قطار التعليم يبدأ بعربة التعليم


التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية الذي صدر عن مؤسسة دار الفكر العربي يستحق أن يقرأ مرة ومرتين وأكثر خاصة من اصحاب الشأن حيث استعرض واقع الثقافة العربية عند العرب ورصد بدقة أهم تحديات هذه الثقافة وحلل بصورة مثيرة للاهتمام محاورها الأساسية وزاد من أهمية هذا التقرير عما سبقه أنه ربما قدم تفسيرا علميا لزلزال الربيع العربي الذي اذهل العالم بعيدا عن التحليلات السطحية المرتبطة غالبا بالأهواء السياسية او النفاق لهذا النظام او ذاك وكان محور التعليم خاصة الجامعي منه قد حضي بتغطية كبيرة واظهر واقعه المؤلم نسبة الى جملة قضايا مثل الاستقلالية والتمويل والادارة والبحث العلمي ومدخلاته ومخرجاته .
في الواقع ما جعلني أعود للكتابة عن هذا التقرير بعد أشهر هو أنني لم اقرأه وقت صدوره علما بانني تابعت التقارير التي صدرت عن هذه المؤسسة في السنوات السابقة وما أعرفه عنها من مصداقية البحث واستقلالية الفكر وحيادية الطرح واثار اهتمامي واعجابي دقة وموضوعية البحوث التي صدرت بحق كل محور من المحاور التي يعالجها التقرير وهذا يبرز لدينا مؤسسات وباحثين ومفكرين يمكن لهم ان يقدموا تشخيصا دقيقا ورؤى صادقة بل ويقترحوا حلولا مبتكرة اذا حظوا باستقلالية مناسبة بعيداً عن الاستبداد السياسي أو المؤسسي وربما يحسب لهذه المؤسسة ورئيسها الامير خالد الفيصل انها تقدم استشرافا لمستقبل العرب من خلال نظرة حيادية لا تحابي احدا او تنافق مستبدا.
ما جاء في التقرير عن التعليم كان صادقا بموضوعتيه صادما في حقيقته فطالب المدرسة في بلادنا يكلف 120 دولار مقابل 750 في الغرب اما الطالب الجامعي في عدد من اقطارنا مثل الاردن ومصر وسوريا يكلف 800 دولار مقابل 10000 دولار في اسرائيل و22000 دولار في امريكا اما بالنسبة للمرتبات والاجور فالجهاز الإداري الضخم والمترهل يمتص ما يقارب ثلثي ميزانية الجامعة والانفاق على البحث العلمي ليس ذا قيمة والجامعات لا تتمتع باستقلالية وتدار من الخارج والمخرجات متدنية المستوى لا يمكنها أن تنافس اقليميا أو عالميا.
إن الاختلال الرهيب بين كم ونوع المخرجات لدينا مع حاجة سوق العمل راكم لدينا اصحاب شهادات لا أصحاب كفاءات أو أهل خبرات وأن تنامي قطاع التعليم الخاص وتفشي الجامعات الخاصة التي تهدف الى الربح المادي جعل مخرجات التعليم تتدهور سنة بعد اخرى وصولا الى تراكم جيوش العاطلين عن العمل ففي تونس – مثالا - التي دشنت الثورات العربية وصل عدد العاطلين عن العمل الى 740 الف بعد 5 اشهر من اندلاع الثورة التونسية.
من هنا سعى كثير من هؤلاء الذين لا يجدون فرصتهم في العمل الى العودة مرة اخرى الى الجامعات للحصول على مؤهلات ودرجات علمية اعلى لكن ليس الدافع الان هو البحث العلمي والرغبة الجامحة في المساهمة في اجتراح الحلول لقضايا مجتمعهم بقدر ما كان ذلك هروبا من واقعهم وأشبه ما يكون ببطالة مقنعة.
صار النجاح غوغائيا وهدف الجامعة ماديا اما هدف الطالب فرصة عمل فإن لم يجد فلا بأس أن يلوذ بالجامعة مرة اخرى ليحصل على الشهادة الثالثة وربما الرابعة وأعداد الطلاب في الدراسات الإنسانية اضعافهم في الكليات العلمية وكل هذا ادى الى اختلالات في التعليم ادى بدوره الى اختلالات في سوق العمل فوجدت جيوش العاطلين في شبكات التواصل فرصتها ليعبروا عن أفكارهم وابداعاتهم وضيقهم بأنظمة الاستبداد المتخلفة فيصب كل ذلك في ميادين وساحات التحرير في مدننا وعواصمنا فتشتعل الثورات وتطير كراسي توهمنا يوما أنها اثبت من رواسي الجبال.
ولو عدنا قليلا الى الوراء لعقد واحد فقط من الزمن الى قرية من قرانا لوجدنا أن حملة درجة الدكتوراه لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة اما اليوم فان عددهم ربما تضاعف عشرات المرات لكن دون ان يكون هناك أي أثر ايجابي لتراكم هذه الشهادات أو حتى افتراض انهم ساهموا في زيادة او تغيير نمط التنمية في محيطهم لان الهدف الاساسي انتفى من وراء الحصول على الشهادة.
وعلى الرغم من أن جامعتنا تزدحم بالدارسين الا أن الواقع الثقافي وواقع البحث العلمي وواقع اللغة العربية لا يرضي أحدا ولا يبشر بخير ولا يمكن احداث تغيير الا باجتراح حلول خلاقة واتخاذ قرارات جريئة وأهم من هذا كله أن يبتعد التعليم لدينا عن اجهزة الاستبداد السياسي والمؤسسي التي تخشى الإبداع وتعاديه.
لقد اخترت محور التعليم بين المحاور الاخرى للحديث عنه لأن الإصلاح الحقيقي يبدأ به ومن ينشد اصلاحا بدونه يبدو واهما وهو كمن يهتم بإصلاح بيته وتزيينه وهو يعرف ان أساساته على وشك الانهيار فالتنمية الحقيقية والمستدامة لا سيما الاقتصادية منها ترتكز عليه خاصة في عصر الاقتصاد المعرفي.
ان واقع التعليم لدينا في جميع مراحله مزري حقا وإذا بقي الخلل في مدخلاته ومخرجاته وعملياته مع تناقض صارخ مع متطلبات سوق العمل فهذا يعني ان امتنا حسمت خياراتها بين استبداد قاتل او فوضى مرعبة.



تعليقات القراء

ا.د.خالد احمد الطراونه
اننا بحاجه الى مؤتمر بل مؤتمرات مع اراده سياسيه لتغيير واقع التعليم والا سيقع المحضور في السنوات القليله القادمه
11-04-2012 09:26 AM
ابراهيم الفرايه - جامعة مؤتة
التعليم العالي يمر الآن في مرحلة حرجة ... فإما أن يتم تدارك المشكلة و الخلل بأسرع ما يمكن ... و إلا فعلى تعليمنا السلام
11-04-2012 01:47 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات