : سبب السعادة والاطمئنان ، والحياة الطيبة والفلاح ، ثمّ يوم القيامة النجاة من النار ودخول جنة العزيز الغفار ؛ والآيات الدّالة على هذا - في كتاب الله - كثيرة .

فإذا تخلفت الأمة عن تحقيق هذا السبب أو الشرط كَبَتْ ونكَبَت ، واجتمعت عليها الإحن والمحن وتكالبتْ ، وانتشر الشّر ، و { ظهر الفساد في البر والبحر.. }

قال الإمام الشوكاني في تفسيره ( فتح القدير ) – بعد أن ذكر أقوالاً في معنى الفساد - : " والظاهر من الآية ظهور ما يصح إطلاق اسم الفساد عليه سواء كان راجعا إلى أفعال بني آدم من معاصيهم واقترافهم السيئات وتقاطعهم وتظالمهم وتقاتلهم ، أو راجعًا إلى ما هو من جهة الله - سبحانه - بسبب ذنوبهم كالقحط وكثرة الخوف والمَوْتان [ موتٌ يقع في الماشية ] ونقصان الزرائع ونقصان الثمار ! "

قال القرطبي في تفسيره : " وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش . وقيل : الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم ; أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات ; والمعنى كله متقارب "

قلت : وكلّه – اليوم – في الأمة واقع { بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعضَ الذي عملوا لعلهم يرجعون }

يرجعون إلى ربّهم – جلّ ثناؤه – مما هم فيه من المعاصي والذنوب ؛ وما أكثرها ! وما أقبحها ! وما أقواها – تسلّطاً – على الناس !

وأنتم ترون ما – اليوم - قد انتشر في ( بلاد المسلمين ! ) من قبائح الأقوال ، و فضائح الأعمال ، و فضائع الأفعال .. !

حتى كأنْ لا بعث بعد الموت ، ولا حساب ، ولا ثواب أو عقاب .. !
وإلى الله المُشتكى ، وإليه المآب .

وهنا .. في وطننا الأردن – حماه الله جلّت قدْرته - :

فعن مثل هذا الكلام الّلباب ضاقت عقول لِما أزِمَ فيها – من الأفكار والمناهج والمذاهب – وتزاحَم: توجّه حزبيّ على ( توهّج ! ) عصبيّ، سرورٌ على ابتداع ، وغرورٌ على ( إتّباع ! ) ، ( فكر علمانيّ على منهج ثوري ! ) ..
والأدْهى لا الأهْدى : ( علم ! ) هُلاميّ على ( تحزّب سياسيّ و إسلاميّ! ) ..

باختصار .. نفق عقليّ مُظلم ( رسموا و زعموا ! ) لهم فيه ( ربيعاً ! ) أسوداً قاتماً .. ظالماً ..
فأنّى يراه إلا من نوّر الله قلبه وكان من الهوى سالماً ، ومن كان بالسّنة عاملاً عالماً ..

وأمّا أصحاب ( الرّبيع المزعوم ! ) في وطننا فقد أتوْه بـ ( رِهان ! ) لا بُرْهانٍ .. !

راهنوا على ( شعبيتهم ! ) فأمْلت لهم ( العقولُ ) أنّهم هم ( الغالبون بشرعيّتهم ! )
راهنوا على ( دعم القوى الغربيّة ! ) لحريّة الشعوب .. ! ؛ فملأت لهم ( العقولَ ) أنْ لا حوْلَ للدولة ولا قوّة ( فركّزوا ) على العيوب ..!
راهنوا على ( التنظيم المتقن ! ) فسوّلت لهم ( العقول ) طلب الرئاسة ( الهدف المبطّن ! ) ..
راهنوا على ( عاطفة المسلمين ) فسوّغت لهم ( العقول ) اللعب على ( وتر الدّين ! )


راهنوا وراهنوا .. وراهقوا ليُرْهقوا ... !

فجاءوا الفتنة من كلّ باب: بالتنديد والسِّباب، والتهديد و محاولة ( الإرهاب ! ) ، وتارة بالتعقيد واختلاق الصّعاب .. وأنّ غيرَ ما ( يروْنه ) ليس هو الصّواب .. !
ومرّة بعد مرّة : بالتصعيد في ( جُمَعِهم ) وإطلاق ( الألقاب ! ) ، و ( التجاوز ! ) في الشعارات والعبارات والخطاب ..

وبعدُ .. فنقول :

إنّ ( الأزمة ! ) في العقول ، وهجر النصوص الشرعيّة ، وصحيح المنقول عن السّلف والعلماء الفحول ، والأئمة العدول ؛ سيزيدنا تشرذماً وفرقة وتفتّتاً ، ولن يجلب إلى ديننا ودنيانا إلا فساداً وتشتّتاً ..

{ إنَّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفُسهم }

فلِمَ التّعنّت .. ؟!

والنّاس قلوبهم ضعيفة ، و ( تديّنهم ) أضعف ..! ؛ فطوبى لمن اتقى الله – فيهم – وأنصف .. وبهم رفِقَ وتلطّف ..
فتعاهدهم بالعلم – تأديباً وتهذيباً – وبالتوحيد والسنة عرّف ، وبينهم آخى وألّف ..

هذا نصرُ دين الله ..
وهو المعظّم المُقدّم عند أهل السنة لما تقدّم ..

{ إنْ تَنْصروا الله ينْصركم ويثبتْ أقدامَكم }

فليكن على هذا – أيها المسلمون – إقْدامُكم ..

وأمّا القلوب التي - من هذا الأصل - متوجّسة كارهة ! ، وتراه – تنظيراً – مجرّد تنظير في كتب فارهة ؛ فهي – حقيقةً – قلوب مهزوزة مهزومة ، ومن العلم فارغة ..!
ولا توسم الفتنُ إلا بمثلها .. ! ؛ لا بالقلوب المطمئنة – ثقةً - بالله تعالى ، وبوعْده للمؤمنين ..

هذا وإنّ التخلّف عن الأسباب الحقيقيّة للأمن و التمكين ؛ هو – أساساً – من التلوّن في الدين !


قال إبراهيم النخعي – رحمه الله - : " كانوا يرون التلوّن في الدّين من شكّ القلوب ! "

خاتمة ..

قال الإمامُ الآجري – رحمه الله تعالى - :

" .. فإنَّ الفتنَ على وجوهٍ كثيرةٍ ، وقد مضى منها فتنٌ عظيمةٌ ، نجا منها أقوامٌ ، وهلكَ فيها أقوامٌ باتّباع الهوى، وإيثارهم للدنيا ؛ فمن أراد اللهُ به خيراً فتحَ له بابَ الدعاءِ، والتجأَ إلى مولاه الكريم ، وخافَ على دينِه، وحفِظَ لسانََه، وعرف زمانََه، ولَزِمَ المحجّةَ الواضحة : السوادَ الأعظم ، ولم يتلوّن في دينه ، وعَبدَ ربّهُ – تعالى - ، فتركَ الخوضَ في الفتنة ، فإنَّ الفتنةَ يُفتضحُ عندها خلقٌ كثير ! "

أسأل الله – جلّ في علاه – أن يُجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل بلدنا آمناً ، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبّه ويرضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات