اضراب البوتاس .. الكرامة والعدالة


دخل اضراب عمال شركة البوتاس العربية يومه السادس، في كافة مواقع الشركة ، في غور الصافي حيث المصانع ، وفي العقبة حيث ميناء التصدير ، وفي عمان حيث الادارة الرئيسية ، وتوقف الانتاج بشكل تام ، وتقدر خسائر الشركة يوميا نتيجة هذا الاضراب ، بحوالي ثلاثة ملايين دولار يوميا ، وتبع ذلك توقف مصنع البرومين المجاور ، الذي يعتمد في انتاجه على ما توفره له شركة البوتاس ، من املاح البحر الميت .

ومما يحز في النفس ، وكان موضع استياء عمال البوتاس ، هو تجاهل معظم المواقع الالكترونية لهذا الاضراب ، وهي التي اصبحت وسيلة الاعلام الجماهيرية الاولى ، مما دفع بعض العاملين ، الى اتهام هذه المواقع بشتى الاتهامات والتشكيك بنزاهتها .

لم يكن اضراب عمال البوتاس وليدة ساعته ، بل جاء بعد تراكمات سنين طويلة ، من انعدام العدالة ، تعمق بعد قدوم المستثمر الكندي اواخر عام 2003 ، وهذا لا يعني اننا كنا نعيش العدالة المطلقة في العهد العربي ، بل كان هناك عدالة نسبية افضل ، حيث كان بامكان اي موظف يعاني الانتقاص من حقوقه ، ان يطالب المسؤولين بكافة مواقعهم بانصافه ، متجاوزا مسؤوله المباشر ان لم ينصفه ، وهذا ما يشبه الاستئناف والتمييز في القضاء ، وهو امر من صلب العدالة ، وجميع عمال البوتاس يستذكرون اداراتهم العربية السابقة ، التي كانت تنصف اي مظلوم ان اقنعها بعدالة مطلبه ، لقد كان بامكان اي منا ، ان يذهب الى مكتب نائب المدير العام للشؤون الفنية ، المهندس ناصر السعدون ، في النهار والليل ، حيث كان يعمل بهاتين الفترتين ، ويطرح قضيته ، فان اقتنع بها ياخذ حقه ، ويخرج الجميع راضون عن حكمه ، دون ان يغضب مسؤوله المباشر من تجاوزه اداريا ، خاصة انه كان يتمتع بشخصية محببة للجميع ، وان لم يحصل على حقه فانه لن ييأس من تحقيق ذلك لاحقا .

اما في عهد المستثمر الكندي ، فان المظالم تجذرت وترسخت ، بعد اقرار هيكلة الرواتب عام 2008 ، التي لم تبنى على اسس واضحة ، بل على اسس المحسوبية والشللية والاقليمية والطائفية ، وهنا نلوم الادارات العربية وليس الادارة الكندية ، حيث كان رفع الرواتب بعد تآكلها في السنوات السابقة الى مستوى مقبول ، هو من انجازات الادارة الكندية ، لكن توزيع هذه الزيادة قد غاب عنه العدالة .

اما لماذا استمر غياب العدالة حتى الان ، فهو مسؤولية الادارة الكندية ، لان ممارستها قد ساهمت بهذا التغييب للاسباب التالية :

1 – منحت الادارة الكندية المدراء العرب ، اضافة الى الرواتب الخيالية ، والامتيازات الاخرى ، الصلاحيات المطلقة ، الغير قابلة للاستئناف والتمييز كما في القضاء في كل ارجاء الدنيا ، واغلقت الابواب امام العاملين ، وترفض الاستماع لاي شكوى ، فتردها مئات الشكاوي عبر البريد الالكتروني ، دون ان تستجيب لاي منها ، اي ان مدير الدائرة العربي ، الذي تضاعف راتبه بعد التعديل الى خمسة اضعاف ، اصبح الحاكم بامر الله ، يمارس كل اشكال التمييز دون محاسبة ، فهو الخصم والقاضي ، اي ان الادارة الكندية تطلب من الموظف ، الخضوع التام لمشيئة مدير الدائرة ، حتى ينال الرضى ان استطاع ذلك ، لكن هيهات لابن الاردن ان يتنازل عن كرامته .

2 – بعد تعديل الرواتب عام 2008 الذي غاب عنه العدالة ، نتيجة عشوائية توزيع الزيادة ، وتذمر العاملين ، اعترفت الادارة الكندية ونقابة عمال المناجم والتعدين بوجود هذه المظالم ، وفتح ملف المطالبات بالعدالة ، لكنه عانى المماطلات والتسويف ، مراهنة على عامل الوقت ، كي ينسى العمال حقوقهم ، وها قد مضى اربع سنوات على التعديل ، وعمال البوتاس مستمرون بالمطالبة بالعدالة ، لقد كان عدد المتظلمين حوالي 700 موظف من اصل 2400 موظف ، ثم قلصت الادارة العدد الى 160 ثم الى 48 واخيرا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، فجاء تعديل الرواتب لمدراء الدوائر العرب ، وكانهم هم اصحاب الحقوق المنقوصة ، فمنحوا زيادة على الراتب من 250 الى 400 دينار ، اما اصحاب الحق من العاملين ، فلم يحصلوا على حقوقهم ، وهنا كانت غضبة العاملين ، الذين اعتصموا جزئيا لمدة اربعة ايام ، للمطالبة بحقوقهم ، وهذه الممارسات تذكرنا بالانتداب البريطاني ، عندما كان يحاول استمالة زعماء القبائل والعشائر ، وبروابط القرى في الضفة الغربية ، وكان في اليوم الرابع ، ان اهان المدير العام الكندي ، احد النقابيين المنتخبين من قبل العمال ، فكان الغضب الاكبر للكرامة ، وتحول الاعتصام الى اضراب شامل ،.

3 – لقد تم في عهد الادارة الكندية الانتقاص من مكاسب العمال ، فقد تم قبل شهر الغاء بوليصة التامين الجماعية ، وهي التي تمنح العامل تعويضا ماليا عن اي عجز او امراض دائمة اثناء عمله ، ولهذه القضية جذور فساد تمتد من ايام الادارة العربية ، حيث لم يكن اغلب العمال على علم بها ، فكان التعويض المالي فقط للمدراء والمتنفذين ، وعندما افتضح امرها وطالب بها العمال ، تم الالتفاف على حقوقهم ، بمنحهم نسبة عجز متدنية ، ثم تاجيل المطالبة بها الى نهاية الخدمة ، فاضطر العاملون المتضررون الى رفع قضايا امام المحاكم وحصلوا على حقوقهم ، فاثار ذلك غضب الادارة العليا ، وحرمت من رفعوا قضايا من حقوقهم الطبيعية بالترقية والدورات وغيرها ، واصبح هناك ملف رديف لملف المظالم ، اسمه ملف التامين الصحي ، واصبحنا نعيش قضية كقضية فلسطين في البوتاس ، تحرير الارض وحق العودة ، فلم نحصل على حقوقنا في ملف التظلمات ، ولا بملف التامين الصحي ، الى ان تم الغاء بوليصة التامين ومنح العاملين الذين لم يرفعوا قضايا ، نسبة معينة من الراتب ، مضروبة في عدد سنوات الخدمة ، ومن خلال ذلك حصل المدراء العرب ، اصحاب الرواتب العالية على اكبر نسبة من هذا البديل ، وصل لبعضهم الى 120 الف دينار ، بينما العامل الذي حصل على عشرين الف دينار في احسن الاحوال ، ودفع خمسهم للمحامي الذي رفع القضية ، وتعرض للعقوبات الجائرة وحرمانه من الترقية والدورات والامتيازات الوظيفية ، وهو يعاني المرض والعجز ، هو الخاسر الاكبر ، بينما المدير العربي الذي ليس لديه امراض او عجز ، فقد جاءه هذا المبلغ الضخم على طبق من فضة ، ليضاف الى رواتبه العالية وسلسلة امتيازاته ، فتضاعف القهر للعامل ثلاث مرات .

4 – نعيش في البوتاس ومنذ عام 1986 وضعا شاذا لا مثيل له في الاردن ، وربما في العالم الثالث ، فمنذ ذلك التاريخ اصبح عمال البوتاس فئتين ، فئة ترث وفئة لا ترث ، لقد كانت هناك قبل هذا التاريخ مكافاة نهاية الخدمة ، تمنح العامل في نهاية خدمته تعويضا ماليا متدرجا ، يصل بعد عشرين عاما الى ثلاثة اضعاف الراتب الشهري الاجمالي عن كل سنة خدمة ، توقف العمل به عام 1986 للعاملين الجدد ، واستمر للعاملين القدامى حتى اليوم ، وقد خلق ذلك غضب العاملين ، حيث يحصل احد العمال في نهاية خدمته بعد عشرين عاما مثلا على اكثر من خمسين الف دينار ، بينما زميله الذي يقوم بنفس عمله لا يحصل على شيء ، وزاد هذا التفاوت بعد تعديل الرواتي عام 2008 فقد تضاعفت الرواتب للمدراء الى خمسة اضعاف ، اي ان الثلاثة اشهر عن كل سنة خدمة اصبحت فعليا 15 شهرا ، واصبح بعضهم يتقاضى بعد انتهاء عمله ثلاثة ارباع المليون دينار ، واقلهم اكثر من مئتي الف دينار ، وتضاعف الراتب لبقية المنتفعين من هذه الميزة وتضاعفت مكافاتهم ، اما اغلب العاملين فلا شيء لهم بعد التقاعد ، ونود ان نذطر ان موظفي الضمان الاجتماعي ، التي الغيت المكافاة بسبب تاسيسه ، وموظفي جامعة مؤته ، التي تقدم لها البوتاس المساعدات ، يتقاضون هذه المكافاة ، والعديد من الشركات والمؤسسات في الاردن كذلك ، وهنا نود ان نذكر ان الموظفين في البوتاس قد اصبحوا ثلاث فئات هي :

1.4 – فئة الذي التحقوا بالشركة قبل عام 1986 ، ويقدر عددهم بحوالي 300 موظف ، يتقاضون مكافاة نهاية خدمة ما بين 200 الف دينار وثلاثة ارباع المليون دينار لكل منهم .

2.4 – فئة الموظفين الجدد من الشباب ، حيث اقلهم راتبا يتقاضى 900 دينار شهريا وهولاء ياملون بالمزيد مستقبلا ، والحصول على مكافاة نهاية الخدمة ، ولا يبدون قلقا لذلك ، خاصة ان بعضهم يعمل عملا اضافيا يقارب راتبه .

3.4 – اما الفئة المسحوقة في شركة البوتاس ، فهي فئة العاملين الذين تم تعيينهم بعد عام 1986 وتوقف مكافاة نهاية الخدمة ، وخدمة اقلهم عشرون عاما ، عملوا باصعب الظروف واقل الرواتب ، فقد اصبحوا كخيل الانجليز ، لم يحصلوا على حقهم بتعديل الرواتب الذي كانت احدى تبريراته المسمى الوظيفي ، اي ان رئيس القسم منذ 15 سنة ياخذ نفس راتب رئيس قسم منذ سنة واحدة ، وهنا نود ان نشير الى التلاعب في المسميات التي منحت للمحاسيب قبل هيكلة الرواتب باشهر واسابيع ، كي يمنحوا على اساسها الزيادة الاكبر .

لقد طال الحديث رغم الكثير المتبقي ، لكنني اود التوقف عند هذا الحد ، لتسجيل خيبة املنا من ادارتنا الكندية التي كنا نتوسم فيها احترام الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان ، االتي اصبحت عنوان الحياة في الغرب ، واصبحت شعارات ساسة الغرب ، فمن اجل الديمقراطية وحقوق الانسان تشن الحروب ، وتشجع الاضطرابات في منطقتنا ، لكن هذه الديمقراطية والعدالة لا تنسحب علينا في شركة البوتاس ، ونحن في ظل الادارة الكندية ، فمن يفسر لنا هذا التناقض ؟

مالك نصراوين

m_nasrawin@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات